في شوارع مدينة غزة المكتظة والمليئة بالأنقاض، لم يكن من المفاجئ إعلان خبراء الأمم المتحدة أن مشاهد اليأس هذه يمكن وصفها رسمياً بالمجاعة.
قال أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، الذي كان في مدينة غزة طوال الحرب التي استمرت 22 شهراً: «هذا ما كنا نقوله منذ أشهر، وقد شهدناه وعشناه وعانينا منه. نشعر بالعجز الشديد والمرض والتعب الشديد»، وفقاً لما ذكره لصحيفة «الغارديان» البريطانية.
وأعلن تصنيف دولي لانعدام الأمن الغذائي، تشارك فيه الأمم المتحدة، أمس (الجمعة)، المجاعة رسمياً في محافظة غزة، وتوقع انتشارها إلى محافظتي دير البلح وخان يونس بنهاية سبتمبر (أيلول).
وقال التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي إن أكثر من نصف مليون شخص في قطاع غزة يواجهون ظروفاً كارثية، أي المرحلة الخامسة من التصنيف، ومن خصائصها الجوع الشديد والموت والعوز والمستويات الحرجة للغاية من سوء التغذية الحاد، بحسب مركز أخبار الأمم المتحدة.
ولم يُعلن عن مجاعات سوى 4 مجاعات من قِبل مركز التخطيط المرحلي المتكامل منذ إنشائه عام 2004، كان آخرها في السودان العام الماضي. وذكر التقرير أن «هذه المجاعة من صنع الإنسان بالكامل، ويمكن وقفها وعكس مسارها». وحذّر من زيادة هائلة في أعداد الوفيات إذا «لم يُطبّق وقف إطلاق النار… ولم تُستعَد الإمدادات الغذائية الأساسية والخدمات الأساسية على الفور».
وقال مسؤولو الإغاثة إن الفئات الأكثر ضعفاً بين الفلسطينيين الذين يعيشون الآن في مدينة غزة، والذين يُعتقد أن عددهم يتراوح بين 500 ألف و800 ألف شخص، هم الأكثر عرضة للخطر، خصوصاً كبار السن والشباب والمرضى والمعزولين اجتماعياً.
ليس لدينا شيء
تقول صباح عنتيز (55 عاماً)، التي نزحت من حي التفاح شرق مدينة غزة جراء الهجمات الإسرائيلية الأخيرة: «ليس لديّ ما أطبخه، ولا مال لشراء حطب للطهي. نأكل قليلاً من الطعام صباحاً لسد جوعنا، ونأكل أحياناً ليلاً. أتناول قليلاً من الزعتر والجبن أو الملح مع الخبز فقط، لا خضراوات، ولا شيء مطبوخاً».
عنتيز تعاني من ارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب. زوجها (60 عاماً)، مريض جداً ولا يستطيع العمل، أو جمع الطعام.
وتضيف «لم يبقَ لدينا أحد، لا أحد يعيلني أو حتى يحضر لنا الطعام. فقدت نحو 10 أفراد من عائلتي في غارة جوية على حي التفاح: والدي، وأمي، وأبناء وبنات إخوتي وأخواتي».
وشدّدت السلطات الإسرائيلية حصارها المفروض على غزة منذ بداية الصراع في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وفرضت حظراً شاملاً على الإمدادات لمدة شهرين في مارس (آذار) وأبريل (نيسان). وقد وصل مزيد من المساعدات إلى غزة في الأسابيع الأخيرة، وإن كان ذلك جزءاً ضئيلاً فقط من الاحتياجات، وفقاً لوكالات الإغاثة.
وارتفع سعر السكر من نحو 100 دولار للكيلوغرام إلى نحو 7 دولارات، لكن الكثير غير ذلك لا يزال باهظ الثمن بالنسبة لـ90 في المائة من السكان الذين لا يملكون دخلاً. ويبلغ سعر الطماطم 30 دولاراً للكيلوغرام.
اقرأ ايضا: مسرور بارزاني: نكن احتراماً كبيراً للسعودية… ونتفهم المخاوف الإيرانية
بلا طعام بعد 20 مرة نزوح
قالت ابتسام صالح (50 عاماً) تعيش في خيمة بمدينة غزة بعد نزوحها 20 مرة، إنها بلا طعام ولا مصدر دخل. وأضافت: «ما لدينا الآن يأتي فقط من المساعدات أو الهدايا. قبل الحرب، كنت أتلقى 100 دولار شهرياً من إحدى الجهات لأنني مطلقة ولدي ابن. لكن منذ بدء الحرب، لم نتلقَّ أي شيء».
تتناول ابتسام صالح وجبة واحدة يومياً، عادةً ما تكون عدساً، على الرغم من أن جارتها أعطتها كيساً صغيراً من الأرز في وقت سابق من هذا الأسبوع. وقالت: «ليست لدي القوة للوقوف في طابور انتظاراً للحصول على حصتي من أي مساعدة غذائية. في إحدى المرات أغمي عليّ أثناء الانتظار. كانت الشمس شديدة الحرارة، وأعاني من ارتفاع ضغط الدم. بسبب الحرارة، انخفض ضغط دمي وفقدت الوعي».
إلى جانب المرضى وكبار السن، هناك من هم معدمون. بعد ما يقرب من عامين من النزوح والحرمان، قليلون في مدينة غزة لديهم أي احتياطيات مادية أو مالية.
تجريد كامل
ومن جانبه، قال مسؤول إغاثة تابع للأمم المتحدة يُشرف على العمليات في جميع أنحاء غزة لصحيفة «الغارديان» البريطانية: «هذا شعبٌ جُرِّد من أي قدرة على الصمود… ليس لديهم أي شيء على الإطلاق. لا يوجد أي هامش أمان على الإطلاق. إنهم على حافة الخطر».
وهناك مخاوف عميقة بشأن أقصى شمال غزة، حيث لا يزال الآلاف يعيشون بين الأنقاض في أسوأ الظروف الإنسانية على الإطلاق بالمنطقة المنكوبة، على الرغم من أن البيانات المتاحة هناك لم تكن كافية لتصنيف الوضع الطارئ (IPC) للأزمة.
في مدينة غزة، تنام العائلات في العراء بالشوارع دون مأوى، أو تتكدس في شقق مكتظة ومتضررة، أو مخيمات خيام، حيث ينتشر الذباب والبعوض والأمراض المعدية. تتراكم القمامة في كل مكان، ويتسبب الدخان الخانق الناتج عن حرق البلاستيك في الحرائق بحالات سعال مزمنة. في الأسابيع الأخيرة، ارتفعت درجات الحرارة بشكل حاد.
الخبز فقط أمام أحلام الأطفال
ريهام كريّم (35 عاماً) تعيش في خيمة بمدينة غزة مع زوجها العاطل عن العمل وأطفالهما العشرة الذين تتراوح أعمارهم بين عامين و18 عاماً. اضطروا لمغادرة منزلهم في بيت حانون، وهي بلدة شمالية مُدمّرة، قبل ثلاثة أشهر. دفعهم هجوم عسكري إسرائيلي قرب المدرسة التي كانوا يحتمون بها في البداية إلى مدينة غزة.
قالت كريّم: «خلال الأشهر الثلاثة الماضية، لم نتلقَّ أي أموال أو مساعدات. لم نعُد نملك المال لشراء أي شيء، رغم انخفاض الأسعار». وأضافت: «أطفالي يطلبون أشياء كثيرة… يريدون مني أن أصنع لهم الحلويات، لكنني لا أستطيع لأننا لا نملك المال. نتناول وجبتين فقط في اليوم، واحدة في الصباح وأخرى في المساء. هذا الصباح، طبختُ علبة عدس وأكلناها. في المساء، عادةً ما نأكل الزعتر أو الجبن مع الخبز، وأحياناً الخبز وحده».
قالت كريّم إنها لم تعُد تملك أي مؤن غذائية. وقالت: «تركنا بعضاً منها في منزلنا عندما هربنا، ودُمر المنزل». بالأمس، ذهب ابني للبحث عن مساعدة، وحصل على كيلوغرام من المعكرونة وعلبة صلصة طماطم. أعطاه إياها شاب حصل عليها من مركز توزيع مساعدات غذائية. عاد وهو يشعر وكأنه يطير من الفرح.
ورفضت إسرائيل التقرير الأممي ووصفته بأنه مغلوط ومتحيز، وقالت إنه اعتمد على بيانات مغلوطة قدمت أغلبها حركة «حماس»، ولم يأخذ في الاعتبار تدفق كميات كبيرة من الأغذية على القطاع في الآونة الأخيرة.