رغم الإدانات والاستنكارات وموجات الغضب التي ثارت بعدما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خطته «لاحتلال غزة»، ثم حديثه عما أسماه «إسرائيل الكبرى»، خرج وزير ماليته بتسلئيل سموتريتش، الخميس، ليعلن عن بدء العمل في مشروع استيطاني مؤجل منذ فترة، سيقسّم الضفة الغربية ويفصلها عن القدس الشرقية، في خطوة وصفها مكتبه بأنها «ستدفن» فكرة إقامة الدولة الفلسطينية.
يجيء هذا في وقت تتفاقم فيه اعتداءات المستوطنين اليهود على الفلسطينيين العُزل في الضفة الغربية، وتستغل فيه الحكومة الإسرائيلية انشغال العالم في الحرب على قطاع غزة لتوسيع الاستيطان وتعزيزه.
وقال سموتريتش، خلال مؤتمر صحافي، الخميس، إن مشاريع الاستيطان ستُسقِط نهائياً فكرة الدولة الفلسطينية. وأضاف: «على الحكومة أن تفرض الآن السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية»؛ مؤكداً أن كل الخطوات تجري بالتنسيق مع نتنياهو «وبدعم كامل من الإدارة الأميركية». ولم يرد تأكيد من أي منهما.
أما «الخطوات» التي قصدها فهي، وفقاً لتصريحاته، «بدء خطة لتوسيع مستوطنة معاليه أدوميم، الأربعاء المقبل، بهدف ربطها بمدينة القدس الكبرى، ومصادرة آلاف الدونمات من الأراضي، واستثمار مليارات الشواقل، بهدف إدخال مليون مستوطن جديد إلى الضفة، والمصادقة على بناء 3 آلاف و401 وحدة سكنية ضمن المخطط الاستيطاني في المنطقة E1»، الواقعة شرق القدس. وهو مشروع من شأنه فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها.
العلم الإسرائيلي مرفوع في مستوطنة معاليه أدوميم بالضفة الغربية المحتلة 14 أغسطس 2025 (رويترز)
هذا إضافة إلى طرح 6 عطاءات لبناء وتوسعة مستوطنة «أرئيل» الجاثمة على أراضي محافظة سلفيت.
وفي بيان بعنوان «دفن فكرة دولة فلسطينية»، قال المتحدث باسم سموتريتش إن الوزير وافق على خطة بناء الوحدات الاستيطانية.
وأكد سموتريتش أن الاستيطان سيعود إلى قطاع غزة أيضاً «إذ من دونه لا يمكن تحقيق الانتصار» على «حماس»، على حد قوله. وأضاف: «هذه الخطوات تشكل إنجازاً تاريخياً في مسيرة الاستيطان؛ فبعد أكثر من 20 عاماً من الجمود السياسي نتيجة ضغوط شديدة من دول العالم والسلطة الفلسطينية، ها هي خطة (E1) قيد التنفيذ. إنها تعدّ خطوات استراتيجية لترسيخ السيطرة الإسرائيلية على الضفة، والبناء اليهودي المتواصل للقضاء على حلم الدولة الفلسطينية. فالدولة الفلسطينية ستكون بمثابة انتحار لإسرائيل، ونحن لن نسمح به».
وتابع: «أولئك الذين يعملون على زيادة الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية في سبتمبر (أيلول) المقبل، سيكتشفون أنه لا يوجد لديهم ما يعترفون به… سيتلقون ردّنا على أرض الواقع. ليس بالوثائق ولا بالقرارات ولا بالتصريحات، بل بالحقائق. حقائق المنازل، حقائق الأحياء السكنية».
وكانت إسرائيل قد أوقفت خطط البناء في «معاليه أدوميم» عام 2012، ومرة أخرى بعد استئنافها في 2020، بسبب اعتراضات من الولايات المتحدة وحلفاء أوروبيين وقوى عالمية أخرى، اعتبرت المشروع تهديداً لأي اتفاق سلام مستقبلي مع الفلسطينيين.
عقَّب الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، على القرار بقوله إن مشاريع الاستيطان الجديدة واستمرار «حرب الإبادة في قطاع غزة، وتصاعد إرهاب المستوطنين، لن تحقق سوى مزيد من التصعيد والتوتر وعدم الاستقرار».
ونقلت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) عنه قوله: «الاستيطان جميعه مرفوض ومدان وغير شرعي حسب القانون الدولي، خاصة قرار مجلس الأمن رقم 2334، الذي أكد أن الاستيطان في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة جميعه، غير شرعي».
وحمّل أبو ردينة حكومة إسرائيل مسؤولية هذه التصرفات «الخطيرة»، محذّراً من تداعياتها، كما حمّل الإدارة الأميركية مسؤولية وقف إجراءات الاحتلال الإسرائيلي، مؤكداً أن الحروب «وكذلك الاعتداءات والتصرفات غير المسؤولة والعدوانية، لن تخلق سوى واقع مخالف للشرعية الدولية والقانون الدولي».
وندّدت وزارة الخارجية الأردنية بالخطوة، معتبرة إياها «انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، واعتداء على حقّ الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تجسيد دولته المستقلة ذات السيادة».
تصفح أيضًا: هجوم على ناقلة في البحر الأحمر ومهمة إنقاذ يونانية
جندي إسرائيلي يُشهر سلاحه خلال مداهمة لمخيم بلاطة شرق نابلس بالضفة الغربية 11 أغسطس 2025 (أ.ف.ب)
كما أدانت قطر هذه الخطوة، وقالت خارجيتها، في بيان: «تدين دولة قطر موافقة وزير المالية في حكومة الاحتلال الإسرائيلي على خطط لبناء مستوطنة من شأنها أن تفصل القدس الشرقية عن الضفة الغربية المحتلة، وتعدُّها انتهاكاً سافراً لقرارات الشرعية الدولية».
وفي مصر، شجبت وزارة الخارجية الخطوة التي أعلنها سموتريتش، وأكدت في بيان رفضها القاطع للسياسات الاستيطانية الإسرائيلية والتصريحات التي «تؤجج مشاعر الكراهية والتطرف والعنف». كما شدّدت على أن «تجسيد ما يسمى إسرائيل الكبرى لا يمكن القبول به أو السماح بحدوثه»، وأن أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية من خلال مخططات التهجير ومصادرة الأراضي هي «محاولات يائسة» ومصيرها الفشل.
وأعادت مصر التأكيد على أنه لا بديل عن حلّ الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وفقاً لمبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، محذرة من أن السياسات الإسرائيلية الرافضة لخيار السلام هي المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة.
واستنكرت أيضاً حركة «فتح» القرار، قائلة إنه «يكرس لنظام الفصل العنصري، ويقوّض أي فرصة لقيام دولة فلسطينية مستقلة»، ويعزل القدس عن محيطها الفلسطيني، وحذرت من تداعياته السياسية والأمنية.
وأضافت «فتح»، في بيان، أن هذه الأفعال والتصريحات تُعَدّ «تحدياً صارخاً للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وتؤكد بشكل واضح التوجه الفاشي لحكومة الاحتلال، التي تواصل سياساتها الاستعمارية والعنصرية».
أما حركة «حماس»، فوصفت الخطة بأنها جزء من سياسات إسرائيل «الاستعمارية المتطرفة»، ودعت الفلسطينيين إلى مواجهتها، وقالت إنها «تمثل خطوة خطيرة تهدف إلى قطع التواصل الجغرافي بين مدينتي رام الله وبيت لحم، وعزل القدس عن محيطها الفلسطيني، ضمن مخطط الاحتلال الرامي إلى الضمّ والتهجير ومنع إمكانية إقامة دولة فلسطينية».
وزير الخارجية النرويجي، إسبن بارت، استنكر أيضاً هذه الخطوة، وقال إنها تكشف سعي إسرائيل «للاستيلاء على أراضٍ مملوكة للفلسطينيين من أجل منع حلّ الدولتين».
وهاجمت منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية هذه الإجراءات، وقالت في بيان: «حكومة نتنياهو – سموتريتش تستغل الحرب على غزة، والوضع الداخلي الهشّ في إسرائيل، والموقف الدولي المرتبك، لفرض وقائع ميدانية تقوّض فرصة تحقيق السلام وحل الدولتين». وأضافت: «هذه الحكومة تدفعنا نحو استمرار الصراع وإراقة الدماء، وتسير بإسرائيل نحو الهاوية. تنفيذ هذا المشروع سيكون كارثة تاريخية، ويُصعّب أكثر من أي وقت مضى إمكانية تحقيق مستقبل سلمي».
مشيعون يصلون أمام جثمان فلسطيني قتل برصاص مستوطن في قرية دوما جنوب نابلس بالضفة 13 أغسطس 2025 (أ.ف.ب)
وإلى جانب المشاريع الاستيطانية، كشفت صحيفة «هآرتس» العبرية أن «حرباً حقيقية» تدور في الضفة الغربية من جانب ميليشيات مستوطنين، من بينهم جنود في الاحتياط وفي الجيش النظامي، وتقوم على عدة محاور؛ أولها طرد تجمعات الرعاة التي هي الخلية الأضعف في المجتمع الفلسطيني، إذ عدد سكانها قليل، وتعتمد على الرعي في المناطق المفتوحة، لذا من السهل إضعافها وعزلها.
وثانيها ما يحدث من قتل فلسطينيين دخلوا في مواجهات مع المستوطنين. وجاء في تقرير للصحافية، هاجر شيزاف، أن حالات قتل الفلسطينيين على يد مستوطنين تشهد زيادة مطردة في السنتين الأخيرتين.
وقالت إنه، على سبيل المثال، قُتل الشهر الماضي فلسطينيان في هجمات للمستوطنين قرب قرية سنجل، أحدهما مواطن أميركي جاء إلى الضفة لزيارة عائلته، وضربه المستوطنون حتى الموت، دون أن يُعتقل أي مشتبه فيه.
وأضافت أنه سقط 5 فلسطينيين على أيدي مستوطنين في الأسبوع الأخير. وأكدت أن السلطات الإسرائيلية لا تحمي المستوطنين فحسب، بل تساهم بشكل مباشر في اعتداءاتهم، وأن عدد القتلى الفلسطينيين بأيدي القوات أكثر منه بأيدي المستوطنين.
ويعيش في الضفة الغربية والقدس الشرقية زهاء 700 ألف مستوطن إسرائيلي بين 2.7 مليون فلسطيني.