أقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مساء الاثنين، محافِظة مجلس «الاحتياطي الفيدرالي»، ليزا كوك، في خطوة غير مسبوقة تُمثل تصعيداً حاداً في معركته لتوسيع سيطرته على ما يُعتبر منذ فترة طويلة مؤسسة مستقلة عن السياسة اليومية.
وأعلن ترمب في رسالة نشرها على منصته للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال» أنه أقال كوك بسبب مزاعم ارتكابها احتيالاً عقارياً. وكانت هذه الاتهامات قد قدمها الأسبوع الماضي بيل بولتي، الذي عيّنه ترمب في الوكالة التي تنظم عملاقي الرهن العقاري «فاني ماي» و«فريدي ماك».
لكن كوك ردت على إعلان ترمب إقالتها بتصريحٍ حادّ قالت فيه: «زعم الرئيس ترمب إقالتي (لسببٍ وجيه) في حين أنه لا يوجد سببٌ قانونيٌّ لذلك، وليس لديه سلطةٌ للقيام بذلك. لن أستقيل، وسأواصل عملي لدعم الاقتصاد الأميركي، كما أفعل منذ عام 2022».
ادعى بولتي أن كوك قامت عام 2021 بالإشارة إلى مسكنين أساسيين لها – في آن أربور بولاية ميشيغان وأتلانتا – للحصول على شروط أفضل للقروض العقارية. ومن المعروف أن أسعار الفائدة على المنازل الثانية أو تلك التي تُشترى بغرض التأجير غالباً ما تكون أعلى.
محافِظة «الاحتياطي الفيدرالي» ليزا كوك خلال مشاركتها في ندوة جاكسون هول الأسبوع الماضي (رويترز)
من المتوقع أن تُطلق هذه الإقالة معركة قانونية واسعة قد تصل إلى المحكمة العليا، وقد تُحدث اضطراباً في الأسواق المالية، مما قد يدفع أسعار الفائدة للارتفاع. وتُعتبر استقلالية البنك المركزي أمراً حاسماً في قدرته على محاربة التضخم، لأنه يمكّنه من اتخاذ خطوات غير شعبية مثل رفع أسعار الفائدة. وإذا بدأ المستثمرون في السندات يفقدون ثقتهم في قدرة «الاحتياطي الفيدرالي» على السيطرة على التضخم، فسوف يطالبون بأسعار فائدة أعلى لشراء السندات، مما يرفع تكاليف الاقتراض على القروض العقارية وقروض السيارات وقروض الأعمال.
أشار خبراء قانونيون إلى أن المزاعم ربما تكون مجرد ذريعة للرئيس لفتح مقعد آخر في المجلس المكون من سبعة أعضاء ليتمكن من تعيين شخص موالٍ له يدفع نحو هدفه المعلن منذ فترة طويلة بخفض أسعار الفائدة.
يصوت محافظو «الاحتياطي الفيدرالي» على قرارات أسعار الفائدة للبنك المركزي وقضايا التنظيم المالي. وعلى الرغم من أنهم يُعيَّنون من قِبل الرئيس ويُصدِّق عليهم مجلس الشيوخ، فإنهم لا يعملون مثل وزراء الحكومة الذين يخدمون حسب رغبة الرئيس. بل يخدمون فترات مدتها 14 عاماً بشكل متدرج في محاولة لحماية البنك المركزي من النفوذ السياسي.
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس «الاحتياطي الفيدرالي» خلال زيارة الأول لمبنى «الفيدرالي» (رويترز)
تصفح أيضًا: لبنان: مفاوضات الصندوق تتقدم… وتوقيع الاتفاق قريباً
لم يسعَ أي رئيس من قبل إلى إقالة محافظ للبنك المركزي. في العقود الأخيرة، احترم الرؤساء من كلا الحزبين استقلالية البنك الفيدرالي إلى حدٍ بعيد، رغم أن ريتشارد نيكسون وليندون جونسون مارسا ضغوطاً كبيرة على البنك المركزي خلال فترتي حكمهما – غالباً خلف الأبواب المغلقة. ومع ذلك، فإن تلك الضغوط الخفية لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة، وهو نفس الهدف الذي يسعى إليه ترمب، قد أُلقي باللوم عليها على نطاق واسع في إشعال التضخم الجامح في أواخر الستينيات والسبعينيات.
جاء هذا الإعلان بعد أيام من إعلان كوك أنها لن تترك منصبها على الرغم من أن ترمب كان قد طالبها في وقت سابق بالاستقالة. وكان أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون قد أعربوا عن دعمهم لكوك.
كتب ترمب في رسالة موجهة إلى كوك، نشر نسخة منها عبر الإنترنت: «يتحمل (الاحتياطي الفيدرالي) مسؤولية هائلة في تحديد أسعار الفائدة وتنظيم البنوك الأعضاء. يجب أن يكون لدى الشعب الأميركي ثقة كاملة في نزاهة الأعضاء الموكل إليهم وضع السياسة والإشراف على (الاحتياطي الفيدرالي)». وأضاف: «في ضوء سلوكك المخادع والذي قد يكون إجرامياً في مسألة مالية، لا يمكنهم أن يثقوا في نزاهتك، ولا أنا».
جادل ترمب بأن إقالة كوك دستورية، حتى لو كانت هذه الخطوة ستثير تساؤلات حول سيطرة ترمب على البنك المركزي ككيان مستقل.
وكتب الرئيس في رسالته إلى كوك: «السلطة التنفيذية للولايات المتحدة موكولة لي كرئيس، وبصفتي رئيساً، لدي واجب مقدس وهو أن تُنفَّذ قوانين الولايات المتحدة بأمانة». وأضاف: «لقد قررت أن تطبيق القانون بأمانة يتطلب إزالتك الفورية من منصبك».
من المرجح أن تُطلق هذه الإقالة معركة قانونية، وقد يُسمح لكوك بالبقاء في منصبها بينما تتقدم القضية. وسيتعين على كوك خوض المعركة القانونية بنفسها، بصفتها الطرف المتضرر، وليس البنك المركزي.
يُعد هذا أحدث جهد من الإدارة للسيطرة على واحدة من الوكالات المستقلة القليلة المتبقية في واشنطن. وقد هاجم ترمب مراراً رئيس البنك المركزي جيروم باول لعدم خفضه سعر الفائدة قصير الأجل، بل وهدد بإقالته.
ستمنح إزاحة كوك من مجلس إدارة البنك المركزي ترمب فرصة لتعيين شخص موالٍ له. وقد صرح ترمب بأنه سيعين فقط مسؤولين يدعمون خفض أسعار الفائدة.
أشار باول الأسبوع الماضي إلى أن البنك المركزي قد يخفض أسعار الفائدة قريباً حتى مع بقاء مخاطر التضخم معتدلة. وفي الوقت نفسه، سيتمكن ترمب من استبدال باول في مايو (أيار) 2026، عندما تنتهي فترة ولاية باول. ومع ذلك، فإن 12 عضواً في لجنة تحديد أسعار الفائدة بالبنك المركزي لديهم حق التصويت على رفع أو خفض أسعار الفائدة، لذا فإن استبدال الرئيس قد لا يضمن بالضرورة أن تتغير سياسة البنك المركزي بالطريقة التي يريدها ترمب.