تفاقمت الأزمة الإنسانية في قطاع غزة مع تصاعد تحذيرات أممية وطبية من انهيار القطاع الصحي نتيجة النقص الحاد في الوقود، وسط مشاهد مأساوية تظهر عدداً من الأطفال الرضّع يتقاسمون حاضنة واحدة في المستشفيات، في مؤشر على الوضع الكارثي الذي يعيشه السكان. وفقاً لشبكة «سي إن إن».
وأكد أطباء في غزة أنهم اضطروا إلى وضع أكثر من رضيع في حاضنة واحدة، نتيجة توقف عدد من الأجهزة الطبية بسبب انقطاع الكهرباء، وشح الوقود، فيما أعلنت المستشفيات عن تقليص أو تعليق خدمات حيوية، في وقت وصفت فيه الأمم المتحدة الوضع بـ«الحرج للغاية».
وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA): «إن المستشفيات بدأت بالفعل تقنين استخدام الوقود، وتوقفت بعض سيارات الإسعاف عن العمل، وأنظمة المياه على وشك الانهيار».
وأشار المكتب إلى أن استمرار القيود على دخول الوقود سيؤدي إلى «زيادة حادة في أعداد الوفيات»، ما لم يُسمح بإدخال كميات كافية بشكل عاجل، ومنتظم.
وتُظهر صور تداولها ناشطون ومديرو مستشفيات على وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد مروعة من داخل مرافق صحية، من بينها صورة نشرها مدير «مستشفى الأهلي» في جنوب غزة، تظهر عدة رُضّع في حاضنة واحدة داخل «مستشفى الحلو»، وسط عجز تام عن توفير الرعاية الأساسية للأطفال الخدّج.
وكتب الدكتور فاضل نعيم، مدير «مستشفى الأهلي»، على منصة «إكس»: «هذا الاكتظاظ المأساوي ليس مجرد غياب للمعدات، بل نتيجة مباشرة للحرب والحصار اللذين دمّرا النظام الصحي». وأضاف: «الحصار حوّل رعاية المواليد إلى معركة من أجل البقاء… لا يجب أن يولد أي طفل في عالم تقرر فيه القنابل والحصارات إن كان سيعيش أو يموت».
في السياق ذاته، حذّر مدير «مستشفى الشفاء» في شمال القطاع، الدكتور محمد أبو سلمية، من انهيار شامل في غضون ساعات، قائلاً: «إذا لم يتم توفير الوقود خلال الساعات القليلة المقبلة، فسيخرج المستشفى عن الخدمة خلال ثلاث ساعات، ما سيؤدي إلى وفاة عشرات المرضى، بينهم 22 رضيعاً في الحاضنات».
وأشار أبو سلمية في حديث لـ«سي إن إن» إلى أن المستشفى اضطر إلى إغلاق قسم غسل الكلى من أجل التركيز على غرف العمليات والعناية المركزة، في وقت بات فيه العمل يتم تحت إضاءة الكشافات اليدوية.
أما في مجمع ناصر الطبي، فقد أعلنت الإدارة أن ما تبقى من الوقود لا يكفي سوى ليوم واحد، ويُخصص فقط للأقسام الحرجة، وعلى رأسها الولادة، والعناية المركزة.
نوصي بقراءة: إعلام عبرى: تصريح ترامب بإنهاء حرب غزة خلال أسبوع فاجأ إسرائيل
انهيار وشيك في الخدمات الأساسية
لم تقتصر التداعيات على نقص الوقود، بل امتدت إلى صعوبات في تأمين قطع الغيار اللازمة لتشغيل المولدات الكهربائية التي تعتمد عليها المستشفيات بشكل كامل، مع انقطاع الكهرباء المتواصل.
وأعلنت إدارة «مستشفى شهداء الأقصى» في المحافظة الوسطى أن المولد الرئيس تعطل بسبب عدم توفر قطع غيار، ما اضطرهم إلى استخدام مولد احتياطي صغير لا يكفي لتشغيل جميع الأقسام. وأضاف البيان: «الوقود سينفد خلال ساعات، وإغلاق المستشفى سيؤثر على نصف مليون نسمة».
وتؤكد المؤسسات الطبية والإغاثية أن الوقود لا يُستخدم فقط لتشغيل المستشفيات، بل هو أساسي أيضاً للطهي، وتشغيل محطات تحلية المياه، ومعالجة الصرف الصحي، فضلاً عن المركبات التي تُستخدم في الإسعاف والإنقاذ.
وتفرض إسرائيل قيوداً مشددة على دخول الوقود إلى غزة منذ بدء العمليات العسكرية، بدعوى إمكانية استخدامه من قبل «حماس» في تصنيع الأسلحة، وهو ما تنفيه منظمات الإغاثة التي تطالب بالسماح الفوري وغير المشروط بإدخال الإمدادات الإنسانية.
تحذيرات دولية ودعوات لوقف إطلاق النار
من جهتها، أصدرت منظمة «أطباء بلا حدود» بياناً حذّرت فيه من «كارثة إنسانية غير مسبوقة» في قطاع غزة، مطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، والسماح بدخول مساعدات واسعة النطاق.
وقالت المنظمة: «عملت فرقنا على علاج الجرحى وتزويد المستشفيات المكتظة بالمستلزمات الطبية، في ظل ظروف تهدد حياة ملايين الفلسطينيين». وأضافت: «نطالب الحكومة الإسرائيلية، والدول المتواطئة في هذه الكارثة -وعلى رأسها المملكة المتحدة- بالتحرك العاجل لإنهاء الحصار، ومنع محو الوجود الفلسطيني في غزة».
وفي ظل تفاقم الأزمة، تبقى حياة مئات المرضى، خاصة الرضّع وذوي الحالات الحرجة، رهناً بدخول عاجل للوقود، فيما تزداد المخاوف من انهيار المنظومة الصحية بشكل كامل خلال أيام -وربما ساعات- ما لم يُكسَر الحصار، وتلبية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة.