قلل سياسيون وباحثون ليبيون من قدرة عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، على طي صفحة الميليشيات المسلحة في العاصمة طرابلس، وقالوا إن حديثه بشأن انتهاء «زمن التشكيلات المسلحة لا يعكس الواقع».
وكان الدبيبة قال الأسبوع الماضي، إن وصف ليبيا بأنها «بلاد الميليشيات قد طُوي إلى الأبد»، غير أن معطيات الواقع، وفقاً لسياسيين ومراقبين، ترسم مشهداً مغايراً لما ذهب إليه.
الدبيبة مجتمعاً مع معاون رئيس أركان قوات «الوحدة» الفريق صلاح النمروش 14 أغسطس (حكومة «الوحدة»)
ويرى متابعون أن هدف الدبيبة من وراء هذه التصريحات «مجرد محاولة لتسويق قدرة حكومته على إخضاع المجموعات المسلحة، والسيطرة على المرافق السيادية للدولة من موانٍ ومطارات، أمام المجتمع الدولي»، متغافلاً عن واقع الانقسام الحكومي والمؤسسي الراهن.
ويلفت الدبيبة دائماً إلى تراجع نفوذ جهازي «الردع» و«دعم الاستقرار» في العاصمة لصالح انتشار قوات وزارة الداخلية، لكن عضو مجلس النواب، عمار الأبلق، يرى أن هذا «لا يمثل نهاية حقيقية للميليشيات المسلحة».
وقال الأبلق لـ«الشرق الأوسط»، إن تصريح الدبيبة «لا يعكس الواقع بدقة، فالجميع يعرف أن كثيراً من المجموعات المسلحة اندمجت في وزارتي الداخلية والدفاع بحكومته، لكن لا تزال عناصرها تدين بالولاء لقياداتها، وليس للدولة».
جانب من مخلّفات اشتباكات سابقة في طرابلس (إ.ب.أ)
وأضاف أن «عدداً من أمراء الحرب، تسلموا مناصب رفيعة ورتباً عسكرية داخل الوزارات السيادية، اعتماداً على قوة المجموعات التي أسسوها وفرضت سطوتها على الأرض، ما يجعل من الصعب القول إن زمن الميليشيات قد ولى».
واستشهد الأبلق «بتدخل ميليشيات من خارج طرابلس لدعم قوات جهازي (الردع) و(دعم الاستقرار) في مواجهة قوات موالية للحكومة، خلال الاشتباكات التي شهدتها العاصمة قبل 3 أشهر».
اقرأ ايضا: القوات المسلحة الأردنية تشارك في إخماد حرائق الغابات في قبرص.. صور
وقال: «هذا يعكس وجود طوق ميليشياوي يحاصر العاصمة، يتبدل ولاؤه وفق نجاح حكومة الوحدة أحياناً في استقطاب قياداته عبر الإغراءات المالية، أو يتحول خصماً لها نتيجة تطورات ميدانية، أو مخاوف من الإقصاء».
وتمدد نفوذ الميليشيات المسلحة في ليبيا عقب سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، وتحولت تدريجياً إلى مراكز قوى متصارعة على النفوذ والثروة، خصوصاً في المنطقة الغربية. وفي السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً ملحوظاً في أعدادها، جراء هزيمة وتفكك بعضها ودمج البعض الآخر في مؤسسات الدولة، رغم أن نفوذها وقياداتها ما زالا في المشهد.
ميليشيات مسلّحة في طرابلس (متداولة)
أما الباحث في «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، جلال حرشاوي، فعدّ خطاب الدبيبة الأخير يندرج ضمن «مساعيه للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة».
وقال لـ«الشرق الأوسط»: «من المرتقب أن تطرح المبعوثة الأممية إلى ليبيا، هانا تيتيه، خريطة طريق جديدة أمام مجلس الأمن الدولي خلال الأيام المقبلة، قد تفتح الباب لمناقشة مصير الحكومة، والدبيبة يسعى لإشغال الرأي العام بملف صراع حكومته مع الميليشيات، لتجنب التركيز على مسألة رحيله».
وقدم حرشاوي أمثلة على استمرار وجود الميليشيات الراهن في طرابلس، قائلاً: «جهاز الأمن العام بقيادة عبد الله الطرابلسي، والقوة المشتركة في مصراتة بقيادة عمر بوغدادة، هما تشكيلان محسوبان على حكومة الدبيبة، ولا يمكن وصفهما بغير الميليشيات».
ويرى الباحث المتخصص في الشأن الليبي، أن «الدبيبة عندما يتحدث عن إنهاء الميليشيات، فهو يلمح إلى المجموعات التي دخل معها في خصومة مؤخراً، بما في ذلك جهاز الردع، من دون وجود وضوح حول قدرته على تفكيكها».
بدوره، وصف نائب رئيس «حزب الأمة» الليبي، أحمد دوغة، تصريحات الدبيبة بأنها «متفائلة»، معتبراً أنها قد تكون صحيحة «إذا استندت فقط إلى تراجع نفوذ (الاستقرار) و(الردع) في العاصمة، على الرغم من استمرار وجودهما بالمشهد، وتبعية كليهما للمجلس الرئاسي».
وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عدّ دوغة، خطاب الدبيبة محاولة «لإظهار السيطرة على المجموعات التي دخل معها في خصومة مؤخراً بعد تحالف استمر نحو 4 سنوات»، محذراً من أن «حسم الملفات بالقوة في قلب العاصمة يرفع تكلفة الخسائر البشرية والمادية».