اتّسعت الضغوط على الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لتنظيم انتخابات مبكرة في البلاد، وسط بروز نتائج استطلاعات رأي جديدة تظهر تراجع شعبية حزب «العدالة والتنمية» الحاكم وحليفه حزب «الحركة القومية»، على خلفية انخراطهما في المفاوضات مع حزب «العمال الكردستاني» في عملية جديدة لحل المشكلة الكردية.
ومع تكرار زعيم المعارضة رئيس حزب «الشعب الجمهوري» المعارض، أوزغور أوزيل، دعوته للتوجه إلى صناديق الاقتراع، وإطلاق سراح مرشح الحزب الرئاسي المحتجز رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ظهرت أصوات جديدة تؤكد ضرورة إجراء انتخابات مبكرة.
فاتح أربكان متحدثاً خلال مؤتمر إقليمي لحزب «الرفاه من جديد» (حساب الحزب في «إكس»)
وقال رئيس حزب «الرفاه من جديد»، أحد أحزاب تيار الإسلام السياسي البارزة في تركيا، فاتح أربكان، إن «أعظم خدمة يمكن لحزب (العدالة والتنمية) الحاكم أن يقدمها لهذا الشعب من الآن فصاعداً؛ هي طرح الانتخابات المبكرة».
ودعا أربكان، الذي سبق له دعم الرئيس إردوغان في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة عام 2023 في كلمة خلال المؤتمر الإقليمي الثالث لحزبه في ولاية تشوروم، الأحد، إلى إجراء انتخابات مبكرة في ربيع العام المقبل 2026.
في السياق ذاته، توقع نائب حزب «الشعب الجمهوري» عن مدينة ريزا (شمال تركيا ومسقط رأس إردوغان)، تحسين أوجاكلي، أن تشهد البلاد انتخابات مبكرة في خريف عام 2026. وأدلى أوجاكلي بتصريح لافت للنظر، خلال مقابلة مع قناة «تيلي 1»، الأحد، بشأن احتجاز المرشح الرئاسي لحزبه، أكرم إمام أوغلو، قائلاً إن هناك احتمالاً بنسبة 100 في المائة أن يتم إطلاق سراحه في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
جانب من تجمع لحزب «الشعب الجمهوري» للمطالبة بإطلاق سراح إمام أوغلو وإجراء انتخابات مبكرة في مدينة سيواس (وسط تركيا) في 22 أغسطس (حزب الشعب الجمهوري – إكس)
ورأى أوجاكلي أن حكومة إردوغان قد تجد نفسها عالقة في مأزق بسبب عدم وجود أدلة اتهام، وقد تُنهي الاعتقالات، لكنها ستحاول أيضاً فرض حظر سياسي على إمام أوغلو، مؤكداً أن هذا الحظر السياسي والجهود الأخرى التي ستُبذل لن تُثمر، ومن المُرجّح أن تشهد تركيا انتخابات مُبكرة في خريف العام المُقبل.
ويرفض إردوغان وحزبه، وشريكه في «تحالف الشعب»؛ حزب «الحركة القومية»، الذي يرأسه دولت بهشلي، الحديث عن الانتخابات المبكرة، على الرغم من أنها أحد المخارج التي ستمكن إردوغان من الترشح للرئاسة مجدداً بعدما استنفد مرات الترشح، وأصبح لا يحق له «دستورياً» خوض الانتخابات المقررة في عام 2028، مع وجود مؤشرات من داخل «العدالة والتنمية» على إمكانية التوجه إليها في خريف عام 2027.
قد يهمك أيضًا: السعودية وسوريا… شراكة استثمار واستقرار
وأشارت جملة من استطلاعات الرأي خلال الأسابيع الأخيرة إلى استمرار تآكل شعبية «تحالف الشعب» (حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية) على الرغم من الآمال التي عقدها التحالف على مبادرة «تركيا خالية من الإرهاب»، التي شملت مفاوضات مع زعيم حزب «العمال الكردستاني» السجين، عبد الله أوجلان، لحل الحزب ونزع أسلحته، في إطار خطوات لحل المشكلة الكردية في تركيا.
وبحسب مصادر حزب «الحركة القومية»، أثارت نتائج الاستطلاعات الأخيرة حالة من الغضب، لأنها أشارت إلى تراجع أصوات حزبهم، إضافة إلى زيادة كبيرة في عدد الناخبين المؤيدين تقليدياً لحزب «العدالة والتنمية»، المترددين في منح أصواتهم للحزب.
وعدّ مسؤولو «الحركة القومية» أن هناك تلاعباً بنتائج الاستطلاعات من أجل تضليل الرأي العام، لكن المصادر أكدت أن هناك حالة من القلق بسبب مبادرة «تركيا خالية من الإرهاب» التي طرحها بهشلي في 22 أكتوبر 2024، وتشكيل لجنة «التضامن الوطني والإخاء والديمقراطية» بالبرلمان بآلية مشابهة لـ«عملية السلام» في الفترة من عام 2013 إلى عام 2015، تثير قلقاً كبيراً لدى القاعدة القومية، وداخل الحزب.
بهشلي خلال استقباله «وفد إيمرالي» للحوار مع أوجلان في البرلمان التركي (حزب الحركة القومية – إكس)
ولفتت المصادر إلى أن آثار هذه العملية لا تزال حاضرة في أذهان القوميين، حيث حمّل الشعب حزب «الحركة القومية» المسؤولية عن تلك الفترة، وأن احتمال تكرار الخطأ ذاته الآن يؤدي إلى فقدان ثقة الناخبين، وأن الرأي السائد هو أن «مناقشات المبادرة هي ما أدت بالفعل إلى تآكل شعبية تحالف الشعب».
وعلق الكاتب في صحيفة «بيرغون»، يشار آيدن، على الجدل بشأن الانتخابات المبكرة، معتبراً أن الحكومة تتصرف كما لو أن صندوق الاقتراع لن يوضع أمام الناخبين أبداً، وأن حزب «العدالة والتنمية» لا يهمه إقناع الشعب أو كسبه، وقد يكون عدم إجراء الانتخابات أو تأجيلها خياراً مطروحاً في أذهانهم.
وأشار إلى ممارسة الضغط على أحزاب المعارضة وقادتها، وإبعادهم عن الانتخابات أو إجبارهم على دخولها في وضع ضعيف، قائلاً إنه يتضح من قضية إمام أوغلو أنهم يحتفظون بخيار تغيير قواعد اللعبة حتى ظهور مرشح يمكنهم التغلب عليه.
استطلاعات الرأي تظهر تآكل شعبية تحالف إردوغان وبهشلي (الرئاسة التركية)
وذهب آيدن إلى أنه ربما يكون هناك احتمال آخر يفكر فيه إردوغان؛ وهو اتخاذ موقف هجومي مع اقتراب موعد الانتخابات لإقناع الشعب، لافتاً إلى أن ذلك حدث من قبل، ونجح، وربما يفكر بأنه يمكنه تكرار ذلك. ورأى أنه بينما يفكر إردوغان وبهشلي في أن التطورات الإقليمية تخدم تحالفهما، فإن الشرائح الاجتماعية الديناميكية في البلاد تتجه بعناد إلى التغيير على قاعدة التنوير والحرية، ولا يوجد وضعٌ يُمكّن من دعم أي خطةٍ قائمةٍ على تطورات منطقة الشرق الأوسط.