تشهد محادثات وقف إطلاق النار في قطاع غزة زخماً جديداً مع إعلان حركة «حماس» الموافقة على مقترح قال الوسطاء إنه يستند إلى إطار سابق وافقت عليه إسرائيل بناءً على ما قدمه المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، وسط اتصالات مصرية مع شركاء لدعم التوصل لهدنة ثالثة بالقطاع منذ اندلاع حرب 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
المقترح الذي يترقب تداعيات الموقف الأميركي والإسرائيلي قد يقود حسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إلى اتفاق قريب حال ضغطت واشنطن على حليفتها إسرائيل، متوقعين أن مثل هذا الضغط قد يجعل حكومة بنيامين نتنياهو لا تضع عراقيل كالتمسك بأن يكون الاتفاق شاملاً، أو الاعتراض على الإفراج عن بعض أسماء الأسرى الفلسطينيين، أو تقديم خرائط انسحاب جديدة غير مقبولة فلسطينياً.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، خلال مؤتمر صحافي في الدوحة الثلاثاء: «استلمنا الرد كما قلنا من حركة (حماس)، وبالنسبة لنا هو رد إيجابي جداً، ويمثّل صورة شبه متطابقة لما تمت الموافقة عليه مسبقاً من الطرف الإسرائيلي بنسبة 98 بالمائة»، داعياً إسرائيل لرد إيجابي وسريع.
ووصلت آخر جولة من المحادثات غير المباشرة بين الطرفين إلى طريق مسدود في يوليو (تموز) بالدوحة. ووقتها وافقت إسرائيل على الخطوط العريضة التي قدمها المبعوث الأميركي الخاص ويتكوف، لكن المفاوضات تعثرت بسبب بعض التعديلات التي قدمتها «حماس».
فلسطينيون يتفقدون أغراضاً من أنقاض منازل دُمرت جراء غارات إسرائيلية على حي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
وقال القيادي في «حماس» محمود مرداوي، عبر منصة «تلغرام»، الثلاثاء، إن «المقاومة فتحت الباب على مصراعيه أمام إمكانية إنجاز اتفاق، لكن يبقى الرهان على ألا يعمد نتنياهو مجدداً إلى إغلاقه كما فعل سابقاً».
وحسب دبلوماسيين تحدثوا لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، الاثنين، فإن مقترح الاتفاق قريب من صيغ تفاوضية قبلتها إسرائيل في السابق، لكنه لا يحقق مطلب نتنياهو الأساسي، وهو الإفراج عن جميع الرهائن دفعة واحدة، إلى جانب ترتيبات أمنية تضمن سيطرة إسرائيل على غزة، وإقامة إدارة مدنية في القطاع غير مرتبطة بـ«حماس» ولا بالسلطة الفلسطينية.
ونقلت «رويترز»، الثلاثاء، عن قيادي في «حماس» أن المقترح يتضمن الإفراج عن 200 مدان فلسطيني من سجون إسرائيل وعدد لم يحدد من النساء والقصّر المعتقلين مقابل إطلاق سراح 10 رهائن أحياء وإعادة 18 من جثث الرهائن من غزة.
ويميل المحلل السياسي بمركز «الأهرام الاستراتيجي»، سعيد عكاشة، إلى موافقة إسرائيل على المقترح، خصوصاً وأنه يستند لمقترح ويتكوف الذي واقفت عليه سابقاً قبل أن تنسحب في يوليو (تموز)، مشيراً إلى أن أي تعطيل قد يحدث سيكون بسبب عراقيل، كالتمسك من باب المناورة بصفقة شاملة وليست جزئية، أو الاعتراض على أسماء المفرج عنهم من الأسرى الفلسطينيين.
تصفح أيضًا: البرلمان التركي يعدّ الأسس القانونية لنزع أسلحة «الكردستاني»
ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني أيمن الرقب أن الانقسام الإسرائيلي بين صفقة جزئية وأخرى شاملة يحمل رسائل سلبية، خصوصاً وأن المقترح يستند بالأساس لمقترح ويتكوف الذي سبق الموافقة عليه إسرائيلياً، لافتاً إلى أن العراقيل المستجدة ستكون تمسك إسرائيل بإبرام صفقة شاملة من باب الهروب للأمام لعدم الالتزام بأي شيء واستنفاد مزيد من الوقت أو تقديم خرائط للانسحاب غير مقبولة.
وبينما لم تبدِ واشنطن موقفاً صريحاً مباشراً داعماً للمقترح عقب موافقة «حماس»، نقلت هيئة البث الإسرائيلية، الثلاثاء، عن مكتب نتنياهو قوله: «نطالب بالإفراج عن جميع الـ50 مختطفاً وفقاً للمبادئ التي حددناها»، في إشارة لخمسة مبادئ تم إقرارها قبل أكثر من أسبوع من جانب «الكابينت» وتتضمن نزع سلاح «حماس».
ورأت عائلات الرهائن الإسرائيليين، في بيان، الثلاثاء، أن «نتنياهو يكذب ويضع شروطاً غير قابلة للتنفيذ لإفشال الصفقة»، وقالت إنها ستخرج في مظاهرات بالشوارع مجدداً، كتلك التي خرجت بأعداد غفيرة، الأحد، للمطالبة بصفقة شاملة تنهي الحرب.
وكانت الإذاعة الإسرائيلية قد ذكرت، الاثنين، أن نتنياهو لم يصرح بوضوح باستحالة التوصل إلى اتفاق جزئي، مكتفياً بترك الباب مفتوحاً لاحتمال حدوثه، ومشيراً إلى أن هناك مطالبات داخلية بألا يرفض إطلاق سراح محتجزين حتى وإن كان بصفقة جزئية، في مقابل آخرين متمسكين بصفقة شاملة وهزيمة «حماس».
بالمقابل، أجرى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الثلاثاء، محادثات مع نظيريه البريطاني ديفيد لامي والتركي هاكان فيدان، والممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس، ونائب الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ، في إطار «الاتصالات المكثفة مع الأطراف الدولية لدعم جهود وقف إطلاق النار في قطاع غزة».
وأكد أن «الكرة أصبحت في ملعب إسرائيل»، مشيراً إلى «ضرورة الضغط عليها للموافقة على المقترح بما يسهم في التخفيف من تداعيات الكارثة الإنسانية في غزة».
وتطالب مصر بهذه الضغوط لليوم الثاني على التوالي، وقال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ضياء رشوان لقناة «القاهرة» الإخبارية المصرية، الاثنين، إن «الكرة الآن في ملعب إسرائيل… لا بد من ضغط أميركي على إسرائيل لقبول المقترح تمهيداً للحل الشامل».
ويرى عكاشة أن واشنطن من مصلحتها أن يتم هذا الاتفاق بعد تهديداتها الأخيرة لـ«حماس» لتقول للعالم إنها من أجبرتها على القبول وتحقق مكاسب سياسية، متوقعاً حال ضغطت أميركا على إسرائيل حدوث تقدم كبير اليومين المقبلين ومع بداية الأسبوع المقبل قد يسهم في التوصل لاتفاق.
ويؤكد الرقب أن الكرة الآن في ملعب الولايات المتحدة وليس إسرائيل فحسب، مشدداً على أن أي ضغط أميركي على نتنياهو سيقود لاتفاق قريب أو مماطلة جديدة من شأنها أن تزيد الأمور سوءاً وتُدخل المنطقة في مرحلة أكثر صعوبة.