في زمنٍ لا يهدأ فيه الحلم، يسير الأهلي السعودي بخطى راسخة في رحلة بناء مشروع كروي لا يكتفي بالصفقات المحلية، بل ينظر إلى القارة العجوز كمنجمٍ جديد للمواهب، من قلعة “الراقي” التي استعادت هيبتها وآسيويًا، ها هي الإدارة تضع أنظارها على النجم الفرنسي إنزو ميلوت، في أولى صفقاتها الأوروبية خلال سوق الانتقالات الصيفية 2025.
حينما رحل جابري فيجا عن الأهلي هذا الصيف، بدا أن فراغ مركز صناعة اللعب سيكون صدعًا تكتيكيًا من الصعب ترميمه سريعًا، لكن الإدارة تحركت بسرعة، ووجدت ضالتها في إنزو ميلوت، الذي شغل نفس المركز في عدد كبير من مباريات شتوتجارت، تمامًا كما كان فيجا أحد أعمدة الأهلي في المركز ذاته.
كلا اللاعبين يمتلكان القدرة على التمركز خلف المهاجم، وتحريك الإيقاع، وفتح المساحات بالتمريرات الدقيقة أو الاختراق بالكرة، لذا فالمقارنة بينهما ليست مجرد حسابات رقمية، بل صراع على روح “البلاي ميكر” الحديث.
البداية كانت خجولة. مع فريق بحجم موناكو، شارك ميلوت في 3 مباريات فقط، واحدة منها فقط كأساسي، دون أن يسجل أو يصنع. وقتها، كان شابًا في الـ20 من عمره، يتلمّس أولى خطواته بين الكبار، في بيئة تنافسية لا ترحم.
رحيله إلى شتوتجارت مقابل 1.75 مليون يورو كان خطوة نحو التعلم. شارك في 6 مباريات، جميعها كبديل، لكنه نجح في صناعة هدف وحيد، لم يكن نجمًا، لكنه لاعب يملك مشروع نضجٍ تكتيكيّ بدأ في التكوين.
بداية التحول الحقيقي، والاعتماد عليه أساسيًا لعب 6 مباريات بينها 3 كأساسي، وسجل خلالها 4 أهداف وصنع هدفًا.
لأول مرة، بدأت أرقام ميلوت تعكس موهبته، خاصةً أن أهدافه جاءت في لحظات حاسمة من الموسم، ما جعله محط أنظار الجهاز الفني.
الانفجار الكبير، تحول إلى ركيزة أساسية، خاض 36 مباراة بينها 31 كأساسيًا، سجل 7 أهداف وصنع مثلها، كانت هذه السنة هي لحظة تثبيت الأقدام والانتقال من لاعب واعد إلى نجم صاعد بقوة في البوندسليغا، وسط منافسة شرسة.
رغم محدودية التجربة في بدايتها، فإن وصوله إلى 11 هدفًا و9 صناعات مع نادي بحجم شتوتجارت، في ظل دوري يُعد من الأقوى بدنيًا وتكتيكيًا، هو مؤشر واضح على تصاعد تطوره الفني والذهني. الأرقام تُخبرنا أننا أمام لاعب لا يكتفي بالمشاركة، بل يترك الأثر في الثلث الهجومي.
أرقام إنزو ميلوت المتقدمة لموسمه الذي شارك خلاله في بطولات الدوري الألماني والكأس المحلي ودوري أبطال أوروبا، تبرهن على قيمة فنية لا يمكن تجاهلها، حتى وإن كانت بطريقة مختلفة لا تعتمد على الصخب الهجومي أو لقطات “الهايلايت”، بقدر ما تتكئ على الكفاءة والاستمرارية والتوازن بين الصناعة والتهديف.
خلال 2764 دقيقة لعب، قدّم ميلوت 11 هدفًا و8 تمريرات حاسمة، وهو ما يعادل مساهمة تهديفية كل 145 دقيقة تقريبًا، ما يؤكد حضوره المستمر في الثلث الأخير، حتى وإن لم يكن صاحب اللقطة الأخيرة دومًا.
المثير في هذه الأرقام، أن معدل الأهداف المتوقعة (xG) وصل إلى 11.92، بينما سجّل فعليًا 11 هدفًا، وهو ما يعكس فعالية جيدة أمام المرمى واقترابًا كبيرًا من الجودة المنتظرة، دون هدر يُذكر للفرص.
تصفح أيضًا: ما مواعيد ديربي كتالونيا في الدوري الإسباني 2025-26؟
أما فيما يخص الصناعة، فقد حقق اللاعب xA بلغت 6.55، مقابل 8 تمريرات حاسمة فعلية، ما يدل على كفاءة تمريرية أعلى من المتوقع، وقدرة على تحويل الكرات المفتاحية إلى أهداف ملموسة، وهي سمة لا تتكرر كثيرًا في صانعي اللعب المساندين.
وعلى صعيد التصويب، جاءت أرقام ميلوت اللافتة في معدل الأهداف المتوقعة على المرمى (xGOT) والذي بلغ 13.13، أي أنه لم يكتف بتسديد الكرات، بل أحسن توجيهها داخل الإطار، مما يعزز من قيمته كنهاية هجومية آمنة.
في المجمل، لم يكن ميلوت ذلك اللاعب الذي يُكثر من المراوغات أو اللقطات الاستعراضية، لكنه لمس الكرة في 2159 مناسبة، أي بمعدل 0.78 لمسة كل دقيقة، وهو رقم يعكس نشاطًا مستمرًا في تحريك اللعب وتمريره، خصوصًا في ظل متوسط تقييم بلغ 7.13، وهو معدل مرتفع في السياق الأوروبي ويعكس توازنًا بين الأداء الهجومي والانضباط التكتيكي.
لعب ميلوت في معظم مراكز وسط الملعب ولكن أكثر المباريات كانت في مركز “صانع اللعب”، حيث أثبت قدرة على المزج بين التمرير والتهديف، مع استقرار واضح في معدل الصناعة والتسجيل.
رقمه في عدد الدقائق يؤكد أنه الخيار الأول في هذا المركز داخل شتوتجارت، ما يجعله مرشحًا طبيعيًا لخلافة فيجا.
فيجا كان أحد أهم أدوات الأهلي الهجومية، تحديدًا في مركز AMF، وساهم بشكل مباشر في بناء الهجمات، ما يميز ميلوت أنه سجل عدد أهداف وصناعات مقارب، لكن في عدد دقائق أقل، ومع فاعلية أكبر أمام المرمى.
ورغم نجاح الأهلي جزئيًا دون فيجا، فإن الغيابات دائمًا ما أثّرت على جودة بناء اللعب، ما يجعل التعاقد مع ميلوت ضرورة تكتيكية وليس رفاهية هجومية.
ميلوت سجّل عددًا أكبر من الأهداف في الموسم الماضي (11 مقابل 8) وقدم صناعات أكثر (8 مقابل 6)، رغم مشاركاته الأقل بدقائق لعب أقل بـ600 دقيقة تقريبًا. تفوق أيضًا في عدد اللمسات، ما يشير إلى مشاركته النشطة في بناء اللعب، بينما حافظ كلاهما على معدل تقييم مستقر، مما يعكس توازن الأداء.
تفوق ميلوت في جميع المؤشرات الهجومية المتوقعة الموسم الماضي، مما يدل على جودة تسديداته واختياراته في المناطق المؤثرة، وهو ما يعكس فاعليته في الثلث الأخير مقارنة بفيجا، كما أن xGOT المرتفع يشير إلى خطورة تسديداته تجاه المرمى، بينما يتفوق فيجا قليلاً في الجانب الدفاعي عبر xGC أقل.
يظهر ميلوت كلاعب أكثر تنوعًا في التسجيل، إذ سجل بالرأس والقدمين ومن داخل وخارج المنطقة. بينما يعتمد فيجا بشكل أساسي على قدمه اليسرى. رغم تفوقه في عدد “الفرص الضائعة”، فإن ميلوت أكثر إنتاجية وأثرًا هجوميًا متكاملًا.
الإجابة في الأرقام، ميلوت يجمع بين المهارة الأوروبية والتطور الألماني في التفكير، ويصل إلى الأهلي بصفقة ضخمة تُقدّر بـ30 مليون يورو، لتفتح صفحة جديدة في مشروع “الراقي”.
هو ليس فقط بديل فيجا، بل ترقية فنية محتملة. صانع لعب يجيد القراءة، والتمرير، والتسجيل. لاعب يعرف متى يُحرك الهجمة، ومتى يقتل المباراة، الأهلي يرفع السقف. وميلوت جزء من هذه المعادلة.