أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا تعليق إجراء الانتخابات المحلية في 11 بلدية بشرق وغرب وجنوب البلاد، في حين دعت البعثة الأممية لدى البلاد السلطات المعنية إلى معالجة الأسباب، التي أدت إلى ذلك «فوراً».
وكان مقرراً إجراء الانتخابات المحلية بالمرحلة الثانية في عشرت البلديات خلال أغسطس (آب) المقبل، لكن المفوضية تحدثت عن عملية تعطيل لتوزيع بطاقات الناخبين في بعض المناطق أدت إلى تعليقها. بينما أرجع محللون أسباب التأجيل إلى حسابات الانقسام السياسي، التي أدت بالتبعية إلى «منع توزيع بطاقات الناخبين في البلديات العشر».
التزمت السلطات في شرق ليبيا وغربها الصمت حيال ما أوردته المفوضية من أسباب لتعليق الانتخابات، من بينها «صدور تعليمات من مديريات الأمن في شرق البلاد بالوقف الفوري لتوزيع البطاقات على الناخبين دون أن تخاطب المفوضية وتوضح الأسباب». أما في المنطقة الغربية، فقد اقتصر تأجيل الانتخابات على بلدية واحدة، مع «قيام فتحي عيسى، رئيس المجلس التسييري لبلدية (جنزور)، وهو أحد المترشحين لهذه الانتخابات، بقفل مراكز توزيع بطاقات الناخبين، بتواطؤ من مراقب التربية والتعليم بالبلدية»، بحسب بيان المفوضية.
رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح (المفوضية)
وسارعت بعثة الأمم المتحدة إلى المطالبة بمعالجة الأسباب الكامنة وراء تعليق الانتخابات البلدية في الدوائر الـ11 «على وجه السرعة»، و«تهيئة الظروف اللازمة لاستئناف العمليات الانتخابية»، ضمن لقاء جمع نائبة المبعوثة الأممية، ستيفاني خوري، برئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح (الاثنين).
واستحوذت البلديات في المنطقة الشرقية على الاهتمام الأكبر من مراقبين، مع الوضع في الحسبان عدد تلك الدوائر، وتسريبات مبكرة من مصادر مقربة من «مفوضية الانتخابات» بشأن إقفال مراكز توزيع البطاقات منذ 28 يونيو (حزيران) الماضي، وهو اليوم الأول لبدء عمليات توزيع البطاقات.
عزا المحلل السياسي محمد مطيريد جانباً من أسباب هذا التعطيل إلى «سبب إجرائي يرتبط بالتنافس بين الحكومتين في شرق ليبيا وغربها».
وقال مطيريد لـ«الشرق الأوسط» موضحاً: «تبقى المخاوف من التوظيف السياسي للبلديات في تعطيل تنفيذ مشاريع الإعمار، التي يقودها (صندوق إعمار ليبيا) برئاسة بالقاسم حفتر، خصوصاً في ثلاث مدن استراتيجية كبرى هي بنغازي وسرت وسبها».
ليبي في أحد المكاتب الانتخابية ينهي إجراءات تسلمه البطاقة الانتخابية للانتخابات البلدية (مفوضية الانتخابات)
ولم يستبعد مطيريد أيضاً أن «يكون التريث حتى الإعلان عن الحكومة الجديدة، التي ربما تخرج إلى النور قريباً».
وكان من المقرر أن تُجرى انتخابات المرحلة الثانية في 63 بلدية، منها 41 بلدية في المنطقة الغربية، و13 بالمنطقة الشرقية، إضافة إلى 9 بلديات في المنطقة الجنوبية، بحسب قرار صادر عن المفوضية.
ويري مراقبون أن «التحوط من فوز عناصر موالية لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي في الانتخابات، خصوصاً في سرت وسبها، قد يكون دافعاً لتعطيل الاستحقاق، خشية تكرار ما حققوه من فوز في المرحلة الأولى للاقتراع ببعض البلديات»، وهي وجهة نظر يتبناها مطيريد.
ويعتقد المحلل السياسي عثمان بركة، وهو أحد أنصار نظام القذافي، أن هناك «احتجاجات متزايدة لأنصار النظام السابق في كل المناطق على الوضع القائم في البلاد»، وقال متسائلاً: «هل سيناريو فوز مرشحين من أنصار القذافي سيتم وفق اللعبة الانتخابية؛ أم بقوة السلاح؟، وهل تلغي ليبيا بالمنطق نفسه الانتخابات التشريعية والرئاسية للسبب ذاته؟».
نوصي بقراءة: مصر: جدل حول قانون «الإيجار القديم» لا يتوقف رغم صدوره
من حملة الانتخابات المحلية السابقة (المفوضية)
وفي نوفمبر (تشرين الأول) الماضي، ذكر بيان منسوب لسيف الإسلام القذافي ولم يتم تكذيبه، أن أنصاره حققوا «انتصاراً ساحقاً» في الانتخابات، وقال محذراً: «نقول للذين يحاولون طمس هذه الحقيقة لن تفلحوا، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراَ».
وشمل قرار تعليق الانتخابات في شرق البلاد وجنوبها كلاً من طبرق، وقصر الجدي، وبنغازي، وتوكرة، وقمينس، والأبيار، وسلوق، وسرت، ووادي زمزم وسبها.
تقول المفوضية الوطنية للانتخابات «إن هذا التعثر الانتخابي يقصي أكثر من 150 ألف ناخب، وأكثر من ألف مرشح من ممارسة حقهم الانتخابي».
في هذا السياق، وصف «التحالف الليبي لأحزاب التوافق الوطني» تعطيل الانتخابات في 11 بلدية بأنه «انتكاسة خطيرة تهدد مسار التحول الديمقراطي، الذي ينشده الشعب». وقال في بيان (الثلاثاء) إن الانتخابات البلدية «ليست فقط وسيلة لإدارة شؤون البلديات، لكنها تمثل أيضاً أداة لترسيخ مبادئ الديمقراطية، وتعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار».
وفي رأي الناشط الحقوقي والمستشار القانوني، هشام الحاراتي، فإن «تعطيل الانتخابات البلدية هو انتهاك صريح للحق في المشاركة السياسية، وضرب لمبدأ التداول السلمي للسلطة».
غير أن فريقاً من المحللين يرفض النظر إلى تعطيل الانتخابات البلدية في بعض المدن الليبية على أنه «نهاية العالم»، مع الوضع في الحسبان الانقسام السياسي الذي تعيشه ليبيا منذ انهيار النظام السابق عام 2011.
في هذا السياق، يقول عبد العزيز غنية، الباحث الليبي في المركز الأفروآسيوي للدراسات الاستراتيجية بلندن، إن «الانتخابات البلدية ليست مهمة لهذه الدرجة التي يعتقدها البعض؛ بل ربما هي مؤشر على مقاومة بعض الأطراف السياسية إجراء الانتخابات، وتأييد البعض الآخر».
كان من المفترض أن تجرى انتخابات «المرحلة الثانية» في 63 بلدية (المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا)
وألقى غنية باللائمة على «التشظي السياسي، والانتشار الواسع السلاح، ومبدأ الغنيمة والمحاصصة بصفتها أسباباً تقف وراء التلكؤ في العمليات الانتخابية الليبية»، معيداً التذكير بأن «تأجيل الانتخابات هو خطوة سبق أن أقدمت عليها المفوضية في عام 2021، معلنة (القوة القاهرة) من دون أن تحدد الطرف المتسبب فيها».
وتعثرت العملية السياسية في ليبيا منذ انهيار الانتخابات الرئاسية، التي كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر (كانون الأول) 2021، وسط خلافات حول أهلية المرشحين الرئيسيين.
وينتقد غنية بعض جوانب تجربة الانتخابات البلدية، التي يرى أنها «تقوم على تحالفات قبلية واجتماعية، وأتت في بعض الأحيان بمجالس انتخابية للبلديات خارج إطار الكفاءة».
وحسب أحدث أرقام رسمية، يبلغ إجمالي أعداد من تسلّموا بطاقاتهم الانتخابية 368 ألفاً و176 مواطناً ليبياً ومواطنة.