مع انطلاق مشاركة ريال مدريد الإسباني في كأس العالم للأندية 2025، لم تكن الأنظار تتجه فقط نحو التتويج باللقب العالمي، بل نحو بداية حقبة جديدة تحت قيادة المدرب الإسباني تشابي ألونسو في أول ظهور رسمي له مع الفريق.
لكن المفاجأة الأكبر لم تكن تكتيكية بقدر ما كانت اختيارًا جريئًا، حين قرر ألونسو إشراك المهاجم الصاعد جونزالو جارسيا في التشكيلة الأساسية، على حساب النجم البرازيلي رودريجو، الذي جلس بديلًا في جميع المباريات.
القرار أثار كثيرًا من الجدل، ليس فقط داخل مدريد، بل حتى في مدرجات الملاعب الأمريكية، حيث تواجد جمهور الميرينجي لمساندة الفريق في البطولة. وهنا تدخل مراسل 365Scores ليطرح السؤال الأهم على لسان كل المتابعين: “من تفضل أن يستمر مع ريال مدريد؟ رودريجو أم جارسيا؟”
الإجابة جاءت صادمة: أغلب الجماهير طالبت برحيل رودريجو، والإبقاء على جارسيا. كانت تلك الإجابات مؤشرًا حقيقيًا على تحول في وجهات النظر المدريدية بشكل سريع تجاه رودريجو، ودفعة قوية للشاب الواعد الذي لم يكن كثيرون يتوقعون له هذا التأثير السريع.
فهل ما رأيناه هو مجرد بداية لشاب واعد ظهر في لحظات قليلة؟ أم أن رودريجو بالفعل فقد جزءًا من بريقه في ظل زخم المواهب الجديد داخل النادي؟
من جهة، يقف رودريجو، النجم البرازيلي الموهوب وصاحب الخبرة، الذي نقشت أهدافه الحاسمة اسمه في سجلات ليالي دوري أبطال أوروبا الخالدة، وهو لاعب يمتلك سجلًا حافلًا بالإنجازات والألقاب مع الفريق. ومن جهة أخرى، يظهر جونزالو جارسيا، خريج أكاديمية “لا فابريكا” الشاب، المهاجم الذي فاجأ الجميع بصعوده الصاروخي، ليخطف قلوب الجماهير وعقل المدرب الجديد بأدائه اللافت.
في هذا التقرير، نفتح باب المقارنة بين رودريجو، اللاعب البرازيلي الذي جاء إلى مدريد كأحد مشاريع المستقبل الكبرى، وجونزالو جارسيا، الفتى المدريدي الصاعد بسرعة وثقة، لنفهم لماذا بدأت الكفة تميل لصالح الشاب، حتى في عيون مشجعي الريال خارج حدود إسبانيا.
لم يظهر جونزالو جارسيا مع الفريق الأول من فراغ، بل إن صعوده للفريق الأول كان نتيجة طبيعية لموسم استثنائي قضاه مع فريق الشباب “ريال مدريد كاستيا”. هيمن جارسيا على دوري الدرجة الثالثة الإسباني وأظهر الدليل القاطع على امتلاكه جودة تهديفية من الطراز الرفيع، حيث حطم الأرقام بتسجيله 25 هدفًا في 36 مباراة، مما جعله هداف المسابقة وأثبت أنه يستحق فرصة على المسرح الأكبر مع الفريق الأول، هذه الخلفية ضرورية لفهم أن تألقه لم يكن وليد الصدفة.
عندما سنحت لجونزالو الفرصة مع الفريق الأول، انفجرت موهبته بشكل كبير جدًا، خاصة خلال بطولة كأس العالم للأندية 2025، فقد أثبت أنه لاعب للمناسبات الكبرى، حيث سجل في كل مباريات ريال مدريد في البطولة، باستثناء مواجهة باتشوكا التي صنع فيها هدفًا، وفي المقابل نجد أن رودريجو أصبح دوره هامشي في البطولة ذاتها، حيث شارك بديًلا في 3 مباريات من أصل خمسة خاضها ريال مدريد في البطولة، وغاب بشكل كامل عن مباراتين.
وبالنظر لإحصائيات جونزالو طوال الموسم، نجد أننا ربما نكون شاهدين الآن على ولادة ماكينة تهديف جديدة في صفوف الملكي، ولكن الأيام وحدها ستثبت صدق هذه التوقعات، لأن الموهبة تحتاج إلى ثقلها بالتدريب والاستمرارية والتطور حتى تصبح وحشًا لا يمكن إيقافه.
على الورق، تبدو أرقام رودريجو لموسم 2024-2025 جيدة للغاية بالنسبة لمهاجم في نادٍ بحجم ريال مدريد.
القصة الحقيقية تكمن في التفاصيل، وتحديدًا في تأثير تولي ألونسو القيادة الفنية للفريق، فمنذ تولي المدرب الإسباني زمام الأمور، شهد دور رودريجو تراجعًا كبيرًا، ظهر جليًا في مشاركته المحدودة في كأس العالم للأندية.
رودريجو بدأ مباراة واحدة فقط من أصل خمس مباريات تحت قيادة ألونسو، ولم يلعب سوى 92 دقيقة في المجمل صنع خلالها هدفًا فقط. هذا الرقم، أكثر من أي إحصائية أخرى، يروي قصة لاعب يتم تهميشه بشكل كبير مع المدرب الجديد.
إحصائيات الفريق الأول (جميع المسابقات، موسم 2024-2025)
الأرقام لا تكذب، إحصائيات جارسيا تحكي عن لاعب في مسار تصاعدي قوي، يغتنم كل فرصة تتاح له بكفاءة مذهلة. في المقابل، أرقام رودريجو، وخاصة دقائق لعبه تحت قيادة ألونسو، تروي قصة نجم يتم إبعاده عن دائرة الضوء.
كذلك توضح معدل الدقائق لكل هدف مع الفريق الأول، أن جارسيا يسجل بمعدل أكثر من ضعف معدل رودريجو، رغم صغر سنه وقلة خبرته ومشاركاته بالمقارنة مع النجم البرازيلي، وهو ما يفسر تمسك جمهور ريال مدريد به على حساب رودريجو.
اقرأ ايضا: لاعب الاتحاد يقترب من التعاقد مع الشباب
المقياس الأكثر أهمية في هذه المقارنة ليس عدد الأهداف الإجمالي، بل عدد الدقائق التي لعبها كل لاعب تحت قيادة المدير الفني الجديد، فهذا المقياس هو المؤشر الأكثر دقة لثقة المدرب وخططه المستقبلية. الأمر يمثل صراعًا بين نجم صاعد ونجم يتم تهميشه، والكفة تميل بوضوح نحو المهاجم الصاعد.
يعتمد تشابي ألونسو على مهاجمين اثنين فقط في خطته الأساسية مع ريال مدريد وهي 3-5-2. أحد المهاجمين قد يعود للخلف لربط اللعب مع خط الوسط، بينما يهاجم الآخر المساحات في العمق.
الدور الأول يناسب كيليان مبابي بسبب سرعته ومهارته وحدته على المرمى وقدراته التهديفية العالية، والدور الثاني يناسب كلا من فينيسيوس جونيور ورودريجو وجونزالو جارسيا.
يمكن القول إن ثلاثة لاعبين في مركز واحد قد تمثل أزمة بالنسبة لألونسو الذي يبدو أنه سيعتمد على لاعب واحد بشكل كامل وآخر يشارك كبديل، وبالنظر لعمر جونزالو الصغير، واستعداده لأن يجلس بديلًا في فترات طويلة من الموسم، فإن الأمر يبدو أسهل عند الاختيار بينه وبين رودريجو الذي أصبح نجمًا بالفعل وبالطبع لن يقبل بدور هامشي في خطة ريال مدريد في الموسم المقبل.
ألونسو حسم أمره واختار الهدوء في غرفة خلع الملابس والتركيز على فينيسيوس كلاعب أساسي في مركز المهاجم الثاني، وبديله جونزالو الذي سيكون سعيدًا بدور البديل في الموسم المقبل، لأنه سيقضي أول موسم كامل مع الفريق الأول.
الحضور في منطقة الجزاء والإنهاء المميز: سجل جارسيا التهديفي المذهل مع فريق الشباب ريال مدريد كاستيا وأهدافه الحاسمة مع الفريق الأول يثبتان أنه مهاجم هداف بالفطرة داخل الصندوق. هذه السمة غالية الثمن بالنسبة لمهاجم في نظام ألونسو التكتيكي ولأي مدرب بشكل عام.
التفوق الهوائي والاحتفاظ بالكرة: طول جارسيا البالغ 1.82 متر وقوته البدنية يسمحان له بأن يكون محطة لعب، حيث يستطيع الاحتفاظ بالكرة تحت الضغط وإشراك زميله المهاجم في اللعب. هدفه بالرأس ضد يوفنتوس هو خير مثال على هذه القدرة.
في المقابل يبلغ طول رودريجو 1.74 متر، وبالتالي فهو أقصر بقدر ليس قليل عن جونزالو، وفي مركز رأس الحربة يكون الطول عاملًا مهمًا في ترجيح كفة مهاجم عن الآخر.
غياب الأجنحة الهجومية: هذه هي المشكلة الأساسية. تكمن قوة رودريجو العظمى في استلام الكرة على الأطراف، ومراوغة الظهير المنافس، ثم المراوغة للداخل للتسديد أو صناعة اللعب. هذا المركز، الذي أبدع فيه لسنوات، لم يعد موجودًا في الشكل التكتيكي لألونسو.
وجود فينيسيوس ومبابي: حتى لو تغير النظام التكتيكي، فإن مركز رودريجو المفضل على الجناح الأيسر يشغله بالفعل اثنان من أفضل اللاعبين في العالم، مما يزيد من تعقيد مشاركته بشكل مستمر.
ما نشهده ليس حكمًا على موهبة رودريجو، فقد يكون رودريجو لاعبًا أكثر تألقًا فرديًا على المستوى العام. لكننا نشهد انتصار اللاعب المناسب على اللاعب الأكثر خبرة. ألونسو اضطر أن يختار اللاعب الذي يجعل النظام التكتيكي يعمل بشكل أفضل، حتى لو كان أقل خبرة على الورق.
يقف رودريجو أمام تحدٍ كبير. كونه نجمًا مهمًا وبطلًا ساهم في انتصارات سابقة مع ريال مدريد، فإن التكيف مع دور ثانوي أو غير مناسب هو أمر صعب نفسيًا ومهنيًا. مستقبل رودريجو الآن يعتمد على قدرته على التكيف أو قراره بالبحث عن بيئة أخرى تسمح لموهبته بالتألق، وبالطبع أغلب إن لم يكن كل من يقرأ هذه السطور سيتوقع قرار رودريجو الذي سيتخذه بشأن هذه المعضلة.
ما يحدث على أرض الملعب يرتبط ارتباطًا وثيقًا باستراتيجية النادي خارجها. الوضع الحالي هو فرصة ذهبية لنادي ريال مدريد، لأن رودريجو يمثل قيمة سوقية عالية جدًا، تبلغ تقديراتها نحو 90 مليون يورو، وقد أصبح الآن زائدًا عن الحاجة من الناحية التكتيكية، وبالتالي فإن بيعه سيوفر سيولة مالية ضخمة يمكن استخدامها لتعزيز مراكز أخرى في الفريق، مثل خط الدفاع.
في الوقت نفسه، يأتي جونزالو جارسيا كنتاج مجاني من أكاديمية النادي، ليسد الفجوة التي ستنشأ في مركز المهاجم البديل، مما يوفر على النادي دفع رسوم انتقال باهظة للتعاقد مع لاعب جديد. وبالتالي، فإن القرار ليس تكتيكيًا فحسب، بل هو أيضًا له جانب اقتصادي كبير ويبدو مفيدًا على المدى الطويل.
في النهاية، يتضح أن الجدل الدائر بين الجماهير حول تفضيل جارسيا على رودريجو ليس مجرد رد فعل عاطفي، بل هو استنتاج منطقي لواقع فرضه التحول التكتيكي الجذري الذي يقوده تشابي ألونسو وفرضته بعض العوامل الاقتصادية والفنية الأخرى.
بالنسبة لمستقبل رودريجو، يبدو أن الرحيل هو الحل الأكثر فائدة للطرفين. البقاء في مدريد سيتطلب منه تكيّفًا صعبًا مع دور قد لا يرضي طموحه، في حين أن الانتقال إلى نادٍ آخر يستخدم نظامًا يتماشى مع مهاراته كجناح مثل أرسنال الإنجليزي، سيعيد إحياء مسيرته، وسيسمح لريال مدريد بتحقيق مكسب مالي ضخم من الصفقة.
أما بالنسبة لمستقبل هجوم ريال مدريد، فقد انتهى عصر الثلاثي الهجومي، وحل محله ثنائي هجومي تحت قيادة ألونسو الذي يتطلب تحركات مختلفة. الشراكة بين كيليان مبابي ومهاجم ثانٍ، سواء كان فينيسيوس جونيور أو جونزالو جارسيا، ستحدد الهوية الهجومية الجديدة للنادي. وهي هوية يبدو أن جونزالو، سيكون جزءًا أساسيًا فيها.