تسرد رواية «مراكب الكريستال» للكاتب الإرتيري أبو بكر حامد كهال، الصادرة حديثاً عن «الآن ناشرون وموزعون» في الأردن في 66 صفحة من القطع المتوسط، تجربة اللجوء، والأهوال التي يمكن أن يقابلها المرء حين يُرغَم على التهجير عن الوطن، سواء نتيجة الاضطهاد أو المعاملة السيئة أو الظروف التي يتعرَّض لها، حتى في بلدان اللجوء.
يبدأ الكاتب روايته على لسان البطل الذي لم يوضِّح إن كان هو نفسه أم أنه بطل خيالي، بالتساؤل: «هل أنا أحب أسمرا؟ نعم أحب هذه المدينة المهددة بالعطش وبالحروب.
أحبها رغم كل شيء. أحب شبابها الذين يغتالونهم بكل الطرق؛ بالتهجير وباختراع الحروب مع كل جيران البلاد. أراهم وهم يحاولون الاختفاء عن أعين دوريات التجنيد التي تُمشِّط المدينة، ويبتعدون عن أماكن الاكتظاظ والمرور عبر الشوارع الرئيسية. يُداهم الجيش دار السينما الوحيدة، ويقاطع العرض بإنارة الأضواء، ثم ينتزع الشباب من مقاعدهم ويذهب بهم إلى المعسكرات».
إنها رغم كل شيء مدينته – الوطن الذي وُلِد وعاش فيه حتى لو كابد الأهوال على أرضه، ولكن فكرة الهجرة نبتت في ذهنه كأي مواطن إريتري مأزوم داخل وطنه، في ظل تجنيدٍ إجباري يصل إلى عشر سنوات وأكثر، وبين سجن قهري لمن يطلق صيحة اعتراض.
تصفح أيضًا: عزيز عبدو لـ «الشرق الأوسط»: صرت أتمتع بخبرة فنية أوسع
ويصف أبو بكر الكهال في مشهد شديد الواقعية بالغ التأثير يوماً ممَّا مر به في معسكر اللجوء «شوشة» بتونس، متناولاً قصة طفلة بريئة كل ما جنته أنها موجودة بالمعسكر: «إنها علامات فصل الصيف، وحرارته التي بدأت تكوي الأجساد في النهار جحيم، وفي الليل جنة. نحن الآن في منتصف يونيو (حزيران) والحرارة لا تطاق، كانت ثمة طفلة تقف وحيدة وسط الأراجيح الخالية، وكانت الشمس حارقة. اقتربت من أُرجوحة معلَّقة على عارضة حديدية، لامستها ثم راحت تهزُّها برفق بدايةً، ثم وبالتدريج زادت سرعة الأرجوحة. ذهبت صوب أرجوحة دائرية بمقاعدها المطلية بألوان مختلفة. أدارتها بقوة باتجاه عقارب الساعة، ثم مضت إلى أرجوحة أخرى، ثم عادت تؤرجح تلك المُعلَّقة على العارضة الحديدية، وهكذا راحت تدير كل الأراجيح الأخرى، ثم غادرت وهي تلتفت نحو الأراجيح التي تدور فارغةً. أطلَّت برأسها إلى داخل الخيمة أَلْفَتْها حارة جدّاً، استدارت وخَطَت فوق التراب الحار متوجِّهة صوب حنفيات المياه. نظرت إلى السماء بعتاب».
هل محور اللقطة هو الطفلة فقط، أم أنه حال جميع الموجودين بالمعسكر؟ بل إن تلك الحرارة يقابلها مطر عاصف يقتلع أعمدة الخيام من الأرض ليترك أصحابها في مهب الريح والمطر والطين!
تُرى هل ينجح هؤلاء في الحصول على حق اللجوء إلى دول تكفُل للإنسان عيشاً كريماً، أم أنهم سيظلون في مخيمات اللجوء معلَّقين إلى ما لا نهاية؟!
تظل المرارة تغلِّف أحداث الرواية حتى قبل أسطر من ختامها، لكن في النهاية يُفتح باب الأمل حينما وجد البطل اسمه في لوحة الإعلانات مطلوباً لمقابلة الموظفة الأممية.