- اعلان -
الرئيسية الرياضة أسباب تجعل توتنهام بطل الدوري الإنجليزي 25/26

أسباب تجعل توتنهام بطل الدوري الإنجليزي 25/26

0

يُعَدُّ تعيين توماس فرانك مديرًا فنيًا لنادي توتنهام هوتسبير حتى 2028 خطوة محورية تعكس طموحات النادي للمنافسة على أعلى المستويات، بعد موسم شهد تراجعًا كبيرًا في أداء الفريق بالدوري، حيث احتل المركز السابع عشر، على الرغم من فوزه بلقب الدوري الأوروبي، ولذلك يمثل تعيين فرانك تحولًا استراتيجيًا عن النهج السابق الذي كان يعتمد على أيديولوجية صارمة، نحو نموذج يتبنى البراجماتية المنظمة. 

وعلى الرغم من أن التحدي هائل فعلًا، فالوصول إلى قمة الدوري الإنجليزي ليس بالأمر المستحيل، خاصة وأن المزيج الفريد الذي يقدمه فرانك، والذي يجمع بين المرونة التكتيكية، والقدرة على بناء عقلية الفوز، والاعتماد على البيانات، يوفر مسارًا واضحًا لرفع مستوى النادي. 

شكلت مسيرة توماس فرانك مع برينتفورد دليلًا قاطعًا على قدرته على بناء مشروع طويل الأمد وتطوير المواهب. تولى فرانك تدريب النادي في عام 2018، وقاده لتحقيق إنجاز تاريخي بالصعود إلى الدوري الإنجليزي الممتاز للمرة الأولى منذ 74 عامًا، ولم يكتفِ بذلك، بل نجح في تحويل برينتفورد إلى فريق مستقر ومحترم في دوري الأضواء، متجاوزًا التوقعات باستمرار. 

هذا الإنجاز ليس مجرد نجاح بسيط ولمرة واحدة، بل هو برهان على قدرة فرانك على خلق الاستقرار من خلال التنظيم الواضح، والاعتماد على التحليل الدقيق للبيانات لاختيار اللاعبين الذين يتناسبون مع فلسفته.

ويُمكن وصف فلسفة توماس فرانك التدريبية بكلمة واحدة: “القدرة على التكيف”. فلا يلتزم بأيديولوجية جامدة، بل يؤمن بخلق الاستقرار من خلال التنظيم والمرونة في التبديل بين التشكيلات المختلفة حسب متطلبات المباراة والخصم، حيث كان برينتفورد تحت قيادته قادرًا على التحول بسهولة بين اللعب بثلاثة أو أربعة مدافعين، مما منحه ميزة تكتيكية على الخصوم. 

تتنوع تشكيلاته في مراحل مختلفة من اللعب، بدءًا من البناء الهجومي حيث يفضل طريقة 1-3-2-5، مرورًا بالضغط المنخفض حيث يستخدم 1-5-3-2، وصولًا إلى الهجمات المرتدة السريعة. هذه المرونة ليست مجرد سمة عابرة، بل هي حل مباشر للمشكلات التكتيكية التي يفرضها الخصوم، ما يعني أن قدرة فريقه على التبديل السريع بين الضغط العالي والتراجع الدفاعي هي التي  ستمنحه الأدوات اللازمة لمواجهة أي استراتيجية كانت، مما يجعلها ميزة حاسمة في سباق طويل ومضنٍ على اللقب الغائب. 

ويُعَدُّ الضغط العالي العدواني أحد أبرز أسلحته التكتيكية، حيث يولي فرانك قيمة كبيرة للعب “العدواني بدون الكرة”، وغالبًا ما يوجه فريقه لتطبيق ضغط رجل لرجل على الخصم، مستغلًا هذا الضغط كتهديد هجومي مباشر، ومن خلال استعادة الكرة في مناطق متقدمة، يتمكن فريقه من تسجيل العديد من الأهداف، مما يحول الضغط الدفاعي إلى هجوم خاطف، وقد ظهر هذا التنوع في الأفكار في أداء توتنهام أمام مانشستر سيتي، حيث أظهر الفريق مرونة كبيرة في تحويل استعادة الكرة من الضغط العالي إلى هجمة مباشرة أسفرت عن هدفين.

بالإضافة إلى ذلك، يركز فرانك بشدة على الكفاءة في الانتقال بين مراحل اللعب والتسجيل من الكرات الثابتة، وهو ما يعتبره أحد “المكاسب الهامشية” الحاسمة، ففي مرحلة الانتقال الهجومي، يطلب من فريقه الاعتماد على أسلوب لعب مباشر ومرتفع الوتيرة، وغالبًا ما يستغل المساحات بين قلبي الدفاع والظهيرين للوصول إلى المرمى. 

حيث يعتبر هذا الأسلوب المعتمد على التمريرات الطويلة بمثابة “مجازفة محسوبة”، إذ لا يرى ضرورة في نجاح كل تمريرة، بل يثق في قدرة فريقه على التعامل مع فقدان الكرة واستغلال حالة عدم التنظيم الدفاعي للخصم، أما على صعيد الكرات الثابتة، فالعينة بينة، إذ جعل فرانك برينتفورد واحدًا من أفضل الفرق في العالم في هذا الجانب، بفضل اهتمامه الشديد بالتفاصيل الدقيقة والروتينيات المتغيرة باستمرار لمنع الخصوم من توقع تحركاتهم. هذا الإتقان يمكن أن يكون عاملًا حاسمًا في دوري تنافسي للغاية، تُحسم فيه المباريات المتقاربة بأقل التفاصيل.

وبالتالي فمن المتوقع أن يكون توتنهام تحت قيادة توماس فرانك مرنًا، وعدوانيًا، ومدروسًا، حيث تُركز مبادئه على خلق زيادة عددية لضغط المساحات، خاصة في المناطق الواسعة، والضغط العالي بطريقة رجل لرجل لاستعادة الكرة. كما يُقدر فرانك عرض الملعب ويعتمد بشكل كبير على العرضيات، وهو دور يُناسب بورو تمامًا، كما يُفضل فرانك اللاعب الحركي في المناطق الأمامية، مما يجعل ريتشارليسون مناسبًا تمامًا كقلب هجوم.  

كما سيتحمل محمد قدوس عبئًا ثقيلًا في تعويض سون، حيث ستكون قدرته على تقديم الأهداف والتمريرات الحاسمة باستمرار تحت تدقيق مكثف، ولكن لا بأس، فلمحاته في مباراة مانشستر سيتي تشير إلى إمكانات جيدة حقًا، لكن الاتساق هو المفتاح. وربما يكون اللاعب الوحيد في توتنهام الذي لديه فرصة للفوز بجائزة أفضل لاعب في العام من قبل رابطة اللاعبين المحترفين، هذا أولًا، ثانيًا سيواجه جونسون تحدي قيادة الخط الأمامي رفقة قدوس، لتأكيد مكانته كمصدر ازعاج للمنافسين. 

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لفرانك أن يستغل نقاط القوة الحالية في توتنهام، مثل التهديد الهجومي القادم من الجانب الأيمن للفريق بفضل وجود بيدرو بورو ومحمد قدوس، ودمجهم في فلسفته القائمة على خلق التفوق العددي في المساحات البينية. 

ولكن، كل منظومة، مهما كانت جيدة، لابد أن تحمل داخلها جرثومة سقوطها، أو ما يسمى “كعب أخيل”. حسنًا، نعرف ماهية السؤال القادم، من هو هذا الأخيل؟ 

نوصي بقراءة: موعد مباراة المغرب ضد زامبيا في تصفيات كأس العالم 2026

يعود أصل مصطلح كعب أخيل إلى الميثولوجيا الإغريقية، فعندما كان الأسطورة “أخيل” طفلًا، تنبئ له العراف برحيله مبكرًا، ومن أجل منع رحيله قامت أمه “ثيتس” بتغطيسه في نهر “ستيكس” المقدس المعروف بمنحة قوة خاصة، لكن بما أن ثيتس كانت تحمله من كعبه أثناء الاغتسال، ولم يصل الماء إليه، ظل كعبه هو نقطة ضعفه الوحيدة، وهكذا كبر أخيل ليصبح رجلًا قويًا يخوض ساحات الوغى بصلابة كبيرة، إلا أنه في أحد الأيام أصاب سهم مسموم كعبه متسببًا في موته بعد فترة قصيرة للغاية.  

أي أن هذا المصطلح يشير إلى نقطة الضعف القاتلة لدى كل إنسان أو منظومة، والتي توجد في منظومة توتنهام قطعًا، إذ يعتمد أسلوبه المباشر ومرتفع الوتيرة على وجود مساحات خلف خط دفاع الخصم. لكن على عكس برينتفورد، الذي عادةً ما يواجه فرقًا تتقدم للأمام، سيواجه توتنهام كفريق من الصفوة، خصومًا يتبنون الدفاع المتكتل (Low-block) لإنكار وتخريب المساحات، مما قد يقلل من فاعلية هجماته المباشرة. 

هذه المفارقة التكتيكية تشكل أكبر تحدٍ أمام فرانك، وقد شاهدناها قديمًا  في تجربة روبرتو ديزيربي في برايتون؛ فبعد موسم أول ناجح، بدأت الفرق المنافسة في تغيير أسلوب لعبها ضدهم، مما أدى إلى تراجع أدائهم. وعليه، سيعتمد نجاح فرانك على المدى الطويل على قدرته على تطوير خطة بديلة لكسر هذه التكتلات الدفاعية، وذلك بالاستفادة من المهارات الفردية للاعبين في المواقف التي يكون فيها اللعب المباشر غير ممكن.

يُعرف فرانك بأنه جيد في التواصل مع اللاعبين، إذ يولي أهمية قصوى لفهم اللاعبين واتخاذ القرارات بناءً على البيانات، ويهدف نهجه إلى بناء ثقافة “اللاعب أولاً”، التي تُدعم بالعلاقات القوية، والتواصل الواضح، والإيمان بالتطوير المستمر. 

ومن خلال استخدام البيانات التفصيلية، مثل الأهداف المتوقعة وبيانات السرعة، يقوم الجهاز الفني بإنشاء خطط تطوير فردية لكل لاعب، مما يمنحهم رؤية شفافة لأدائهم ويشجعهم على التحسين المستمر. هذا النهج يضمن أن اللاعبين لا يفهمون فقط كيفية تنفيذ التعليمات، بل يدركون “لماذا” يفعلون ذلك، مما يعزز المرونة والوعي التكتيكي.

ولذلك يُعَدُّ الجانب النفسي لفرانك إطارًا مثاليًا لمواجهة الضغوط الهائلة التي تصاحب المنافسة على اللقب، إذ يتميز فرانك بشخصية هادئة ومنطقية، كما يعتقد أن الأداء المبني على الثقة والرسائل الواضحة أكثر استدامة بكثير من الأداء المبني على الخوف. هذه الفلسفة الهادئة تخلق بيئة من الثقة المتبادلة بين المدرب واللاعبين، مما يسمح لهم بأخذ المخاطر الإيجابية في الملعب دون خوف من الفشل.

يظهر هذا التركيز على الجانب النفسي بوضوح في مبادئه المتعلقة باستقطاب اللاعبين، حيث يتبنى فرانك مبدأ “لا نريد من لا يريدنا”. هذا المبدأ ليس مجرد تصريح، بل هو انعكاس لتركيزه على ضم الأشخاص المجتهدين، والموهوبين،  لأن اختيار اللاعبين بناءً على “العقلية والقدرة على التدريب” يضمن أن يكون الفريق متجانسًا وقابلًا للتطور على المدى الطويل، مما يمنع وجود أي عناصر سلبية قد تفسد الانسجام الجماعي، وهو أمر ضروري لتحقيق النجاح المستمر وتحمل الصعوبات على مدار موسم كامل. 

 إن سباق لقب الدوري الإنجليزي ليس مجرد منافسة بين فريقين، بل هو معركة تكتيكية شاملة بين أفضل العقول في كرة القدم العالمية. يمكن لأسلوب فرانك أن يتفوق على منافسيه من خلال استغلال نقاط ضعفهم: 

ورغم هذا التصور التكتيكي، فلا يقتصر الفوز باللقب على المعركة التكتيكية وحدها، إن شخصية فرانك الهادئة والمنطقية هي الإطار النفسي المثالي للفريق لمواجهة الضغط الهائل المصاحب للمنافسة، كما أن عمق التشكيلة سيكون حاسمًا لمواجهة الإصابات والإرهاق على مدار موسم طويل، كما أن قدرة توتنهام على الحفاظ على مستواه في جميع البطولات ستتوقف على قدرة فرانك على إدارة التشكيلة بالكامل.

ومع ذلك، فإن الفوز باللقب ليس مضمونًا في الموسم الأول، خاصة في ظل المنافسة الشرسة والاحتمالات التي تضع توتنهام في المركز السادس فقط، ولذلك يكمن التحدي الأكبر لفرانك في قدرته على تجاوز “مفارقة ديزيربي” وتطوير أسلوب لعب يمكنه التغلب على الدفاعات المتكتلة التي سيواجهها فريقه بشكل متزايد. 

فرانك يستلم خرابة بالمعنى الفصيح للكلمة، لا شئ فيها في مكانه، فالفريق الذي ورثه أشبه بجسد ممزق، ولذلك فالأنيق الدنماركي لم يُحضر معه خطة إصلاح تقليدية فقط، بل فأسًا تكتيكيًا سيُحطم بها الترهل القائم، فلسفته القائمة على الهجوم الوقائي، حيث يُحوّل الضغط العالي إلى سلاح هجومي، قد تشكل علاجًا صادمًا لعناد توتنهام.

خاصة مع وجود جناحين مثل جونسون وقدوس قد يتحولان إلى كابوس متحرك يطارد المدافعين، بينما خط وسط مختزل إلى ثلاثة لاعبين فقط يتحركون ككماشة على ثلاثة أضلاع، هذه الجراحة العنيفة لن تمر دون آلام؛ فالتخلي عن الاستحواذ المريح لصالح الكرة الانفجارية، سيُكلف الفريق نقاطًا مبكرة، لكنها قد تكون تضحية ضرورية لاقتلاع ثقافة الخروج من الباب الكبير التي تعايش معها توتنهام لسنوات.

هنا تكمن المفارقة الأقسى: فرانك قادم من عالم برينتفورد الضيق والبسيط، ليواجه الآن فوضى عملاق يملك الموارد ولا يملك البنية، وكما جرت العادة في تلك الحالات، فتحدي الإدارة لا يقل خطورة عن التحدي التكتيكي؛ وإدارة ليفي الشهيرة بالتدخل في التشكيل وصفقات الآتية للاستعراض ستكون هي اختبار فرانك الأعظم. 

فإذا نجح في فرض سلطته على غرفة العمليات، قد يحقق معجزة تحويل أنقاض توتنهام إلى قلعة قادرة على منافسة الأرسنال في شمال لندن، ولم لا، ربما يحصل على الدوري الإنجليزي يومًا، لكن إن انكسرت مطرقته على صخرة البيروقراطية، فالتاريخ سيتذكره كـمدرب جيد أُهدر دمه في نفس الدوامة التي تعصر الجميع.

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version