في وقت أثار فيه إعلان القوات الأميركية في العراق إعادة تموضعها من جديد جدلاً حول ما إذا كانت واشنطن قررت فجأة الانسحاب من العراق، فإن مذكرة التفاهم التي وقَّعها العراق مع إيران مؤخراً وأثارت حفيظة واشنطن، زادت من حدة تعقيد المشهد برمته.
وبينما حاولت بغداد تخفيف الآثار المترتبة على توقيع تلك المذكرة التي سعت إيران سواء عبر تصريحات أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني أم الإعلام الإيراني إلى تضخيمها، فإن بدء عملية إعادة التموضع مع استمرار الجدل حول قانون «الحشد الشعبي» المؤجل برلمانياً أثار قلقاً وسط الشارع العراقي.
وبالتزامن مع ذلك، عادت الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران وفي مقدمها «كتائب حزب الله» إلى معاودة إصدار البيانات، واتخاذ المواقف المناهضة للوجود الأميركي في العراق مع التلويح بالعودة إلى «وحدة الساحات» التي مهد لها لاريجاني خلال زيارته لبيروت عقب زيارته لبغداد.
مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي أوضح خلال استقباله القائم بالأعمال الأميركي لدى العراق، ستيفن فاجن، تفاصيل الاتفاقية الأمنية الأخيرة الموقعة بين بغداد وطهران.
وقال مكتب الأعرجي في بيان، مساء السبت، إن «اللقاء بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، وأهمية استمرار التعاون المشترك في مجال مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والخبرات».
واستعرض الأعرجي، بحسب البيان، «تفاصيل مذكرة التفاهم الأمنية الموقعة بين العراق وإيران، بشأن ضبط الحدود، بما يسهم في دعم أمن واستقرار المنطقة، ومنع التهريب والتسلل، مبيناً أن العراق ينطلق في سياساته من مصالحه الوطنية العليا، ويتصرف كدولة مستقلة ذات سيادة».
وأشار إلى أن «الحكومة العراقية تنتهج علاقات متوازنة مع دول المنطقة والعالم، وتمضي في سياسة الانفتاح الدبلوماسي على الدول الصديقة والشقيقة».
من جانبه، جدد السفير فاجن «دعم الولايات المتحدة سياسات الحكومة العراقية المتوازنة في علاقاتها الداخلية والخارجية، مثمناً الجهود المبذولة في ملف إعادة النازحين وخطط تأهيلهم».
وكانت وزارة الخارجية الأميركية أعربت عن رفضها مذكرة التفاهم الأمنية التي وقَّعها العراق مع إيران مؤخراً، مؤكدة معارضتها لأي تشريع يتقاطع مع أهداف الولايات المتحدة، ويتناقض مع جهود تعزيز المؤسسات الأمنية القائمة في العراق.
تضخيم إيراني
وبينما تحاول بغداد تخفيف أهمية التوقيع على مذكرة التفاهم مع طهران بوصفها تمثل حاجة مشتركة لضبط الحدود الطويلة بين البلدين، فإن طهران عملت على تضخيم التوقيع على هذه المذكرة بوصفها اتفاقية بين البلدين، وليست مجرد مذكرة تفاهم.
وفي سياق متزامن مع توقيع المذكرة الذي تزامن مع زيارة الأربعينية في كربلاء، حيث يوجد الزوار الإيرانيون بكثافة، فإن هذه السنة وجدت الزيارة حضوراً رسمياً إيرانياً رفيع المستوى.
تصفح أيضًا: مصدر مصري لـ«الشرق الأوسط»: القاهرة خاطبت أنقرة لتسلّم «إخوان» مطلوبين
ففي الوقت الذي شوهد لاريجاني وهو يوزع الشاي على الزوار في أحد الطرق القريبة من مدينة كربلاء، أظهرت الصور وجود وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وهو أمر غير مسبوق أن يوجد بين الزوار الإيرانيين القادمين إلى كل من كربلاء والنجف.
وكان لاريجاني وصف الاتفاق الأمني مع العراق بأنه ينص على تعهد البلدين بعدم السماح بالإخلال بأمنهما.
وقال في تصريحات صحافية: «في زيارتي الأخيرة إلى بغداد، وقعت اتفاقا أمنياً يعكس رغبة مشتركة لتحقيق الاستقرار الأمني».
وأضاف أن «نهج إيران هو استقرار الأمن في المنطقة بمشاركة دولها، بحيث تكون جميع الدول قوية»، لافتاً إلى أن «مسألة اختراق العدو للداخل الإيراني جدية للغاية، وتجب مواجهتها».
انسحاب أم إعادة انتشار؟
إلى ذلك وطبقاً لمصدر حكومي عراقي، تبدأ القوات الأميركية بالانسحاب من العاصمة بغداد بالكامل باتجاه أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.
وطبقاً للمصدر الحكومي، فإن «التحالف الدولي سينسحب من قاعدة (عين الأسد) ومطار بغداد وقيادة العمليات المشتركة باتجاه مدينة أربيل».
وأوضح المصدر أن «انسحاب قوات التحالف سيكون في سبتمبر المقبل، تنفيذاً للاتفاق بين بغداد وواشنطن»، مشيراً إلى أن «المدربين العسكريين سيبقون في البلاد، ولا علاقة لهم بانسحاب قوات التحالف الدولي».
ولفت إلى أنه «سبق الحديث عن بدء سحب ونقل معدات أميركية من قاعدة «عين الأسد» غرب العراق، وذلك تطبيقاً للاتفاق العراقي الأميركي على إنهاء مهمة «التحالف الدولي».
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور حسين علاوي مستشار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لـ«الشرق الأوسط» أنه بعد توصل العراق إلى اتفاق مع دول التحالف الدولي لإنهاء مهمتهم وفق سقف زمني معلن في سبتمبر 2025 ـ 2026، فإن هذا الاتفاق من شأنه أن ينقل العلاقة بين الطرفين إلى علاقات ثنائية مشتركة، وينهي مهمة التحالف في مقر البعثة في بغداد وفي قاعدة عين الأسد بالأنبار خلال شهر سبتمبر هذا العام كمرحلة أولى.
وأضاف علاوي أن «العمل في المرحلة الجديدة من التعاون الأمني سيكون في مجال المشورة وبناء القدرات للقوات القتالية العراقية، والاستمرار في مطاردة ومكافحة تنظيم (داعش) الإرهابي عبر التعاون المعلوماتي والاستخباري وتبادل الخبرات، والاستمرار بالعمل على تنفيذ المرحلة الثانية من إنهاء مهام التحالف الدولي خلال شهر سبتمبر 2026».
وأوضح أن «هذا تأكيد من العراق على الالتزام بمخرجات اللجنة العسكرية العليا المشتركة بين العراق ودول التحالف الدولي في العراق بعد 11 سنة من تشكيله» مبيناً أن «العراق اليوم يختلف عما كان عليه في عام 2014، وأن عصابات (داعش) لم تعد تمثل تهديداً للعراق الذي تنعم محافظاته بالأمن والاستقرار».