أبقى المصرف المركزي الأوروبي أسعار الفائدة دون تغيير يوم الخميس، بعد تخفيضها ثماني مرات خلال عام، متحيّناً الوقت المناسب لتفاوض بروكسل وواشنطن بشأن التجارة.
وكان المصرف المركزي الأوروبي خفّض سعر الفائدة الرئيسي إلى 2 في المائة الشهر الماضي؛ أي نصف مستواه قبل عام، بعد كبح جماح ارتفاع الأسعار الذي أعقب انتهاء جائحة «كوفيد- 19» والغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022.
ومع عودة التضخم إلى هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المائة، وتوقع بقائه عند هذا المستوى، اختار صانعو السياسات البقاء على حالهم يوم الخميس، في الوقت الذي بدت فيه محادثات التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإدارة دونالد ترمب في مرحلتها الأخيرة.
ورسم مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي، المسؤول عن صنع السياسات، صورة متوازنة للاقتصاد؛ إذ عوضت الاستثمارات العامة حالة عدم اليقين على المدى القريب بشأن التجارة.
وقال البنك المركزي الأوروبي: «يعكس هذا جزئياً تخفيضات أسعار الفائدة السابقة التي أجراها مجلس المحافظين، وقد أثبت الاقتصاد حتى الآن مرونته بشكل عام في بيئة عالمية مليئة بالتحديات». في الوقت نفسه، لا تزال البيئة غير مستقرة بشكل استثنائي، لا سيما بسبب النزاعات التجارية.
وقالت لاغارد في مؤتمر صحافي عقب الاجتماع: «نحن نتابع عن كثب إلى أين تتجه المفاوضات (ولكن) نتعامل مع الأخبار يوماً بيوم».
وأضافت: «كلما حُلّت هذه الشكوك التجارية بسرعة، قلّت الشكوك التي سنواجهها، وهذا أمرٌ سيُرحّب به العديد من الجهات الفاعلة الاقتصادية، بما في ذلك نحن».
وبينما كانت لاغارد وزملاؤها في منتصف اجتماعهم في وقت متأخر من يوم الأربعاء، صرّح دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي بأن الجانبين يتجهان نحو اتفاق من شأنه أن يؤدي إلى فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق بنسبة 15 في المائة على واردات الولايات المتحدة من سلع الاتحاد الأوروبي.
يقع هذا تقريباً في منتصف الطريق بين خط الأساس الذي وضعه البنك المركزي الأوروبي والسيناريوهات القاسية لاقتصاد منطقة اليورو التي عُرضت الشهر الماضي، ولكنه أقل حدة من نسبة 30 في المائة التي هدّد بها ترمب.
نوصي بقراءة: تراجع صادرات روسيا من المنتجات النفطية المنقولة بحراً 3.4 % في يونيو
وأظهرت تقديرات البنك المركزي الأوروبي أن زيادة التعريفات الجمركية الأميركية ستؤدي إلى انخفاض النمو، واعتماداً على مدى رد الاتحاد الأوروبي، إلى ارتفاع التضخم في منطقة اليورو على المدى المتوسط.
وقال هولغر شميدينغ، الخبير الاقتصادي في «بيرينبرغ»: «إذا توصل الجانبان بالفعل إلى مثل هذا الاتفاق، فسيدعم ذلك توقعاتنا بأن اقتصاد منطقة اليورو يمكن أن يستعيد زخمه بدءاً من الربع الرابع فصاعداً، وأن البنك المركزي الأوروبي لن يحتاج إلى خفض أسعار الفائدة أكثر».
وفي بيانه، قال البنك المركزي الأوروبي إنه سيتخذ قراراته «اجتماعاً تلو الآخر… بناءً على تقييمه لتوقعات التضخم والمخاطر المحيطة بها».
ولا تزال أسواق المال تتوقع خفضاً إضافياً لأسعار الفائدة، ربما بحلول مارس (آذار)؛ نظراً لخطر انخفاض التضخم بشكل كبير.
وحتى توقعات البنك المركزي الأوروبي الأساسية لشهر يونيو (حزيران)، والتي تتضمن رسوماً جمركية بنسبة 10 في المائة من الولايات المتحدة، شهدت نمواً في الأسعار أقل من 2 في المائة خلال الأشهر الثمانية عشر المقبلة.
وقال هنري كوك، الخبير الاقتصادي في الشؤون الأوروبية لدى بنك «إم يو إف جي»: «حتى في حال كون النتيجة إيجابية (أي رسوم جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة)، ما زلنا نرى مجالاً لمزيد من التيسير مع اتساع نطاق عملية انكماش التضخم».
ويُظهر اقتصاد منطقة اليورو بعض المؤشرات الأولية على التسارع، لكن النمو لا يزال متواضعاً. ورغم تفاؤل الشركات بشأن انتعاشها في المستقبل، فإنها أفادت بأنها بدأت تشعر بتأثير الرسوم الجمركية على أرباحها.
وعلى الجانب المشرق، شهدت بنوك منطقة اليورو ارتفاعاً في الطلب على القروض، ولم يُترجم عدم اليقين السياسي بعدُ إلى تباطؤ اقتصادي أو سوقي. وبعد موجة بيع قصيرة الأمد في أبريل (نيسان)، تعامل المستثمرون مع الاضطرابات التجارية بهدوء؛ إذ اقتربت مؤشرات الأسهم الأوروبية من مستويات قياسية جديدة، ويعود الفضل في ذلك أيضاً إلى شهية ألمانيا الجديدة للإنفاق.
وفي الواقع، أدى تذبذب السياسات في الولايات المتحدة، بما في ذلك انتقادات ترمب اللاذعة لـ«الاحتياطي الفيدرالي»، إلى جذب المستثمرين الأجانب إلى أصول منطقة اليورو. ودفع ذلك اليورو لفترة وجيزة إلى أعلى مستوى له مقابل الدولار منذ سبتمبر (أيلول) 2021 عند 1.1829 دولار في وقت سابق من هذا الشهر.
حتى إن إيزابيل شنابل، عضوة مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، والمتشددة في هذا المجال، قالت إن على البنك المركزي الحذر من ارتفاع الأسعار الناجم عن الرسوم الجمركية، وإن احتمال إجراء المزيد من التخفيضات «عالٍ جداً».