للشاعر السعودي، إبراهيم زولي، صدر مؤخراً كتاب «ما وراء الأغلفة… روائع القرن العشرين»، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت.
يبحر كتاب «ما وراء الأغلفة… روائع القرن العشرين» في رحلة عبر ثلاثين عملاً أدبياً وفكرياً، صدرت خلال هذا القرن الماضي، لنستكشف معاً كيف شكّلت هذه الأعمال وعي العالم، وكيف لا تزال تتردد أصداؤها في أذهاننا حتى اليوم.
لكن لماذا هذه الأعمال بالذات؟ وما الذي يجعلها تستحق القراءة؟
الشاعر السعودي إبراهيم زولي مؤلف الكتاب
يجيب المؤلف: إنها ليست مجرد كتب، بل هي نوافذ مفتوحة على عوالم مختلفة، وجسور تربط بين الشرق والغرب، والأدب والفلسفة، والفرد والمجتمع، والحلم والواقع. اختارها بعناية لتعكس تنوعاً ثقافياً وجغرافياً وفكرياً يعبر الحدود. من الرواية إلى الشعر، ومن الفلسفة إلى النقد الاجتماعي والسياسي، تمثل هذه القائمة لوحة فسيفسائية تتألق بألوان الإبداع الإنساني.
في كتاب «تفسير الأحلام» لسيغموند فرويد، نغوص في أعماق اللاوعي البشري، بينما يأخذنا طه حسين «في الشعر الجاهلي» إلى إعادة قراءة التراث العربي بنظرة نقدية جريئة. ومن أميركا اللاتينية، يسحرنا غابرييل غارسيا ماركيز في «مائة عام من العزلة» بلغة الواقعية السحرية، في حين يعكس نجيب محفوظ في «أولاد حارتنا» صراعات الإنسان العربي مع الدين والمجتمع. وتضيف أعمال مثل «1984» لجورج أورويل، و«الغريب» لألبير كامو، بعداً وجودياً وسياسياً، حيث يتساءلان عن الحرية والاغتراب في عالم يزداد تعقيداً.
يقول إبراهيم زولي في مقدمة كتابه: «هذه الأعمال ليست مجرد نصوص، بل هي شهادات على لحظات تاريخية وفكرية حاسمة. ذلك لأن القرن العشرين، بكل ما حمله من حروب عالمية، وثورات، وتحولات اجتماعية، كان بمثابة مختبر للأفكار. شهد صعود الآيديولوجيات الكبرى وانهيارها، وتفكك الإمبراطوريات، وظهور حركات التحرر في العالم الثالث».
قد يهمك أيضًا: إناءان فخاريان من مقبرة «سار» الأثرية
في هذا السياق، تأتي أعمال مثل «الاستشراق» لإدوارد سعيد، و«تكوين العقل العربي» لمحمد عابد الجابري؛ لتعيد فحص الهوية الثقافية والفكرية في مواجهة الاستعمار والحداثة. بينما يقدم ميشيل فوكو في «تاريخ الجنون» تأملات عميقة حول كيفية تعامل المجتمعات مع «الآخر»، سواء كان المجنون أو المنبوذ.
يبحر كتاب «ما وراء الأغلفة… روائع القرن العشرين» في رحلة عبر 30 عملاً أدبياً وفكرياً صدرت خلال هذا القرن الماضي (الشرق الأوسط)
وما يجعل هذه الأعمال من «روائع القرن العشرين»، برأي المؤلف، هو: قدرتها على التقاط الروح الإنسانية في أوج تناقضاتها. ففي «المسخ» لفرانز كافكا، نجد انعكاساً للاغتراب الفردي في عالم يزداد جموداً، ويقدم جيمس جويس في «عوليس» مغامرة لغوية وفكرية تعيد تعريف الرواية الحديثة. من جهة أخرى، تعبّر «الجنس الآخر» لسيمون دي بوفوار عن صوت المرأة في مواجهة التمييز، في حين تعكس «محبوبة» لتوني موريسون مأساة العبودية وآثارها النفسية والاجتماعية.
وهذه الأعمال، رغم اختلاف سياقاتها، تشترك في قدرتها على طرح أسئلة كبرى: من نحن؟ كيف نشكل عالمنا؟ وكيف يشكلنا عالمنا بدوره؟ فالتنوع الجغرافي والثقافي لهذه الأعمال يعكس غنى القرن العشرين.
ينتقل المؤلف من مصر برواية «زينب» لمحمد حسين هيكل، أول رواية عربية بالمعنى الحديث، إلى المكسيك مع «بدرو بارامو» لخوان رولفو، التي ألهمت الواقعية السحرية، ومن روسيا مع «الأم» لمكسيم غوركي، إلى اليونان مع «زوربا» لنيكوس كازنتزاكي، تمتد هذه القائمة لتشمل أصواتاً من أوروبا، أفريقيا، آسيا، والأميركتين. حتى الأعمال الفكرية، مثل «الإسلام وأصول الحكم» لعلي عبد الرازق أو «البروسترويكا» لميخائيل غورباتشوف، تعكس الصراعات السياسية والفكرية التي شكلت العالم الحديث.
برأي الكاتب، فإن أهمية القرن العشرين لا تكمن فقط في تنوع إنتاجه الفكري والأدبي، بل في كونه فترة تحول جذري. شهد هذا القرن ظهور الحداثة وما بعد الحداثة، وتفكيك الأطر التقليدية للرواية، والشعر، والفلسفة. ففي «الأرض اليباب» لـ ت. س. إليوت، نجد انعكاساً للقلق الحضاري بعد الحرب العالمية الأولى، ومن جهة أخرى، تطرح «في انتظار غودو» لصمويل بيكيت رؤية عبثية للوجود الإنساني. ومن خلال «المياه كلها بلون الغرق» يبحر سيوران في مرارة الوجود عبر شذرات فلسفية مكثفة، مؤكداً أن كل شيء يقود إلى اليأس المطلق، وأن الحياة نفسها عبث لا مفر منه. بينما يظهر أمبرتو إيكو، في «اسم الوردة» وهو يسرد لعبة فكرية تجمع بين التاريخ والفلسفة والغموض.
هذا الكتاب ليس مجرد استعراض لأعمال القرن العشرين، بل هو دعوة للقارئ ليشتبك مع هذه النصوص، ويعيش تجاربها، ويتأمل في أسئلتها. إنها أعمال لا تقدم إجابات نهائية، بل تفتح أبواباً للحوار والتفكير. سواء كنت تقرأ «الصخب والعنف» لويليام فوكنر لتكتشف تعقيدات النفس البشرية، أو «الخطيئة والتكفير» لعبد الله الغذامي لفهم التحولات في النقد العربي، فإن كل عمل في هذه القائمة يحمل في طياته دعوة للتأمل في الإنسان ومصيره.
ويرى المؤلف أن كتابه، «ما وراء الأغلفة… روائع القرن العشرين» هو محاولة للاحتفاء بالإبداع الإنساني في أحد أكثر العصور ديناميكية. «إنه عمل متواضع يسعى لربط القارئ بالأفكار والقصص التي شكلت عالمنا، ويدعوه إلى استكشاف ما وراء الأغلفة: عوالم من الخيال، والفكر، والشغف الإنساني».