في عقده الثامن، يقطع المذيع السعودي حسين النجار مشوار حياته متكئاً على عكاز الذكريات، وتجربة إعلامية عريضة خاضها، وتألق فيها لسنوات، أبقت له أثراً حياً في نفوس أجيال من السعوديين، إذ طالما رافقهم صوته وهو يتهادى عبر الأثير، وارتبطت صورته مع الكثير من الأحداث، ومحطات التاريخ التي أطلّ عبر الشاشة لإذاعتها بصوته القويّ، وقراءته المتأنية الفريدة.
ويعد حسين محمد يعقوب النجار، المولود عام 1944 في مدينته الأثيرة مكة المكرمة (غرب السعودية)، من رواد الإذاعة والتلفزيون في السعودية، وتلقى تعليمه الأولي في مكة المكرمة، وجمع بين استكمال الدراسة، وعمله معلماً في مدارس مكة، ولم يتوقف نهمه العلمي حتى نال درجة البكالوريوس في تخصص إدارة الأعمال من جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وعلى الماجستير والدكتوراه من جامعة ميسوري الأميركية.
مسيرة مهنية تعرف من خلالها السعوديون على نجم يشع ثقافة وينفرد بخامة صوتية مميزة (الشرق الأوسط)
وإلى جانب حياته التعليمية، تألق في مشواره المهني في الإذاعة والتلفزيون منذ ظهرت موهبته خلال حفل عام أقيم في مكة المكرمة عام 1964، فانتقل للعمل في الإذاعة، وبدأ مسيرة إعلامية ارتبطت بالكثير من اللحظات التاريخية التي شهدها السعوديون خلال العقود الماضية. يقول حسين النجار في حديث مع «الشرق الأوسط» إن مسيرته الإعلامية مسؤولية كبيرة، وإن هذه المسؤولية زادت اليوم على العاملين في هذا القطاع في ظل اختلاف الوقت الحاضر عما كان عليه في زمن الجيل الأول.
وأضاف: «مسؤولية الإعلام اليوم كبيرة، خاصة في ظل الإعلام المفتوح، ووسائل التواصل الاجتماعي التي تزيد من صعوبة التصدي للعمل الإعلامي بخلاف الحال الذي كان عليه في وقتنا». وأوضح النجار أن طريق الإعلام مليء بالأشواك والمتاعب، وأن الإعلامي يجلس في الظل، لكن ما يقدمه هو بمثابة الشمس التي تضيء بالحقيقة، والمعلومة.
وأكد النجار أن الجيل الجديد لا غنى عنه، وأن الإعلام جزء رئيس في كل عمل يخص السعودية، متمنياً لأجيال الإعلاميين الشباب التوفيق في مهمتهم، وأن على الإعلامي أن يسخر ما أوتي من قدرات ومواهب لخدمة بلاده. وقال النجار: «نحن في أمس الحاجة اليوم، في ظل رؤية السعودية 2030 وتطلعاتها الكبيرة، إلى الإعلام، وإلى كل الطاقات الشابة، لتساهم في نقل الصورة الدقيقة والمشرقة للسعودية، لا سيما أن الاتصال بالعالم جزء رئيس في هذه التطلعات».
يعبُر النجار اليوم عقده الثامن محفوفاً بكثير من ذكريات مسيرته الحافلة التي سجلها لسنوات (الشرق الأوسط)
قد يهمك أيضًا: «البحر الأحمر» في «عمّان السينمائي»… معاً لأفلام أفضل
منذ بدأ النجار أولى إطلالاته الإذاعية الخاصة من خلال برنامجه «حدائق منوعة» عام 1965، انطلقت مسيرة مهنية تعرف من خلالها السعوديون على نجم يشع ثقافة، وينفرد بخامة صوتية مميزة. والتقى النجار مع جمهور مستمعيه ومشاهديه عبر كثير من البرامج الثقافية والعلمية والاجتماعية، التي قدمها خلال سنوات عمله.
وطالما كان صوت النجار مرتبطاً بنقل الصلوات من الحرم المكي، وقبيل حلول موعد أذان مغرب كل يوم من رمضان، حيث كان يتلو مقاطع من الدعاء والابتهال بصوته المتهادي بين المشاهد التي يهفو لها ملايين المسلمين حول العالم. ومنذ عام 1400 للهجرة، أصبح صوت النجار مرافقاً للمسافرين على متن طائرات «الخطوط السعودية» من خلال تلاوة دعاء السفر بصوته المميز، بينما يردد المسافرون من خلفه.
لكن حادثة وقعت في الحرم كانت نقطة مفصلية في حياته، عندما اقتحمت جماعة مسلحة في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 1979، واستولى أكثر من 200 مسلح على الحرم المكي، مدعين ظهور المهدي المنتظر، إبان عهد الملك خالد بن عبد العزيز.
ورافق حسين النجار الجمهور المتطلع لأخبار الحدث، حيث كان المعلق الرئيس في التلفزيون السعودي على أحداث الحرم المكي. وبعد أسبوعين محوريين في تاريخ السعودية الحديث، تمكنت قوات الأمن السعودية من تطهير جميع أقبية المسجد من فلول المقتحمين، والقبض على قائدهم، وطُلب من النجار أن يعلق على مشاهد المقبوض عليهم، وعندما ظهر جهيمان، علق النجار بقوله: «هذا هو الطاغوت»، وحظيت كلماته المقتضبة بشهرة وانتشار واسعين. وبعد التنسيق بين التلفزيون والجهات الأمنية لنقل الأحداث مباشرة من الحرم، حيث كان المسلمون في دول العالم يتطلعون لانقشاع هذه الأزمة التي حبست الأنفاس لنحو 14 يوماً، ظهر النجار بجوار مقام إبراهيم وسط صحن الطواف، وأطلق رسالة طمأنة للمسلمين على سلامة الكعبة، وعودة الأمور إلى طبيعتها.
تألق في مشواره المهني في الإذاعة والتلفزيون منذ ظهرت موهبته خلال حفل أقيم في مكة عام ١٩٦٤ (الشرق الأوسط)
يعبُر النجار اليوم عقده الثامن، محفوفاً بكثير من ذكريات مسيرته الحافلة التي سجلها لسنوات في الإذاعة والتلفزيون، والتي أطل منها على جمهور عريض لا يزال يحتفظ بوقع صوته القوي. ومنذ تقاعده عن العمل الإداري عام 2001، استمر النجار في تقديم عصارة خبرته من خلال العمل محاضراً في عدد من المؤسسات التعليمية السعودية، قبل أن يوهنه المرض ويثقل حركته. وبين الفينة والأخرى يطلّ النجار في ظهور احتفالي بمسيرته وببصمته في التاريخ الإعلامي السعودي، ومن ذلك مشاركته في حفل «ليلة صوت الأرض» الذي أقيم لتكريم الفنان طلال مداح، حيث استعرض النجار مقتطفات من مسيرة الراحل الفنية. وفي مناسبة «اليوم العالمي للتلفزيون» ظهر النجار مجدداً، بعد 43 عاماً على ظهوره الأول بوصفه مذيع نشرة أخبار على قناة السعودية عام 2018 مع المذيع سبأ باهبري، وكانت إطلالته بمثابة نافذة من الذكريات لأجيال من السعوديين.
الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة يكرم النجار في إحدى المناسبات (الشرق الأوسط)