- اعلان -
الرئيسية الرياضة رحيل إينيجو مارتينيز عن برشلونة.. مَن يدفع ثمنَ مصيدة التسلل؟

رحيل إينيجو مارتينيز عن برشلونة.. مَن يدفع ثمنَ مصيدة التسلل؟

0

لمكان: مطار برشلونة، يجلس إينيجو مارتينيز وحيدًا في صالة كبار الزوار، يتنفس هواء المدينة الممتدة لآخر مرة، الهواء كان ثقيلاً برائحة الوداع، وضوء المساء يتسللُ عبر النوافذ منكسرًا، لف الليل على رأسه، وأصبح يُقلب كفيه على ما أنفق فيها، والمدينة بكل سحرها، أصبحت بالنسبة له، خاويةٌ على عروشها، وللأسف الشديد، لم تُقرع أجراس “كامب نو” لوداعه، رغم أنه كان حصنًا ودرعًا منيعًا له. 

في مقابلةٍ له مع صحيفة “سبورت“، اختصر مشاعر عامين بكلماتٍ مرتجفة: “لقد كانت أيامًا حافلةً وجميلة، أشكر الجماهير على كل شيء”، لقد قدم اللاعب تضحيات جسدية ونفسية، لكن النظام لم يرد له الجميل إلا بفتح الباب للرحيل عندما أصبح راتبه البالغ 14 مليون يورو عبئًا على سجلات النادي. 

وفي النهاية، رحل مارتينيز كما جاء: بصمت، لم ترفع له اللافتات، ولم تنشد له الأغاني، والجماهير في الحالتين، صامتة، لأن النظام أقنعها أن “المنطق الاقتصادي” هو مجرى الدم النقي الوحيد. ولكن، ما أثر رحيل مارتينيز على النادي؟

“التخلصُ من راتبهِ يُعطي النادي دفعةً قويةً”. 

 ماريا خوسيه هوستالريتش، صحفية.

لقد طبق هانز فليك استراتيجية دفاعية جذرية في برشلونة، إذ يعتمد نظامه 4-3-3، أو أحيانًا 4-2-3-1، على الضغط العالي، والتحولات السريعة، والالتزام بخط دفاع متقدم للغاية. يهدف هذا النهج إلى ضغط الملعب، وإجبار الخصوم على التراجع إلى نصف ملعبهم، وحرمانهم من المساحات، خاصة من خلال الضغط المضاد العدواني، كما تُوصف فلسفة فليك صراحة بأنها الالتزام بمصيدة التسلل الجنونية. 

وهذا ليس مجرد نتيجة عرضية، بل هو سلاح دفاعي متعمد واستباقي. الهدف هو جعل المهاجمين يكافحون لضبط تحركاتهم، مما يؤدي إلى وابل من القرارات العشوائية، حيث يتطلب هذا النظام تفانيًا والتزامًا مطلقين من المدافعين، وعندما ينفذ بدقة، كما حدث في كلاسيكو أكتوبر حيث وقع كيليان مبابي من ريال مدريد في مصيدة التسلل ثماني مرات في 30 دقيقة، يمكن أن يكون فعالًا للفريق بشكل مدمر.

حيث تسببت في ايقاع الخصوم في 201 حالة تسلل عبر 36 مباراة رسمية الموسم الماضي متصدرة الدوريات الخمس الكبرى في أوروبا بفارق كبير. للمقارنة، تمكن توتنهام، ثاني أفضل فريق في هذا الجانب، من الإيقاع بـ 101 حالة تسلل فقط في 39 مباراة. وقد ترجم هذا إلى متوسط 4.73 حالة تسلل لكل 90 دقيقة، ومن اللافت للنظر أيضًا أن الخصوم لم يتمكنوا من تجنب الوقوع في مصيدة التسلل تلك إلا في مباراة واحدة فقط. 

وتوضح الأرقام التالية تفوق برشلونة في إيقاع الخصوم في مصيدة التسلل مقارنة بفرق أوروبية أخرى في موسم 2024-25:

هذا التفوق يكشف عن جانبين مهمين. الأول هو أن ما يُنظر إليه على أنه “جنون” هو في الواقع مخاطرة محسوبة بدقة، فالمصادر تؤكد أن العدد الكبير لحالات التسلل التي يوقع فيها الخصم ليس علامة على الفوضى، بل هو نتيجة متعمدة ومتكررة لنظام مصمم لتحييد التهديدات قبل ظهورها. هذا النظام يتحكم فيه فليك بالأساس من خلال الضغط، وقد أثبت فعاليته بشكل ملحوظ على مدار الموسم، وهذا يعني أن فليك لديه فهم عميق لكيفية إدارة هذه المخاطر من خلال التنفيذ الدقيق والتنسيق.

الجانب الثاني هو التحول في الهوية التكتيكية للنادي وتأقلم اللاعبين معه، إذ يوصف نظام فليك بأنه “أكثر تجريبية”، حيث يركز على والعمودية، والكثافة العالية والمستمرة، والطريق المباشر إلى المرمى، هذا التغيير التكتيكي الجذري يتطلب من اللاعبين التكيف بشكل كبير، خاصة المدافعين. إنه يتطلب ليس فقط كثافة بدنية ولكن أيضًا انضباطًا ذهنيًا استثنائيًا، وتواصلًا، وتوقيتًا لتنفيذ الخط الدفاعي المتقدم والضغط بفعالية. 

ويشير نجاح مصيدة التسلل إلى أن اللاعبين، وخاصة الخط الدفاعي، قد استوعبوا ونفذوا هذا النظام المعقد بنجاح، مما يدل على مستوى عالٍ من القابلية للتدريب والفهم الجماعي، هذا يمهد الطريق لفهم سبب كون لاعب مثل إنييجو مارتينيز، بخبرته ومهاراته في التواصل، كان أهم لاعب في هذا النمط، نعم؛ أهم لاعب. 

لم يكن إنييجو مارتينيز، قلب الدفاع الأيسر ، مجرد مشارك في دفاع برشلونة؛ بل كان المايسترو الرئيسي لمصيدة التسلل القوية التي طبقها الفريق، كانت خبرته وقيادته حيويتين، خاصة في التنسيق مع المدافعين الشباب مثل باو كوبارسي، قدرته على سحب الأذرع والأرجل إلى التسلل وكأنه يبرمج المدافعين ويجعل المهاجمين يعتقدون أنهم في موقف سليم قبل أن يرتفع العلم كبطاقة فخ في لعبة يوجي يو. 

والصور الحية تؤكد ذكاءه، وتموضعه الدقيق، ومهاراته القوية في التواصل، وهي أمور حاسمة لخط دفاع متقدم يعتمد على الحركة الجماعية، كما كان أيضًا النقطة المرجعية الأولى في الخط الخلفي، خاصة للاعبين الشباب في الفريق، كما أن قدرته على الربط مع محاور الارتكاز المزدوجين وتمرير الكرات البينية من العمق جعلته مهمًا في بناء اللعب والخروج من الضغط، مما ساهم في أسلوب تمرير أسلوب الفريق، حيث كان من بين أفضل قلوب الدفاع في برشلونة من حيث عدد التمريرات (1,508 تمريرة).

وعلى الرغم من مواجهته لبعض الإصابات في موسمه الأول (2023-24) حيث شارك في 25 مباراة فقط، إلا أنه أصبح لاعبًا أساسيًا منتظمًا في الموسم الذي يليه مباشرة 2024-25، حيث لعب 46 مباراة وجمع حوالي 3616 دقيقة، يتوافق هذا الوقت الكبير في اللعب مباشرة مع فترة برشلونة التي شهدت أعلى معدلات إيقاع الخصوم في التسلل تحت قيادة فليك، مما يشير إلى دوره الأساسي في نجاح النظام.

هذه الأرقام، إلى جانب الوصف النوعي السابق، تشير إلى أن قيمة مارتينيز لم تكمن فقط في حضوره البدني أو إحصائياته الدفاعية الفردية، بل بشكل عميق في مساهماته المعرفية والتواصلية للوحدة الدفاعية، ولذلك فرحيله يخلق فراغًا ليس فقط على مستوى اللاعب، بل على مستوى العقل المدبر الذي ينسق مصيدة التسلل المعقدة وعالية المخاطر، وهو أمر يصعب استبداله بالموهبة الخام وحدها، ويمثل هذا تحديًا كبيرًا لفليك، خاصة في نظام يتطلب تواصلًا مثاليًا وحركة متزامنة لتجنب الأخطاء. 

اقرأ ايضا: النصر يصطدم بشرط الرياض الصعب لشراء عبدالإله الخيبري

بالإضافة إلى ذلك، فكون مارتينيز مدافعًا أعسر يوفر توازنًا حاسمًا لخط الدفاع، مما يسمح بزوايا تمرير طبيعية، وفقدان لاعب أعسر بهذه القدرة على التمرير يؤثر ليس فقط على تنفيذ مصيدة التسلل ولكن أيضًا على قدرة برشلونة على بناء اللعب من الخلف والحفاظ على أسلوب التمرير المتبع لدى الفريق. 

كما ذكرنا سابقًا، كانت مصيدة التسلل لبرشلونة سمة مهيمنة على الموسم الماضي، وتزامن هذا مع كون إنييجو مارتينيز لاعبًا أساسيًا وبينما لا تتوفر إحصائيات مباشرة لحالات التسلل لكل مباراة بوجود وغياب إنييجو، فإن مشاركته الواسعة في موسم 2024-25 تشير بقوة إلى أن حضوره كان جزءًا لا يتجزأ من تحقيق هذه الأرقام القياسية.

خاصة عندما تقارن أداء الفريق الدفاعي الموسم الماضي بموسم 2023-24 تحت قيادة تشافي، والذي غاب فيه عن 15 مباراة بسبب إصابة في القدم، وإصابة في أوتار الركبة، وإصابة عضلية، وقد منعه ذلك من المشاركة بشكل مستمر، من المهم أيضًا ملاحظة أن معدل إيقاع برشلونة في التسلل كان أقل في 2023-24 (3.08 لكل 90 دقيقة) مقارنة بموسم فليك 2024-25 (4.73 لكل 90 دقيقة) حيث لعب مارتينيز دورًا أكبر وأكثر اتساقًا.

كما تحسن الأداء الدفاعي العام للفريق أيضًا، حيث انخفض متوسط الأهداف التي استقبلها برشلونة في الدوري الإسباني من 1.16 في 2023-24 إلى 1.03 هدفًا لكل 90 دقيقة في 2024-25 (استقبلوا 39 هدفًا في 38 مباراة)، حيث يشير هذا إلى تحسن الصلابة الدفاعية الشاملة تحت قيادة فليك، بالتزامن مع زيادة وقت لعب مارتينيز، ويوضح الجدول التالي إحصائيات برشلونة في إيقاع الخصوم في التسلل ودور الرجل:

هذا الربط بين حالات التسلل المرتفعة ووقت لعب مارتينيز في 2024-25 يشير إلى أن حضوره المستمر واللياقته البدنية كانا حاسمين مثل مهاراته الفردية، فـالتواصل المثالي بين الزملاء والحركة المتزامنة” المطلوبين لمصيدة التسلل يستفيدان بشكل كبير من خط دفاع مستقر ومتسق، وقد سمح توفره للوحدة ببناء الكيمياء، وفهم تحركات بعضهم البعض، وإتقان التوقيت، مما أدى إلى النجاح المرصود إحصائيًا. 

ويُظهر هذا النظام أيضًا مفاضلة محسوبة. فبينما تعمل مصيدة التسلل بفعالية على تقليل الحجم الهائل لهجمات وتسديدات الخصم عن طريق الإيقاع بهم في مصيدة التسلل، فإنها في الوقت نفسه تزيد من جودة xG لكل تسديدة. 

ولذلك كان دور مارتينيز كمنسق في تقليل تكرار هذه الفرص عالية الجودة من خلال ضمان دقة المصيدة، وبالتالي يمكن أن يؤدي رحيله إلى تعريض برشلونة بشكل أكبر لهذه المواقف الخطيرة واحد ضد واحد إذا لم يتمكن البدلاء من الحفاظ على نفس مستوى الدقة والتواصل واتخاذ القرار تحت الضغط.

تضم خيارات قلوب الدفاع الحالية في برشلونة بعض المواهب الشابة مثل: 

ولكن، فالفراغ الذي تركه مارتينيز لا يتعلق فقط بوجود لاعب بديل فقط، بل بالمزيج الفريد من الخبرة والقيادة والقدم اليسرى والذكاء التكتيكي في تنسيق مصيدة التسلل، يُقال إن برشلونة تحت ضغط للبحث عن قلب دفاع أعسر بديل بنفس المواصفات قبل نهاية الميركاتو، مما يؤكد هذه الحاجة المحددة، ولكن، لو أنه لاعب لا يمكن استبداله، لماذا تركه النادي يرحل بهذه الطريقة البسيطة والسلسة؟ 

جاءت أنباء رحيل مارتينيز صادمة لجماهير برشلونة، خاصة وأنه كان قد وقع مؤخرًا عقدًا جديدًا كان من المقرر أن ينتهي في الصيف المقبل، ولكن، يكمن مفتاح هذا الرحيل المفاجئ في بند محدد ضمن عقده مع برشلونة: فقد سمح له بالرحيل في صفقة انتقال حر إذا وصل عرض كبير من كرة القدم السعودية. 

وعندما قدم النصر، وهو النادي الذي يلعب فيه كريستيانو رونالدو، مثل هذا العرض، لم يتردد مارتينيز في قبوله على الفور، إذ وقع عقدًا لمدة عامين حتى يونيو 2026، مع خيار التمديد لعام 2027، هذا البند وقبوله السريع يسلطان الضوء على خطة الطوارئ المعدة مسبقًا لكل من اللاعب والنادي، مما يجعل المفاجأة تتعلق بتوقيت وصول العرض أكثر من كونها تغييرًا حقيقيًا في رأي مارتينيز بشأن مستقبله.

بالنسبة لبرشلونة، كان رحيل مارتينيز خطوة استراتيجية لتخفيف مشاكل اللعب المالي النظيف المستمرة، إذ سيوفر النادي مبلغًا كبيرًا في الأجور، يقدر بين 11 و14 مليون يورو، هذا التخفيف المالي سيساعد في تسجيل بعض الوافدين الجدد، ومع ذلك، وحتى مع هذه الوفورات، لم تُحل مشاكل تسجيل اللاعبين في برشلونة بالكامل، حيث لا يمكنهم استخدام سوى 60% من الأموال التي يوفرونها بسبب تجاوزهم الحد الأقصى للرواتب. 

من منظور مارتينيز الشخصي، الانتقال سيكون بمثابة ترقية مالية كبيرة، فمن المقرر أن يكسب حوالي 10 ملايين يورو صافية سنويًا في النصر، وهي زيادة كبيرة عن 7 ملايين يورو التي كان يكسبها في برشلونة، ولذلك فمن الواضح أن هذا الحافز المالي الشخصي كان عاملاً رئيسيًا في قراره، حيث قدم له فرصة مربحة في المراحل الأخيرة من مسيرته.

وبينما يوفر رحيل مارتينيز تخفيفًا ماليًا، فإن برشلونة ليس متأكدًا بعد من ضم مدافع جديد وليس لديه خطط لاستبدال مارتينيز ما لم تظهر فرصة في السوق، وهذا يحدث على الرغم من المخاوف المعترف بها بشأن عمق الدفاع والحاجة المحددة لقلب دفاع أعسر، هنا، تملي الضرورة المالية على النادي استراتيجيته الرياضية. 

حيث يقبل النادي بوعي مخاطرة رياضية مثل تقليل العمق، وفقدان منسق تكتيكي رئيسي، مع احتمالية ضعف التوازن في الخط الدفاعي، لمعالجة مشاكله المالية، ولكن هذا أيضًا، بقدر ما هو مفيد للاقتصاد، إلا أنه قد هذا ضغطًا هائلاً على المدافعين المتبقين، خاصة الشاب كوبارسي، وقد يؤدي في النهاية إلى زعزعة استقرار نظام فليك الدفاعي إذا حدثت إصابات أو تراجعت مستويات بعض اللاعبين. 

رحيل مارتينيز ليس خسارةً لقلب دفاعٍ فحسب، بل ربما تكون سقطة في النظام الدفاعي ككل، فـالمايسترو الذي أدار مصيدة التسلل ببراعةٍ قلّ نظيرها، ترك فراغًا لا تُعوّضه المواهب الشابة وحدها. ونظام هانسي فليك القائم على الضغط الجنوني، والذي حوّل برشلونة إلى آلةٍ لإيقاع الخصوم، كان يعتمد بشكلٍ جوهري على ذكاء مارتينيز في التموضع والتنسيق والقيادة. اليوم، يواجه النادي سؤالًا وجوديًّا: كيف سيحافظ على صلابة دفاعه دون وجود العقل المدبّر؟

في النهاية، تحمل قصة مارتينيز رسالةً قاسيةً: لا مكان للأيقونات في عصر التسليع، فالقائد الذي ضحى بجسده، ووافق على تأجيل رتتبه لإنقاذ النادي، غادر بصمت حين قدّمت السعودية 10 ملايين يورو صافية سنويًّا، برشلونة لم يخسر لاعبًا، بل خسر ضمير نظامه الدفاعي، لذا فالسؤال الأعمق الآن: متى تدرك كرةُ القدم أن بيع أدمغة الملعب يعني بيع روح اللعبة نفسها؟

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version