تتّهم قطاعات واسعة من الشباب الليبي السلطات المنقسمة في شرق ليبيا وغربها بـ«إقصائهم وتهميشهم»، وذلك خلال جلسات حوار ترعاها بعثة الأمم المتحدة.
هذا التهميش للشباب عزاه نشطاء وسياسيون إلى تغوّل «حكم العائلات» و«نفوذ الميليشيات» المرتبط بالانقسام السياسي في البلاد.
شباب ليبيون مع نائبة المبعوثة الأممية خوري بمقر البعثة في طرابلس (البعثة الأممية)
ومن بين المشاركين في هذه الجلسات الحوارية، الناشط الليبي عياد عبد الجليل، المنتمي إلى مدينة تاورغاء (غرباً)، والذي تحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن «حكم العائلات وسطوة الميليشيات والمتنفذين الذين يحرمون الشباب من المشاركة في صنع القرار والتمكين السياسي».
ودرج الحديث بين الليبيين عن «حكم العائلات» في إشارة إلى شاغلي مناصب حساسة في شرق ليبيا وغربها، من بينها عائلة الدبيبة التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة رئيس «حكومة الوحدة» المؤقتة، وعائلة المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني».
ويقول عياد عبد الجليل (26 عاماً) لـ«الشرق الأوسط»: «منذ 2011 تفتح وعيي على (ثورة فبراير/ شباط)، والإقصاء مستمر منذ ذلك الحين»، مبدياً إحباطه من ابتعاد شباب جيله عن صنع القرار.
ويتضاعف شعوره بـ«تهميش الشباب»، خصوصاً أنه ينتمي إلى مدينة تاورغاء التي «طالما عانت صنوفاً من الإقصاء وتهجير أهلها بعد (ثورة فبراير) 2011»، وفق تعبيره.
وعلى مدار شهر يوليو (تموز) الجاري، استضافت البعثة الأممية شباباً أبدوا استياءهم من «الانقسام المؤسسي»، و«فجوة فقد الثقة الكبيرة مع الجهات الحكومية والأجسام السياسية لعدم وجود أي تمثيل لهم»، بل يعتقد الكثيرون أنها «عرقلت الانتخابات لرغبة القائمين عليها في البقاء في السلطة»، وفق ما نقله بيان للبعثة الأممية.
ويرى محمد الفاخري (33 عاماً) من أجدابيا (شرق ليبيا)، أن التهميش يبدأ «من اللحظة الأولى لتخرّج الطالب الجامعي»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن التعيين في بعض مؤسسات الدولة «يحتاج وساطة من أحد أصحاب النفوذ، سواء كانوا سياسيين أو برلمانيين أو عسكريين».
ويذهب الفاخري إلى الاعتقاد بأن «حكم العائلات الكبرى بات ظاهرة منتشرة، لا تقتصر على القابضين على السلطة».
ويبدو الشعور العميق بالإقصاء للشباب أيضاً في الجنوب الليبي؛ إذ نقل بيان البعثة الأممية عن إحدى الجلسات «شكوى من عدم التمثيل في البرلمان، والحرمان من الوصول إلى المبادرات الوطنية».
اقرأ ايضا: “الجبهة الوطنية” يدفع بالمرشح عصام محمد حسين على مقعد الفردى بـ”الفيوم”
وهنا يلخّص الناشط الليبي مرعي غريبة رؤيته لمشكلة «إقصاء وتهميش» الشباب، قائلاً: «الحرب للشباب والمناصب لكبار السن»، وفق ما قال لـ«الشرق الأوسط».
وفي بلد يعاني من الانقسام والفوضى، لا توجد إحصاءات حديثة لتعداد المواطنين وفئاتهم العمرية، لكن آخر تقديرات مصلحة التعداد والإحصاء قبل سبع سنوات قدّرت أعداد الفئة العمرية بين 19 و35 سنة بنحو مليون و12 ألف نسمة، يمثّلون 59 في المائة من إجمالي السكان.
مظاهرة شبابية ضد حكومة «الوحدة» بطرابلس في مايو الماضي (أ.ف.ب)
وتلقي «مفوضية المجتمع المدني» في طرابلس باللائمة في «تهميش الشباب» على «هيمنة البنية القبلية الجهوية والعائلية»، وتلخّص رئيسة المفوضية، انتصار القليب، المشكلة في «احتكار المناصب داخل دوائر ضيقة، وفي المحاصصة القبلية، على أساس الانتماء العائلي أو القبلي، وليس وفق المستوى التعليمي أو الكفاءة المهنية والخبرة».
وتشير القليب لـ«الشرق الأوسط» إلى «سيطرة المجموعات المسلحة التي باتت تُحدّد من يشارك ومن يُقصى، وتُرهب الكفاءات الشابة، وتحاصر أي صوت حر أو طموح مستقل»، محذّرة من أن «شعور الشباب بالعزلة وانعدام الثقة في مؤسسات الدولة سيجعلهم فريسة سهلة لشبكات الحرب أو الجريمة العابرة للحدود، أو رهائن للولاءات الضيقة، أو مشاريع عنف كامن».
وفي هذا السياق، يخشى أكاديميون من انعكاسات استمرار «تهميش الشباب» الذي ربما يعيد البلاد إلى دوامة جديدة من الإرهاب والتطرّف، في بلد سبق أن أفلت من نفوذ تنظيمات العنف الديني المسلحة، وأبرزها «داعش»، قبل سنوات.
ويصف الأستاذ الأكاديمي الليبي الدكتور فيضي المرابط، أستاذ الدراسات المستقبلية بجامعة طرابلس، هذا التهميش بأنه «قنبلة موقوتة»، محذّراً من «إعادة البلاد إلى دائرة الإرهاب، ومضاعفة احتمالية انهيار ما تبقى من الاستقرار الهش».
ويتخوّف المرابط في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من أن «ترك الشباب دون فرص حقيقية في التعليم والعمل والمشاركة السياسية، يخلق بيئة خصبة لانتشار أفكار التطرّف والإرهاب، في ظل الإحباط والفراغ والشعور بالظلم والإقصاء والانسداد السياسي».
كما يحذّر أستاذ الدراسات المستقبلية من «تكرار دورات الصراع والانقسام»، شارحاً أن «بقاء نفس الوجوه والمقاربات الفاشلة في الحكم يحصر ليبيا في حلقة مفرغة من النزاعات»، إلى جانب مخاوف من «دخول ليبيا مرحلة شيخوخة مؤسسية، دون كوادر جديدة مدرّبة قادرة على الابتكار والتجديد».
ويرى المحلل السياسي السنوسي إسماعيل، أنه لا حل للمشكلات السابقة سوى «إنهاء الانقسام وتشكيل حكومة كفاءات رشيدة لحلحلة الأزمة، وسيادة القانون، ومكافحة الفساد، وإعادة النظر في مشكلة التوظيف».
أما القانوني والناشط الحقوقي هشام الحاراتي، فيطالب بـ«تضمين التمثيل الشبابي في المؤسسات التنفيذية والتشريعية في أي مشروع دستور دائم»، و«إشراك الشباب في مؤتمرات الحوار ولجانها التحضيرية بنسبة عادلة ومعلنة».
كما يقترح الحاراتي «تبنّي الدولة سياسات عامة تُعيد الاعتبار لمطالب الشباب في التشغيل والتمكين والتعليم والمشاركة، بما يضمن عدم اختزال دورهم في العمل العسكري والأمني فقط».