في مشهد أقرب إلى المعجزة الطبية، استعادت سيدة هندية في الثالثة والستين من عمرها، حاسة السمع بعد أن فقدتها منذ عقدين كاملين.
لم يكن السبب جهازاً متطوراً للأذن ولا عملية جراحية معقدة، بل زراعة لسنّ!
القصة بدأت كحجز عادي لزراعة سن مفقودة، وانتهت بمفاجأة مدوية: سيدة في الثالثة والستين استعادت سمعها بمجرد تركيب زرعة سنّية. حتى الطبيب نفسه لم يصدّق أذنه… ولا أذنها.
ونشر الخبر في مجلة «دينتال ريتش – DentalReach»، إحدى أبرز المجلات العالمية المتخصصة في طب الأسنان في عدد يوليو (تموز) 2025.
عاشت جايفونّيشا.م، ربة منزل من مدينة سورات في الهند، سنوات طويلة في عزلة، لا لأنها اختارت الانعزالية، بل لأن حاسة السمع تفصّلت عن حياتها. منذ نحو عشرين عاماً، لم تنجح محاولات العلاج التقليدي أو أجهزة السمع الحديثة في استرجاع ما فقدته، حتى ظنّ الناس أنها ترفض التواصل، وهي في الحقيقة محبوسة في صمتٍ دائم.
وجاء الانفراج الطبي حين خضعت لجلسة زرع سن مفقودة، ليعود إلى أذنها عالم الأصوات بكل قوته ووضوحه مرة أخرى.
وبعد أيام قليلة من خضوعها لعملية زرع الأسنان، وقع ما لم يكن في الحسبان: بدأت جايفونّيشا تسمع من جديد. تروي بدهشة: «فجأة… بدأت أسمع!». لحظة قصيرة لكنها بدّلت مجرى حياتها، حتى إن عائلتها وصفت ما جرى بأنها ولادة جديدة، إذ استعادت السيدة صوت العالم بعد صمتٍ طال عقدين كاملين.
وقفت الحادثة عند عتبة العلم كأنها تتحدّى قواعده. فالأطباء الذين عاينوا حالة جايفونّيشا لم يجدوا رابطاً مباشراً يفسّر كيف يمكن لزرعة أسنان أن تعيد حاسة سمعٍ مفقودة منذ عقدين.
اقرأ ايضا: فوائد خارقة لبذور الشيا على الصحة
وقد حاول بعض الخبراء طرح فرضيات مثل: ربما لعبت الغرسة دوراً غير متوقّع في تحفيز أعصاب الوجه، أو أثّرت في توازن الضغط داخل الجمجمة بما سمح بفتح مسارات صوتية كانت مغلقة.
وفي تعليق نشرته مجلة «دينتال ريتش»، كتب الفريق الطبي: «نحن أمام حالة فريدة لم نواجه لها مثيلاً من قبل، والفرضيات المتاحة تبقى أولية حتى تتكرّر مثل هذه الظاهرة لنتمكّن من تأكيدها علمياً». وهكذا ظلّت الحادثة أقرب إلى الأحجية الطبية منها إلى نتيجة علمية قاطعة.
القصة تعيد التذكير بأن جسم الإنسان شبكة متكاملة، حيث يمكن لتدخل في الفم أن يترك أثراً غير متوقّع في الأذن. وهو ما يدعو إلى مزيد من الأبحاث لفهم العلاقة الدقيقة بين الفم والجهاز السمعي.
لا تقف هذه الحادثة عند حدود الدهشة الطبية، بل تحمل في طياتها رسائل أبعد مدى.
• للعلماء والأطباء: إنّ الطب ليس جزراً متباعدة، بل محيط واحد تتقاطع فيه التيارات، إذ إن حدثاً مثل استعادة السمع بعد زراعة سن يذكّر بأنّ الابتكار يولَد أحياناً من مفاجآت عابرة، وأن التخصّصات المتجاورة -من جراحة الفم إلى طب الأعصاب وعلوم السمع- قد تلتقي لتكشف عن أسرار جديدة لم نخطّط لها. وربما يكون هذا الحدث دعوة لتوسيع نطاق الأبحاث المشتركة بين الحقول الطبية بدل حصرها في قوالب جامدة.
• للمرضى: إن الأمل ليس رفاهية، بل رفيق عنيد يظهر من حيث لا نتوقع. فحين تُغلق الأبواب أمام العلاجات التقليدية، قد يحمل إجراء بسيط في عيادة الأسنان فرصة لإعادة بناء جسر إلى الحياة. قصة جايفونّيشا تؤكد أن الطب ليس علماً فحسب، بل رحلة من الصبر والإيمان بأن الحل قد يأتي من زاوية لم تخطر على بال.
لماذا تهم هذه الحالة القارئ العربي؟ صحيح أن الحدث وقع في الهند، لكنه يحمل رسائل أبعد من حدود الجغرافيا. فهو يذكّرنا هنا في الشرق الأوسط بأهمية الاستثمار في البحوث متعددة التخصصات، حيث يلتقي طب الأسنان بطب الأنف والأذن والحنجرة وعلوم الأعصاب في مساحة واحدة من الاكتشاف. مثل هذه القصص تكشف عن أن الطب لا يتجزأ، وأن الحلول الكبرى قد تأتي من تلاقح تخصصات صغرى. والأهم أنها تبرز دور الإعلام العلمي في مدّ الجسور بين المختبرات العالمية والقارئ العربي، الذي يطّلع عبرها على معجزات العلم بلغة قريبة منه. ومن اللافت أن تفاصيل هذه الواقعة لم تجد طريقها إلى أي وسيلة إعلامية عربية حتى الآن، مما يجعل نشرها خطوة إضافية في تعزيز الوعي وربط الجمهور العربي بالتحولات الطبية غير المتوقعة.
في زمنٍ نسمع فيه ضجيج الأخبار عن الذكاء الاصطناعي والروبوتات الطبية وعمليات جراحية معقدة بتقنيات المستقبل، تأتي قصة سيدة هندية لتذكّرنا بأن المعجزات قد تختبئ خلف أبسط الأدوات. لم تكن عملية زراعة الأسنان مجرد سنٍّ جديدة في فمها، بل كانت مفتاحاً أعاد لها أصوات العالم. ابتسامة واحدة أعادت إليها السمع، كأن لسان حالها يقول: أحياناً، لا يحتاج الطب إلى مختبرات عملاقة… بل إلى «عضّة» أمل صغيرة تعيد للحياة صوتها. وربما على أطباء الأذن أن يزوروا عيادات الأسنان أكثر مما يفعلون!