تتسع دائرة الاشتباكات بالكونغو الديمقراطية في ظل مواجهات بين جماعة مسلحة تشكلت منذ أشهر والجيش الكونغولي، لتضاف إلى مواجهات «حركة 23 مارس».
هذه الاشتباكات يراها محلل مختص في الشؤون الأفريقية «عبئاً إضافياً يُهدّد مسار السلام المتعثر حالياً، ويزداد معها مشهد التوصل إلى اتفاق نهائي في الكونغو الديمقراطية قتامةً مع كل هجوم جديد، خصوصاً مع بروز جماعات مسلحة إضافية إلى جانب (حركة 23 مارس)»، مستبعداً إمكانية إجراء مفاوضات مع جميع الحركات المسلحة وسط تباين مصالحها.
اندلعت اشتباكات «عنيفة» بين جيش الكونغو وجماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» المسلحة، التي أسّسها «مجرم حرب» أدانته المحكمة الجنائية الدولية ويُدعى توماس لوبانغا. وأفاد جيش الكونغو بأن جماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» حاولت تنفيذ هجمات عدة، وبأن جنوده قتلوا 12 من مقاتلي الجماعة في موقعين مختلفين، على بعد نحو 30 كيلومتراً شمال بونيا؛ عاصمة إيتوري، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» الجمعة.
غير أن ديودونيه لوزا، وهو ناشط بالمجتمع المدني في بونيا، أفاد بأن 19 مدنياً لقوا حتفهم، منهم 13 امرأة مُسنّة و4 فتيات صغيرات، مؤكداً أن «ما يحدث في شمال بونيا وضع غير مقبول».
وفي عام 2012، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية حكماً بإدانة توماس لوبانغا بتهمة «تجنيد أطفال»، وحكمت عليه بالسجن لمدة 14 عاماً، وأُطلق سراحه عام 2020، وعيّنه الرئيس فيليكس تشيسكيدي ضمن فريق عمل لإحلال السلام في إيتوري. لكن في عام 2022، اختُطف رهينةً لمدة شهرين على يد جماعة متمردة، وحمّل الحكومة المسؤولية عن ذلك، ثم استقرّ في أوغندا.
سبق أن قال توماس لوبانغا، وهو أصلاً من منطقة إيتوري، لـ«رويترز» في مارس (آذار) الماضي، إنه في طور تشكيل حركة متمردة جديدة تحمل اسم «مؤتمر الثورة الشعبية» بهدف إسقاط الحكومة الإقليمية؛ الأمر الذي أثار حينها تهديداً محتملاً آخر للأمن في شرق الكونغو، حيث استولى متمردو «حركة 23 مارس» المدعومة من رواندا على مساحات كبيرة من الأراضي.
ويرى المحلل السياسي التشادي، المختص في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، أن الاشتباكات الجديدة التي يشهدها شرق الكونغو الديمقراطية «تكشف عن مشهد أمني متصدّع، حيث لم تعد (حركة 23 مارس) وحدها التحدي الأكبر أمام الدولة، بل برزت جماعات مسلحة ناشئة تفتح جبهات موازية تزيد من تعقيد الأزمة».
وهذا التطور «لا يضعف فقط قدرة الجيش الكونغولي على تثبيت الاستقرار، بل يفاقم الضغوط على المسار السياسي والدبلوماسي الرامي إلى تحقيق السلام»، وفق عيسى، مشيراً إلى أنه «في ظلّ هذا التوسع بدوائر العنف، يبدو أن مسار التفاوض قد يواجه عراقيل إضافية، وقد يضع مسار السلام أمام اختبار صعب، إذ تُصبح أي تسوية جزئية غير كافية أمام تعدّد الفاعلين المُسلّحين وتداخل مصالحهم».
تأتي هذه الهجمات بعد 4 أيام من اتّهام جيش الكونغو، في بيان، متمردي «حركة 23 مارس»، المدعومين من رواندا، بشنّ هجمات متعددة في شرق البلاد، وقال إنها تنتهك الاتفاقات الموقعة في واشنطن والدوحة، وحذّر بأنه يحتفظ بحق الرد على الاستفزازات.
قد يهمك أيضًا: البعثة الأممية تستطلع آراء ليبيين حول «كسر الجمود السياسي»
وجاء بيان الجيش بعد يوم واحد من اتهام «23 مارس» القواتِ الكونغوليةَ بحشد مزيد من القوات، وانتهاك بنود «إعلان المبادئ» الموقّع يوم 19 يوليو (تموز) الماضي في الدوحة، الذي دعم وقفاً دائماً لإطلاق النار.
وفي «إعلان المبادئ»، تعهّدت الكونغو و«حركة 23 مارس» ببدء المحادثات بحلول 8 أغسطس (آب) الحالي؛ بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي في موعد غايته 18 من الشهر ذاته.
عناصر من «حركة 23 مارس» بملعب «الوحدة» في غوما شرق الكونغو (رويترز)
وتُعدّ هجمات شهر أغسطس من قبل «حركة 23 مارس» امتداداً لأخرى سابقة وقعت خلال يوليو الماضي، وتأتي في ظلّ محادثات سلام تُجرى بين الدوحة وواشنطن.
وندّد مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في مؤتمر قبل نحو أسبوع، بهجماتٍ اتّهم «حركةَ 23 مارس»، المدعومةَ من رواندا، بشنِّها خلال يوليو الماضي، ووصفها بأنها «مروّعة»، لافتاً إلى أنها أوقعت 319 قتيلاً، على الأقل، في صفوف المدنيين بشرق الكونغو.
وفي ظلّ التّوسّع المُسلّح وتأثيراته، يأتي السؤال: هل بمقدور الكونغو دعوة كل الحركات المسلحة إلى طاولة المفاوضات؟ وفق المحلل السياسي التشادي؛ «تبدو من الناحية النظرية خطوة منطقية لإنهاء العنف، لكنها عمليّاً محفوفة بالصعوبات». وأوضح أن «المشهد الميداني معقّد، حيث تتعدد الجماعات المسلحة، وتتنوّع دوافعها بين مطالب سياسية، وإثنية، واقتصادية، وحتى مصالح إقليمية مرتبطة بدول الجوار»، مؤكداً أن «هذا التداخل يجعل من الصعب جمعها تحت سقف واحد، أو الوصول إلى اتفاق جامع يُلبّي تطلّعات الجميع».
إلى جانب ذلك، فإن بعض الجماعات المسلحة «ترى في السلاح وسيلة لتعزيز نفوذها على الأرض أكثرَ منه ورقة ضغط للتفاوض؛ مما يقلل من استعدادها للانخراط في حوار جاد»، وفق صالح إسحاق عيسى، مستدركاً: «لكن يبقى فتح قنوات حوار شاملة، ولو بشكل تدريجي، خياراً لا غنى عنه إذا ما أريدَ كسر حلقة العنف المتجددة، ويظل نجاح ذلك رهناً بوجود إرادة سياسية قوية، وضمانات إقليمية ودولية، وقدرة على تقديم مقاربة شاملة تتجاوز الحلول الأمنية الضيقة».
ويأتي التصعيد من قِبل المتمردين بعد اتفاق سلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا الداعمةِ «حركة 23 مارس»، جرى توقيعه في العاصمة واشنطن يوم 27 يونيو (حزيران) الماضي، وتعهدتا فيه بوقف دعم المتمردين في البلدين. واستكمالاً لهذا الاتفاق، رعت وزارة الخارجية القطرية، في 19 يوليو الماضي، «إعلان مبادئ» بين حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية و«تحالف نهر الكونغو – حركة 23 مارس».
ويعتقد عيسى أن «مشهد السلام في الكونغو الديمقراطية يزداد قتامة مع كل هجوم جديد، خصوصاً مع بروز جماعات مسلحة إضافية إلى جانب (حركة 23 مارس)»، مؤكداً أن كل توسع في دائرة العنف يعني تراجعاً في فرص بناء الثقة بين الأطراف، ويزيد من هشاشة أي مسار تفاوضي قائم أو محتمل. وأوضح أن «ملامح السلام، التي كانت هشة أصلاً، باتت أكبر ضبابية، بعد توسع الاشتباكات وظهور مسلحين جدد؛ مما يجعل الاستقرار هدفاً أبعد منالاً، ما لم تُبذل جهود استثنائية لاحتواء العنف ومعالجة أسبابه الجذرية».