اعترضت قوات بحرية تابعة للاحتلال الإسرائيلي، سفينة “حنظلة” التابعة لـ”أسطول الحرية” في عرض البحر، وغيرت مسارها قسراً نحو شواطئ الاحتلال الإسرائيلي، في أحدث محاولة لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة وإيصال مساعدات إنسانية.
وتأتي هذه الحادثة، التي استهدفت السفينة التي تحمل على متنها 15 ناشطاً مؤيداً للفلسطينيين، بعد أكثر من شهر على اعتراض سفينة “مادلين” التي كانت تحمل نفس الهدف. لكن قصة هذه السفينة لا تكمن فقط في حمولتها، بل في اسمها الذي يستدعي إرثاً من المقاومة بالفن والكلمة.
يستوحي اسم السفينة من الشخصية الكاريكاتيرية الأشهر التي ابتكرها رسام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل، ناجي العلي، عام 1969. وشخصية “حنظلة” هي لطفل فلسطيني لاجئ في العاشرة من عمره، يُدير ظهره للعالم دائماً، ويعقد يديه خلفه، شاهداً على الظلم وصامداً في وجهه. وقد أصبحت هذه الشخصية أيقونة عالمية ترمز إلى الصمود الفلسطيني والحق المسلوب.
وُلد ناجي العلي في قرية الشجرة بالجليل عام 1936، وهُجّر مع عائلته في نكبة عام 1948 ليعيش في مخيم عين الحلوة بلبنان. في المخيم، نما وعيه السياسي، وبسبب نشاطه، سُجن عدة مرات، فكانت جدران الزنزانة هي أولى صفحاته التي عبر فيها عن قضيته بالرسم.
نوصي بقراءة: بدء تحرك شاحنات المساعدات من معبر رفح باتجاه معبر كرم أبو سالم تحت إشراف الهلال الأحمر المصري
اكتشفه الكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني، ونشر له أولى رسوماته عام 1961. تنقل العلي بين الكويت ولبنان، وكانت رسوماته معبرة بصدق عن نبض الشارع العربي. لم تقتصر انتقاداته اللاذعة على الاحتلال الإسرائيلي والسياسات الأمريكية فحسب، بل طالت الأنظمة العربية والقيادات الفلسطينية، حيث كان يعتبر أن مهمته هي “أن يتحدث بصوت الناس البسطاء”.
وقد قال عنه الاتحاد العالمي لناشري الصحف إنه “واحد من أعظم رسامي الكاريكاتير منذ نهاية القرن الثامن عشر”.
في 22 يوليو/تموز 1987، وفي أوج عطائه الفني، أُطلقت النار على ناجي العلي خارج مكاتب صحيفة “القبس” الدولية في لندن، ليفارق الحياة بعد خمسة أسابيع، في قضية اغتيال لم تُكشف ملابساتها بالكامل حتى اليوم.
ورغم رحيله، بقي إرث ناجي العلي خالداً. فقد جسد الفنان المصري الراحل نور الشريف قصة حياته في فيلم سينمائي، ورثاه كبار الشعراء العرب مثل أحمد مطر ومظفر النواب وعبد الرحمن الأبنودي.
واليوم، مع اعتراض سفينة “حنظلة” في عرض البحر، يظل الطفل الذي رسمه ناجي العلي شاهداً ورمزاً، مؤكداً أن الفكرة لا تموت، وأن السعي من أجل العدالة والحرية يستمر، سواء كان ذلك بقلم رسام، أو على متن سفينة تحاول كسر الحصار.