أظهرت البيانات الاقتصادية الأخيرة الصادرة من الصين صورة متناقضة لأداء ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حيث ارتفع معدل البطالة بين الشباب إلى أعلى مستوى منذ بداية العام، في وقت عادت فيه الإيرادات المالية للنمو ولو بشكل طفيف، فيما واصل قطاع العقارات إظهار ضعف ملحوظ.
وسجّل معدل البطالة بين الشباب الصيني الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً (باستثناء طلاب الجامعات) ارتفاعاً حاداً ليصل إلى 17.8 في المائة في يوليو (تموز)، مقارنةً بـ14.5 في المائة في يونيو (حزيران) الماضي، حسب بيانات المكتب الوطني للإحصاء.
أما الفئة العمرية بين 25 و29 عاماً، فارتفع معدل البطالة لديها إلى 6.9 في المائة من 6.7 في المائة، بينما شهدت الفئة الأكبر سناً (30 – 59 عاماً) تحسناً طفيفاً بتراجع معدل البطالة إلى 3.9 في المائة من 4 في المائة.
ويعكس هذا التباين استمرار الضغوط في سوق العمل، لا سيما مع التحديات التي تواجه القطاعات التقليدية مثل العقارات والتصنيع، مما يضع الحكومة أمام معضلة توفير فرص عمل جديدة للشباب.
على الجانب المالي، عادت الإيرادات العامة للصين إلى النمو بنسبة 0.1 في المائة في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى يوليو (تموز) مقارنةً بالفترة ذاتها من 2024، بعد أن كانت قد انخفضت 0.3 في المائة في النصف الأول من العام الجاري.
كما أظهرت بيانات وزارة المالية توسع الإنفاق المالي بنسبة 3.4 في المائة خلال الأشهر السبعة الأولى، في إشارة إلى استمرار الحكومة في تحفيز الاقتصاد عبر زيادة الإنفاق العام، وذلك رغم الضغوط على بعض مصادر التمويل المحلية.
ولكن بالتوازي، واصل قطاع العقارات إظهار إشارات ضعف، إذ تراجعت إيرادات مبيعات الأراضي الحكومية بنسبة 4.6 في المائة على أساس سنوي في الفترة من يناير إلى يوليو، بعد انخفاض بنسبة 6.5 في المائة في النصف الأول.
وتُعد مبيعات الأراضي أحد المصادر الرئيسية لتمويل الحكومات المحلية، ويكشف استمرار تراجعها عن أزمة هيكلية عميقة في القطاع العقاري، الذي يمر بحالة إعادة هيكلة بعد سنوات من النمو المفرط والديون الثقيلة.
نوصي بقراءة: قطاع التصنيع التركي يواجه تباطؤاً حاداً في يونيو
وبينما تزداد الضغوط الاقتصادية، توقعت «رويترز» أن يُبقي بنك الشعب الصيني سعر الفائدة الأساسي للقروض دون تغيير للشهر الثالث على التوالي خلال أغسطس (آب) الجاري.
ويرى مراقبون أن البنك المركزي يفضل الاعتماد على سياسات هيكلية موجهة لدعم قطاعات محددة؛ مثل الابتكار التكنولوجي، والاستهلاك، والشركات الصغيرة، بدلاً من اللجوء إلى تخفيضات واسعة في أسعار الفائدة أو نسبة الاحتياطي الإلزامي.
كانت الصين قد خفضت سعر الفائدة على القروض لأجلي عام وخمسة أعوام بمقدار 10 نقاط أساس في مايو (أيار) الماضي. ويرى محللو «سيتي بنك» أن «بكين لن تلجأ إلى تحفيز ضخم بأسلوب البازوكا»، مرجحين بدلاً من ذلك إجراءات أكثر استهدافاً لتحفيز الطلب المحلي في النصف الثاني من العام.
في سياق متصل، أظهرت بيانات يوليو انكماشاً في القروض الجديدة باليوان للمرة الأولى منذ 20 عاماً، مما يشير إلى ضعف الطلب الائتماني وسط معاناة الاقتصاد.
لكن التحسن في نمو الائتمان الأوسع يوحي بأن البنك المركزي ليس في عجلة من أمره لتخفيف السياسة النقدية، بل سيركز على تحسين فاعلية الأدوات الهيكلية.
وفي تقريره الفصلي الأخير، أكد بنك الشعب الصيني التزامه بـ«سياسة نقدية متساهلة إلى حد ما»، مع التشديد على دعم الابتكار العلمي والتكنولوجي، وتعزيز الاستهلاك، وتحقيق الاستقرار في التجارة الخارجية.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن الاقتصاد الصيني يقف أمام مفترق طرق حساس، حيث يواجه سوق العمل تحديات متزايدة، خصوصاً بين الشباب… كما لا يزال القطاع العقاري نقطة ضعف رئيسية للحكومة. وبينما تمثل الإيرادات المالية نقطة ضوء بعدما عادت للنمو بدعم من السياسة المالية التوسعية، فإن السياسة النقدية تميل للحذر والتركيز على الحلول الموجهة بدلاً من الإجراءات الواسعة.
ومع استمرار هذه التناقضات، يترقب المستثمرون الخطوات المقبلة من بكين لتحديد ما إذا كان الاقتصاد قادراً على استعادة زخم النمو المستدام خلال النصف الثاني من 2025.