الآن، وبعد أن ألمح رئيس «الاحتياطي الفيدرالي» جيروم باول إلى أن البنك المركزي قد يخفض قريباً سعر الفائدة الرئيسي، يواجه تحدياً جديداً: كيف يفعل ذلك دون أن يبدو مستسلماً لمطالب البيت الأبيض؟
على مدى شهور، تجاهل باول إلى حد بعيد ضغوط الرئيس دونالد ترمب المستمرة لخفض تكاليف الاقتراض. ومع ذلك، في خطاب ألقاه يوم الجمعة في جاكسون هول بوامينغ، كان يُنتظر منه الكثير، أشار باول إلى أن «الاحتياطي الفيدرالي» قد يتخذ مثل هذه الخطوة في أقرب وقت ممكن في اجتماعه المقبل في سبتمبر (أيلول).
سيكون قراراً محفوفاً بالمخاطر بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، الذي يجب أن يوازنه مع استمرار التضخم واحتمال تحسن الاقتصاد في النصف الثاني من هذا العام. وإذا حدث هذان الاتجاهان، فقد يبدو أي خفض سابق لأوانه، وفق «أسوشييتد برس».
كان ترمب قد حث باول على خفض أسعار الفائدة، مُجادلاً بأنه «لا يوجد تضخم» وأن الخفض سيقلل مدفوعات الفوائد الحكومية على ديونها البالغة 37 تريليون دولار.
من اليمين: باول ومحافظ بنك اليابان ورئيسة البنك المركزي الأوروبي ومحافظ بنك إنجلترا (رويترز)
من ناحية أخرى، أشار باول إلى أن خفض سعر الفائدة محتمل لأسباب مختلفة تماماً عن أسباب ترمب؛ فهو قلق من ضعف الاقتصاد. كما أوضحت تصريحاته يوم الجمعة في ندوة اقتصادية بحديقة غراند تيتون الوطنية في وايومنغ أن «الاحتياطي الفيدرالي» سيتحرك بحذر وسيخفض الفائدة بوتيرة أبطأ بكثير مما يريده ترمب.
ومع ذلك، قال باول إن الرسوم الجمركية بدأت في رفع أسعار السلع، وقد تستمر في دفع التضخم إلى الارتفاع، وهي احتمالية سيراقبها مسؤولو «الاحتياطي الفيدرالي» من كثب وستجعلهم حذرين بشأن إجراء تخفيضات إضافية في أسعار الفائدة.
يبلغ سعر الفائدة الرئيسي قصير الأجل للاحتياطي الفيدرالي، الذي يؤثر على تكاليف الاقتراض الأخرى لأشياء مثل الرهون العقارية وقروض السيارات، حالياً 4.25 في المائة، دعا ترمب إلى خفضه ليصل إلى 1 في المائة، وهو مستوى لا يؤيده أي مسؤول في «الاحتياطي الفيدرالي».
مهما كانت الخطوة المقبلة للاحتياطي الفيدرالي، فمن المرجح أن يفعل ذلك مع الاستمرار في تأكيد استقلاليته الراسخة. يعتبر معظم الاقتصاديين البنك المركزي المستقل سياسياً أمراً بالغ الأهمية لمنع التضخم، لأنه يمكنه اتخاذ خطوات – مثل رفع أسعار الفائدة لتبريد الاقتصاد ومكافحة التضخم – يصعب على المسؤولين المنتخبين القيام بها.
تتكون لجنة تحديد أسعار الفائدة في «الاحتياطي الفيدرالي» من 19 عضواً، 12 منهم يصوتون على قرارات الفائدة. وقالت إحدى عضوات اللجنة، بيث هامّاك، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، يوم الجمعة في مقابلة مع وكالة «أسوشييتد برس» إنها ملتزمة باستقلالية الاحتياطي الفيدرالي. أضافت: «أنا أركز بشدة… على ضمان أن أتمكن من تقديم نتائج جيدة للجمهور، وأحاول أن أتجاهل كل الضجيج الآخر».
رئيسة «الاحتياطي الفيدرالي» في كليفلاند بيث هاماك في ندوة جاكسون هول (رويترز)
لا تزال هامّاك قلقة من أن «الاحتياطي الفيدرالي» لا يزال بحاجة إلى محاربة التضخم العنيد، وهي وجهة نظر يشاركها العديد من زملائها.
تصفح أيضًا: الأسهم الأوروبية تتراجع بفعل تهديدات ترمب الجمركية الجديدة
وقالت هامّاك: «التضخم مرتفع للغاية ويتجه في الاتجاه الخاطئ. الآن أرى أننا نبتعد عن أهدافنا فيما يتعلق بالتضخم».
لم يتحدث باول نفسه عن استقلالية «الاحتياطي الفيدرالي» خلال خطابه في وايومنغ، حيث تلقى تصفيقاً حاراً من الأكاديميين والاقتصاديين ومسؤولي البنوك المركزية من جميع أنحاء العالم. لكن آدم بوسن، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، قال إن ذلك كان على الأرجح اختياراً متعمداً ويهدف، بشكل مثير للسخرية، إلى إظهار استقلالية «الاحتياطي الفيدرالي».
وقال بوسن: «عدم الحديث عن الاستقلالية كان وسيلة لمحاولة إرسال إشارة بأفضل شكل ممكن أننا ماضون في عملنا. ما زلنا نجري مناقشة داخلية متحضرّة حول جدوى هذه القضية. وحتى لو أرضى ذلك الرئيس، فإننا سنتخذ القرار الصحيح».
تصعيد الضغوط على مسؤول آخر
على هذه الخلفية، كثف ترمب حملته للضغط على مسؤول بارز آخر في «الاحتياطي الفيدرالي». وقال ترمب إنه سيُقيل حاكمة «الاحتياطي الفيدرالي» ليزا كوك إذا لم تتنحَ عن منصبها. وزعم بيل بولت، الذي عيّنه ترمب لرئاسة الوكالة التي تنظم عملاقي الرهن العقاري فاني ماي وفريدي ماك، يوم الأربعاء أن كوك ارتكبت احتيالاً على الرهن العقاري عندما اشترت عقارين في عام 2021. لم يتم توجيه اتهامات لها.
وقالت كوك إنها لن «تُرهب» للتنازل عن منصبها. ورفضت يوم الجمعة التعليق على تهديد ترمب.
وإذا تمت إقالة كوك بطريقة ما، فإن ذلك سيمنح ترمب فرصة لتعيين شخص موالٍ في مجلس إدارة «الاحتياطي الفيدرالي». يصوت أعضاء المجلس على جميع قرارات أسعار الفائدة. وقد رشح بالفعل كبير الاقتصاديين في البيت الأبيض، ستيفن ميران، ليحل محل الحاكمة السابقة أدريانا كوغلر، التي تنحت في الأول من أغسطس (آب).
وكان ترمب قد هدد في السابق بإقالة باول، لكنه لم يفعل ذلك. كان ترمب قد عيّن باول في أواخر عام 2017. وتنتهي ولايته كرئيس بعد نحو تسعة أشهر.
باول ليس غريباً على هجمات ترمب. وأشار مايكل سترين، مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد «أميركان إنتربرايز»، إلى أن الرئيس هاجمه أيضاً في عام 2018 بسبب رفع أسعار الفائدة، لكن ذلك لم يمنع باول.
وقال سترين: «الرئيس لديه تاريخ طويل في ممارسة الضغط على الرئيس باول. والرئيس باول لديه تاريخ طويل في مقاومة ذلك الضغط. لذا سيكون من الغريب، على ما أعتقد، أن يستسلم للمرة الأولى وهو في طريقه إلى المغادرة».
ومع ذلك، يعتقد سترين أن باول يبالغ في تقدير خطر ضعف الاقتصاد بشكل أكبر ورفع معدل البطالة. فإذا تفاقم التضخم بينما استمر التوظيف، فإن ذلك قد يجبر «الاحتياطي الفيدرالي» على عكس المسار ورفع أسعار الفائدة مرة أخرى في العام المقبل.
واختتم قائلاً: «هذا من شأنه أن يلحق المزيد من الضرر بمصداقية (الاحتياطي الفيدرالي) فيما يتعلق بالحفاظ على تضخم أسعار منخفض ومستقر».