غالباً ما يُنظر إلى «شات جي بي تي» (ChatGPT) بوصفه نقلة تتجاوز محركات البحث التقليدية. لكن تقارير صحافية حديثة كشفت عن حقيقة مفاجئة. فبينما يطمح ليكون منافساً مباشراً لـ«غوغل»، لا يزال «شات جي بي تي» يعتمد عليه لتزويده بالمعلومات الآنية من خلال أداة طرف ثالث تقوم بعملية «الكشط» (scraping) لنتائج البحث.
وفق تقرير نشره موقع «ذا إنفورمايشون» (The Information) يستخدم «أوبن إيه آي» (OpenAI) خدمة مدفوعة تُدعى «SerpApi» لالتقاط نتائج بحث «غوغل» بشكل مباشر. هذه العملية تُمكّن «شات جي بي تي» من تقديم إجابات محدثة حول الأخبار أو أسعار الأسهم أو نتائج المباريات، وهي مجالات تعجز النماذج اللغوية التقليدية عن مواكبتها.
وقد أكدت اختبارات مستقلة الأمر. ففي تجربة معينة، أُدخل مصطلح وهمي على الإنترنت ولم يُفهرَس إلا عبر «غوغل»، ومع ذلك قدّم «شات جي بي تي» الإجابة الصحيحة، وهو ما يوضح أن مصدره كان فهرس «غوغل» تحديداً وليس «بينغ» أو قاعدة بيانات خاصة.
وخلال شهادة في المحكمة، أقرّ نيك تيرلي، الرئيس السابق لمنتجات «أوبن إيه آي»، بأن الشركة طلبت رسمياً من «غوغل» إتاحة فهرس البحث الخاص بها لكنها قوبلت بالرفض. وأضاف أن الشركة تعمل على بناء قدراتها الخاصة للبحث، لكنها ليست جاهزة بعد للتعامل مع الحجم الهائل من الاستعلامات.
أقرّت «أوبن إيه آي» بأنها طلبت من «غوغل» الوصول لفهرس البحث لكنها قوبلت بالرفض وتعمل حالياً على بناء محركها الخاص (غيتي)
من منظور «أوبن إيه آي»، فإن هذا الاعتماد على «غوغل» خطوة عملية لا أكثر، وليست دائمة. فـ«غوغل» يوفّر مستوى من التغطية والدقة اللحظية التي لم يصل إليها «شات جي بي تي» بعد.
نوصي بقراءة: طعون خالد الغامدي تطيح بجنة والحصيني… وتقوده لرئاسة الأهلي
لكن هذا يكشف أيضاً عن معضلة كبرى وهي أن الشفافية في مصادر البيانات. فبينما يقدّم «شات جي بي تي» إجابات بطلاقة، فإن اختصاره للطريق عبر بيانات «غوغل» يطرح تساؤلات حول نزاهة المصدر. ورغم أن الشركة أعلنت نيتها خدمة 80 في المائة من استعلامات المستخدمين عبر محركها الخاص بحلول 2025، فإن الشهادات الأخيرة توحي بأن هذا الموعد قد يتأجل.
المفارقة أن صعود «شات جي بي تي» السريع غذّى فكرة أن محركات البحث قد تصبح شيئاً من الماضي. غير أن الأرقام تسرد قصة مغايرة. ففي فترة زمنية واحدة، استحوذ «غوغل» على نحو 9.5 مليار زيارة لمواقع الأخبار، مقابل 25 مليون زيارة فقط عبر شات «جي بي تي»، أي بفارق 379 إلى 1. يوضح هذا أن محركات البحث لا تزال في صميم سلوك المستخدم، فيما لا يزال الاعتماد على الذكاء الاصطناعي محدوداً مقارنة بها.
يجذب «غوغل» نحو 9.5 مليار زيارة للأخبار مقابل 25 مليوناً فقط عبر «شات جي بي تي» (رويترز)
يبقى السؤال: هل سيتمكن «شات جي بي تي» من الاستغناء عن «غوغل» مستقبلاً؟ شراء «أوبن إيه آي» لحصة في متصفح «كروم»، إلى جانب مساعيها لبناء فهرس خاص؛ كلها إشارات إلى طموحها بالتحكم في سلسلة القيمة المعلوماتية كاملة. لكن التحدي هائل. فمحاكاة دقة وشمولية «غوغل» ليست بالأمر السهل. حتى إن منافسين آخرين، مثل «بيربلكسيتي» و«مايكروسوفت»، يعتمدون على نتائج «غوغل» في كثير من الاستعلامات المعقدة، وخصوصاً تلك النادرة أو «الطويلة الذيل».
إلى جانب ذلك، بدأت الشركة في اختبار أدوات مثل «Deep Research»، الذي يعمل وكيلاً ذكياً يتصفح الإنترنت ويستشهد بالمصادر بشكل مباشر، وهو ما قد يشكّل نواة لاستقلال أكبر عن «غوغل».
يبدو أن «شات جي بي تي» يبقى مرتبطاً بـ«غوغل»؛ ليس لأنه يريد ذلك، بل لأنه بحاجة ماسة لهذه البيانات الفورية.
ففي الأخبار العاجلة أو أسعار السوق أو الأحداث الرياضية، يعتمد على «عدسة غوغل» ليعوض محدودية نموذجه اللغوي. لكن في الوقت نفسه، تواصل «أوبن إيه آي» تطوير بنيتها الخاصة لتصبح أقل اعتماداً على منافسها. وإذا ما تحقق ذلك مستقبلاً، قد نشهد تحوّلاً جذرياً في علاقة الذكاء الاصطناعي بمحركات البحث، من تابعٍ يعتمد على «غوغل»، إلى بديلٍ محتمل ينافسه في عقر داره.