رحل الدكتور علي المصيلحي، وزير التموين المصري السابق، الذي توفي صباح الثلاثاء، ليسدل الستار عن أحد أبرز الشخصيات، التي حازت ثقة الرئيسين المصريين؛ الراحل حسني مبارك، والحالي عبد الفتاح السيسي، بعدما تنقل بين مجالات التكنولوجيا والاقتصاد والسياسة، خلال حكومات مختلفة في عهديهما.
فعن عمر يناهز 76 عاماً، رحل المصيلحي بعد صراع مع مرض السرطان، لينعاه رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، مشيداً بما قدّمه الفقيد من عطاء وجهود مخلصة طوال مسيرته المهنية، مؤكداً أنه «كان نموذجاً لرجل الدولة المخلص، حيث ترك بصمة واضحة في تطوير منظومة التموين وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، وأن سيرته ستظل محفورة في ذاكرة الوطن، لما تميز به من كفاءة ونزاهة وتفانٍ في أداء واجبه».
وخلال سنوات عمله، حظي الوزير الراحل بثقة رئاسية استثنائية، إذ اختاره الرئيس الأسبق حسني مبارك كأول وزير لـ«التضامن الاجتماعي» عام 2005، التي دمجت فيها لأول وزارة التموين مع وزارة الشؤون الاجتماعية في حقيبة واحدة، وجاءت هذه الثقة مع ما أبداه المصيلحي من نجاح خلال توليه رئاسة الهيئة القومية للبريد المصري، حيث قاد عملية تحديث لمكاتب البريد وقتها، وصفت بغير المسبوقة. استمرت تلك الثقة لمدة 6 سنوات، ولم تنتهِ إلا بسقوط نظام مبارك، ومع تغيير الحكومة بعد قيام ثورة 25 يناير (كانون الثاني).
كما نال الراحل ثقة الرئيس السيسي، الذي وجّه له الشكر عام 2020 على مجهوداته بالوزارة، في ظل أزمة جائحة «كورونا»، وقال الرئيس وقتها مخاطباً الوزير خلال افتتاح عدد من المشروعات: «أتوجه بالشكر لك وللوزارة، خلال هذه الفترة، لم يحدث أي نقص في أي سلعة أساسية رغم التحديات». وواصل الرئيس إشادته: «حصلت أزمة واحدة في أسطوانات البوتجاز، لم يكن المصيلحي موجوداً فيها، وحجم المخزون الاستراتيجي الآن 6 أشهر، فهو حجم ضخم جداً… أشكرك يا دكتور علي».
ولد المصيلحي عام 1949 في محافظة الشرقية، وتخرج من الكلية الفنية العسكرية عام 1971، لتبدأ مسيرته المهنية في القطاع التكنولوجي، بينما بدأت مسيرته في الوظائف الحكومية بتعيينه كبير مستشاري وزير الاتصالات عام 1999.
وفي عام 2002، تولى رئاسة الهيئة القومية للبريد، ثم وزيراً للتضامن الاجتماعي عام 2005 حتى فبراير (شباط) 2011.
عاد المصيلحي إلى الحياة السياسية من بوابة مجلس النواب (البرلمان) بعد فوزه في انتخابات 2015، عن دائرة أبو كبير بمحافظة الشرقية، ليشغل فيه رئاسة اللجنة الاقتصادية، قبل أن يستقيل من عضوية البرلمان لترشحه لحقيبة التموين والتجارة الداخلية في التعديل الوزاري الثاني في حكومة رئيس الوزراء المصري الأسبق، شريف إسماعيل، عام 2017.
وقال حينها تعليقاً على عودته وزيراً بعد 6 سنوات: «ما حدث خلال هذه الفترة التي غبت فيها عن الوزارة ليس بهين، فقد تغيرت أمور كثيرة، لذلك وجب مراجعة ما جرى خلال هذه الفترة تفصيلياً لتحديد الأولويات».
قد يهمك أيضًا: عائلات الأسرى الإسرائيليين: سنعلن العصيان إذا لم تعقد صفقة تعيد الرهائن
ظل الراحل في منصبه مع حكومة مصطفى مدبولي، حتى خرج في التغيير الوزاري الأخير في يوليو (تموز) 2024.
وخلال 7 سنوات، قاد المصيلحي تحولات كبيرة في منظومة التموين، أبرزها التحول من البطاقات الورقية إلى المميكنة، والسعي نحو التحول من الدعم العيني إلى النقدي. كما أطلق منظومة جديدة للخبز، تسمح بحصول كل مواطن مقيد ببطاقة التموين على حصة من الخبز يومياً 5 أرغفة بسعر 5 قروش للرغيف.
أيضاً بجانب زيادة الدعم المخصص للفرد على بطاقة التموين شهرياً، وكذلك صرف سلع مجانية للمواطنين على البطاقات «فارق نقاط الخبز» وهي السلع التي تصرف مقابل الترشيد للخبز.
في المقابل، واجه المصيلحي تحديات كبيرة في سنواته الوزارية، كما كان بطلاً لتصريحات أثارت جدلاً ونقاشاً شعبيّاً، كان أبرزها حديثه عن عادات استهلاك الخبز في مصر، واصفاً تناول 5 أرغفة يومياً بأنه «غير صحي»، مضيفاً أن بعض المحافظات تستخدم الخبز كـ«علف للبط والأوز».
كما واجه في سنواته الأخيرة، أزمات مسّت سلعاً أساسية، أبرزها أزمة ارتفاع أسعار السكر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، التي اعتذر عنها للمواطنين.
وفي يناير 2024، وتحت قبة البرلمان، واجه «وزير التموين» مطالبات نادت بتقديم «استقالة فورية» من منصبه لـ«عدم قدرته على ضبط الأسعار للسلع الأساسية، بالإضافة إلى ضبط قضايا فساد بالوزارة في الفترة الأخيرة، أبرزها لمستشار الوزير».
كما امتدت له سهام النقد عقب قرار الحكومة رفع سعر الخبز المدعم بنسبة 300 في المائة في يونيو (حزيران) 2024، بعد ثبات سعره لمدة 30 عاماً، وهو القرار الذي أثار جدلاً واسعاً، ووقتها نفى المصيلحي أن يكون القرار اتخذ استجابة لطلب من صندوق النقد الدولي.
عقب خروجه من الوزارة، وفي مارس (آذار) الماضي، أعلن المصيلحي عن إصابته بمرض السرطان. بينما كان الظهور الرسمي الأخير للراحل في مايو (أيار) الماضي، أثناء تكريمه من جانب رئيس الوزراء، خلال احتفالية مرور 10 سنوات على مبادرة «تكافل وكرامة»، تقديراً لكونه أول وزير أطلقت المبادرة في عهده.