تزامن مقطع فيديو مسرب منسوب لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، وهو يطالب فيه سفراء بلاده بالخارج بضبط أي معتد على السفارات وتقييده وتسليمه لشرطة الدولة المستضيفة، مع تصريحات تلفزيونية لعبد العاطي اتهم فيها دولاً بـ«التقاعس عن توفير الحماية للبعثات الدبلوماسية المصرية»، معلناً تطبيق مبدأ «المعاملة بالمثل» مع سفاراتها في القاهرة، وتبليغهم «رسائل احتجاج شديدة اللهجة».
وفيما بدا للبعض أن الفيديو المسرب بمثابة «رسالة مقصودة»، لتلك الدول وكذلك لمنفذي الاحتجاجات أمام السفارات المصرية، ممن يتهمون القاهرة بمنع وصول المساعدات إلى قطاع غزة، يرى آخرون أن الموقف المصري بشكل عام يؤكد «عدم التهاون مع أي تجاوز ضد سفاراتها».
وعلى مدار الساعات الماضية ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بمقطع الفيديو المسرب، الذي يظهر فيه صوت عبد العاطي منفعلاً وموجهاً اللوم للسفير المصري لدى هولندا، عماد حنا، بعدما تعرضت السفارة لإغلاق بابها بقفل من قبل أحد الشباب المصريين، بداعي إغلاقها كما تغلق مصر معبر رفح أمام ادخال المساعدات إلى غزة، وهو ما تنفيه مصر.
وحاولت «الشرق الأوسط» الحصول على تعليق من الخارجية المصرية حول صحة هذا الفيديو، لكن لم يتسن ذلك.
وفي الفيديو، اتهم عبد العاطي السفير المصري لدى هولندا بـ«التقصير في حماية السفارة»، مشيراً إلى أن ما شهدته السفارة في لاهاي، شجع على محاولة تكرار الأمر نفسه في دول أخرى.
ودافع سفير مصر لدى هولندا عن نفسه، قائلاً – وفق ما أذيع – إن السفارة المصرية في هولندا كانت أول سفارة تعرضت لمثل هذه الواقعة المفاجئة، وإن السفارات المصرية في باقي البلدان اتخذت حذرها بعد ذلك.
وخلال الفيديو المسرب قال عبد العاطي إن «جميع الأجهزة في مصر مستاءة مما حدث في هولندا، وإنه أكد أكثر من مرة أن من يحاول أن يمس باب أي سفارة يجب أن يحاسب»، مستطرداً: «أقول هذا الكلام على مسؤوليتي وأنا وزير الخارجية، من يحاول وضع قفل على باب السفارة أو وضع دهان (طلاء) عليه، يتم الإمساك به وتكتيفه ووضعه داخل السفارة واستدعاء الشرطة، وغير مقبول أن يلمس أحد جدار السفارة».
وخلال الفيديو ظهر عبد العاطي فيما يشبه جلسة رسمية داخل مقر وزارة الخارجية المصرية مؤكداً للسفير المصري لدى هولندا أن «الهدف من حصار السفارات نشر بعض الصور لتظهر مصر كدولة منتهكة مغلوب على أمرها، وعلى رأسها بطحة وهذا أمر غير مقبول».
ولاقى الفيديو استحساناً وحصد ردود فعل إيجابية واسعة في مصر بعدّه رسالة واضحة ومقصودة، ووصفه البعض بأنه «أحلى تسريب».
قد يهمك أيضًا: الجمارك الأردنية تضبط 30 ألف عبوة “جوس تدخين” مقلدة
وفي اعتقاد الباحث والمحلل السياسي المصري محمد عبد الله أن «الفيديو مسرب عمداً، لأن الوزير ظهر في اليوم نفسه في حوار تليفزيوني وقال المعنى نفسه تقريباً… من الواضح أن مصر غيرت لهجتها مؤخراً لتبدو أكثر حدة».
وأوضح عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «مصر لم تعد تتحدث بلغة الدبلوماسية الناعمة خصوصاً عند الحديث عن أمور تتعلق بسيادة مصر على أراضيها وسفارتها، ومن ثم يمكن الربط بين تسريبات وزير الخارجية وتصريحات محافظ شمال سيناء قبل أيام، التي هدد فيها كل من يحاول المساس بسيادة مصر، لندرك أن صوت مصر أصبح أكثر حدة وقوة».
وفي حوار لمحطة تليفزيونية محلية، الأربعاء، تحدث عبد العاطي كاشفاً عن أنه تم «إعطاء تعليمات لكل السفارات بعدم التهاون بمن يمس السفارات بعدّها جزءاً لا يتجزأ من السيادة المصرية، ومحاسبة أي متجاوز ضدها، وأنه تم القبض على كل من هاجم السفارات المصرية ببعض الدول ويتم التحقيق معهم من جانب سلطات هذه الدول».
وأكد عبد العاطي أن «هناك دول تخاذلت وتقاعست في توفير الحماية للبعثات الدبلوماسية المصرية تم رصدها، ويتم تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل مع سفاراتها في مصر حيث تم تخفيف إجراءات الحماية الأمنية على سفاراتها ومعظمها دول أوروبية»، ونوه إلى «استدعاء سفراء تلك الدول وتبليغهم رسائل احتجاج مصرية شديدة اللهجة».
وأضاف: «الوضع الآن أفضل، حيث استجابت تلك الدول ووفرت الحماية اللازمة لسفارات مصر بها».
ورأى مدونون أن تزامن التسريب مع لقاء تليفزيوني معلن لوزير الخارجية يأتي وكأنه تأكيد من القاهرة أن ما جاء في التسريب مقصود، لكن بعض الأوصاف الواردة به لم يكن ممكناً إعلانها رسمياً، لذلك جاء الحوار التليفزيوني للوزير لتثبيتها بلغة أخرى، دبلوماسية بعض الشيء.
وقال الخبير في الشؤون العربية والدولية، أشرف العشري، لـ«الشرق الأوسط»، إن مصر تبلغ كل الأطراف بما فيها جماعة الإخوان «المحظورة»، والدول الأوروبية التي تعرضت فيها سفاراتها بالخارج لتجاوزات، بأنها «غاضبة ورافضة لمثل هذه المواقف، ومن ثمّ ستكون لها مواقف مضادة بشأن حماية سفارات تلك الدول في مصر عند اللزوم في ضوء المعاملة بالمثل».
يؤيد خبير الأمن القومي المصري اللواء محمد عبد الواحد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، الرأي بأن مصر تبعث برسائل واضحة للجميع مضمونها أنها «لم ولن تتهاون مع أي تجاوز ضد سفاراتها بالخارج».
وشهدت سفارات وبعثات دبلوماسية مصرية في دول عدة حول العالم، على مدار الأسابيع الماضية، احتجاجات، ومحاولات لـ«حصار وإغلاق»، بدعوى مطالبة القاهرة بفتح «معبر رفح» على الحدود مع قطاع غزة، وإيصال المساعدات للأهالي الذين يعانون من «التجويع»، وذلك رغم تأكيدات مصرية رسمية متكررة على عدم إغلاق المعبر من الجانب المصري، وأن منع دخول المساعدات يعود للقوات الإسرائيلية المسيطِرة على الجانب الفلسطيني من المعبر.
ويأتي «حصار السفارات» المصرية في الخارج، ضمن «حملات تحريضية»، يدبرها تنظيم «الإخوان المسلمين»، المحظور في مصر؛ بهدف «تشويه الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية»، وفق مسؤولين وبرلمانيين مصريين.