في الوقت الذي يكابد فيه قطاع غزة ويلات المجاعة والحصار، كشف تحقيق استقصائي أجرته منصة “إيكاد”، عن وجود ميليشيا مسلحة منظمة، يقودها ياسر أبو شباب، وتعمل بتنسيق مباشر مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، بهدف نهب المساعدات الإنسانية بشكل منهجي وتنفيذ مخططات تهدف إلى إعادة تشكيل الخريطة السكانية للقطاع.
ويقدم التحقيق، الذي اعتمد على تحليل أكثر من خمسين حساباً رقمياً وصور أقمار صناعية وشهادات محلية، خريطة مفصلة لهيكلية العصابة وانتشارها وارتباطاتها، وكيف تحولت المساعدات إلى أداة لفرض السيطرة وخدمة أجندة الاحتلال.
وفقاً للتحقيق، ظهرت الميليشيا إلى العلن في مايو 2024، مستغلة الانهيار الأمني في القطاع. ويقودها ياسر أبو شباب، الذي كان معتقلاً في غزة على خلفية قضايا جنائية تشمل تهريب السلاح والمخدرات، قبل أن يفر من السجن عقب قصف إسرائيلي استهدف مقرات أمنية.
وفي مقابلة صادمة بثتها قناة “كان” الإسرائيلية في 6 يوليو 2025، أعلن أبو شباب صراحة عن تعاونه مع جيش الاحتلال تحت غطاء توزيع المساعدات، وأبدى استعداده لتولي إدارة غزة في حال سقوط حماس. وتزامنت تصريحاته مع اتهامات موثقة نقلتها صحيفة “واشنطن بوست” عن الأمم المتحدة، تشير إلى استيلاء ميليشيا أبو شباب على 80 شاحنة مساعدات من أصل 100، وضلوعها في قتل أربعة من سائقي الشاحنات.
ويضم الهيكل القيادي للميليشيا، إلى جانب أبو شباب، شخصيات ذات خلفيات إجرامية وأمنية خطيرة، منهم غسان الدهيني، الذي ارتبط سابقاً بجيش الإسلام، وعصام النباهين، وهو مقاتل سابق مع تنظيم داعش في سيناء.
اقرأ ايضا: جيش الاحتلال: رصدنا إطلاق صاروخ من جنوب قطاع غزة وسقط بمنطقة مفتوحة
يوثق تحقيق “إيكاد” بالصور ومقاطع الفيديو عمليات النهب التي نفذها عناصر الميليشيا، حيث كانوا يروجون لأنشطتهم علناً عبر حساباتهم على مواقع التواصل، ما يشير إلى شعورهم الكامل بالحماية وعدم الخوف من المحاسبة.
وتتمركز الميليشيا في مناطق جنوب القطاع الخاضعة لرقابة جيش الاحتلال، مثل الشوكة والبيوك. وكشفت صور أقمار صناعية من نوفمبر 2024 عن إقامة الميليشيا سواتر ترابية على طول الطريق الخارج من معبر كرم أبو سالم، بهدف اعتراض شاحنات المساعدات والسيطرة عليها.
الأخطر من ذلك، أن الميليشيا أنشأت مخيمات للنازحين شرق رفح، وظهر أبو شباب وهو يوزع فيها أكياس طحين تابعة لبرنامج الأغذية العالمي كان قد استولى عليها. وكشف التحقيق أن هذه المخيمات تقع في نفس المنطقة التي دعا وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، لتجميع سكان غزة فيها، مما يشير إلى أن هذه الأنشطة الإغاثية المزعومة قد تكون غطاءً لمخطط “تهجير ناعم”.
ويضيف التحقيق أن الدعم الذي تحظى به الميليشيا لا يقتصر على الاحتلال، حيث نقلت مصادر أمنية عبرية أن السلطة الفلسطينية تدعم أبو شباب “إدارياً” في محاولة لملء الفراغ، وذلك في إطار تفاهمات مع الاحتلال ألمح إليها مسؤولون في حكومة الاحتلال.
يخلص تحقيق “إيكاد” إلى أن ما يجري يتجاوز مجرد فوضى أو نهب، بل هو نموذج لحرب ناعمة تُستخدم فيها المساعدات الإنسانية كسلاح، والمجاعة كوسيلة ضغط، والميليشيات المحلية كأداة لتفكيك المجتمع من الداخل وخدمة المشروع الاستعماري طويل الأمد للاحتلال.