الإثنين, أغسطس 11, 2025
الرئيسيةالثقافة والتاريخزوينة آل تويّه: المترجم يُفاوض «شبح المؤلف» في أحيان كثيرة

زوينة آل تويّه: المترجم يُفاوض «شبح المؤلف» في أحيان كثيرة

ارتبط اسم المترجمة العمانية زوينة آل تويّه بعدد من الأعمال المهمة المترجمة عن اللغة الإنجليزية، منها «بارتبلي النساخ» للأميركي هرمان ميلفل، ورواية «الهدية الأخيرة» للروائي التنزاني البريطاني عبد الرزاق قرنح، الحائز جائزة نوبل للآداب لعام 2021، و«شهر في سيينّا» للروائي الليبي – البريطاني هشام مطر، و«وحده العالم يصحو» للبلغارية ماريا بوبوفا، و«عمدة كاستربريدج- قصة رجل محترم» لتوماس هاردي، وغيرها.

حصلت زوينة على الماجستير في الترجمة من جامعة إدنبره بإنجلترا، كما أشرفت على مختبر الترجمة في مؤسسة «بيت الزبير»، ولها مجموعة قصصية بعنوان «المرأة الواقفة تجلس». هنا حوار معها حول الترجمة، واختياراتها للنصوص:

> ترجمتكِ لكتاب «شهر في سيينّا» للكاتب الليبي – البريطاني هشام مطر لها خصوصيتها، سواء من ناحية الحسّ اللغوي اللافت أو من حيث العناية الدقيقة بترجمة التفاصيل الفنية المرتبطة بالأعمال التشكيلية والرحلة السيينية. كيف اقتربتِ من هذه التجربة وما الذي شكّل تحدياً فيها؟

– لا شك أن أي كتاب يُترجَم -شأنه شأن أي كتاب يُكتَب- تحيط به قصص ومواقف وتجارب تشكِّل مصيره ومساره. وكتاب «شهر في سيينّا» ليس برواية ولا قصة ولا سيرة ذاتية، لكنه نتج عن هذا كلِّه واتخذ له مساره الخاص مستفيداً من المدرسة الفنية السيينية. الترجمة بدورها ما كان لها أن تغفل ما سبق الكتاب من تجارب أسهمت في تشكيله، والرجوع إلى أصل الحكاية، وتأمل تجربة الكاتب المريرة وما ألقته من ظلال على حياته. هنا يختلط الواقع بالمتخيَّل ويشتبك الفن بالسرد واللغة وتأمل الحياة والموت والحب والخير والشر في لوحات قديمة قلَّما تشغل الناس اليوم، لكنها على قِدمها وإيغالها في التاريخ شغلت الكاتب وانغمس في قراءتها وتأمُّلها ومحاورتها وتفكيك رموزها على خلفية قصته المؤلمة.

يمكننا القول إن الكاتب استعان بالعام ليدرك الخاص، تناول الصورة الأكبر لينظر في تجربته الأصغر. فكرة بهذا التعقيد لا بد أن تشكِّل تحدِّياً في الترجمة. كان لا بد من الجلوس أمام كل لوحة وتصوُّرها كما تصوَّرها الكاتب، فالأمر أشبه باستعارة عين أخرى وفكر آخر. وهذا ليس بالأمر الهين، فلكل امرئ مسلكه وسبيله في رؤية الأشياء، ويصبح ذلك أعقد إذا ما فكرنا في مزاج المشاهد وثقافته. يحدث أيضاً أن يركز الكاتب على تحليل عنصر من عناصر اللوحة، ثم ينقل القارئ إلى زمن آخر ومكان آخر وفكرة أخرى رابطاً بين هذا كله وبين رؤيته، ومستعيناً في أحايين أخرى بقصة أو حادثة أو قول أو كتاب.

> كذلك حملت ترجمتك لكتاب الروائية العمانية جوخة الحارثي «الجسد في الغزل العذري» تحدياً من نوع آخر، كيف خضتِ هذه الرحلة، وما أبرز ما استوقفك خلالها؟

– في كتاب «الجسد في الغزل العذري» التي كتبته بالإنجليزية، شاركتُ الكاتبةَ شَغَفَها بالشعر العربي القديم، وشهدتُ معها بذرة الكتاب تنمو منذ دراستنا معاً في الجامعة نفسها، فكان لهذا أثر في ترجمته بعد ذلك بسنوات. ترجمةُ هذا الكتاب تشبه من يعود إلى وطنه وسكناه بعد طوافه في الأرض زائراً بلاداً وآفاقاً شتَّى، ولا سيَّما أنه كُتِب في بلاد أجنبية. القصائد خصوصاً، كانت أيسر ما تناولته الترجمة بالرجوع إلى دواوين الغزل العذري، وكذا الأمر مع المراجع العربية، لا سيَّما «كتاب الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني الذي اتخذته الكاتبة مصدراً رئيساً لأخبار الشعراء العذريين. وسهل من ترجمة الكتاب قرب الكاتبة وسهولة الاتصال بها في كل ما يشكل أو يظهر من عقبات، وإتاحتها بعض المراجع العربية والأجنبية. لكنَّ العمل لم يخلُ من إعادة نظر في بعض المراجع التي لم تعد متاحة، وكان لزاماً التصرف وإيجاد بدائل والبحث عن مصادر أحدث تناولت الموضوع.

> كيف تنظرين إلى ظاهرة تكرار ترجمة الأعمال الكلاسيكية، هل ترين في هذا التكرار إثراءً أم إرباكاً للمشهد القرائي؟

تصفح أيضًا: «البودكاست الإخباري» بين جذب الشباب وزيادة عوائد الناشرين

– إعادة ترجمة بعض الأعمال، خصوصاً الأعمال الكلاسيكية، تمنحها الحياة والولادة من جديد. فهي أعمال خالدة مثل «الجريمة والعقاب»، و«الإخوة كارامازوف» و«الحرب والسلم»، و«مدام بوفاري» وغيرها. ولا شكَّ أن وجود أكثر من ترجمة لعمل واحد يتيح للقارئ اختيار ترجمة بعينها، ومترجم بعينه، وحتى دار النشر، وقد يدخل في ذلك عامل السعر أيضاً. لا ننسى أيضاً أن ثمَّة أعمالاً تُرجِمَت عن لغة وسيطة، وهذه أولى بأن تُعاد ترجمتها عن لغتها الأصل متى ما سنحت الفرصة. إلا أن عشوائية إعادة الترجمة تؤثر في هذه العوامل كلها غافلةً عن أعمال أخرى لم تترجم قطّ. وهذه العشوائية تكثر في الترجمات العربية فيختلط الحابل بالنابل؛ إذ تغيب عنها المنهجية والتنظيم، فترجمة جديدة للكتاب نفسه لا تتلافى عثرات ترجمته السابقة بل تزيد الطين بِلَّة بإضافة عثرات أخرى. لا يوجد حوار بين هذه الترجمات ليقدم كل منها رؤية مختلفة أو تأويلات جديدة للنص الأصلي.

> ما الذي جذبك لترجمة رواية «هامنت» للكاتبة الآيرلندية ماجي أوفاريل؟ بخاصة في مقاربتها لعالم شكسبير من زاوية حميمية وشخصية؟

– رواية «هامنت» لا تتناول حياة شكسبير نفسه، بل تشير إليه من طرف خفي، حتى إنها لا تمنحه اسماً، فهو الأب والزوج والمعلم. إنها تركِّز على ابن شكسبير وزوجته وعائلته، ولعل هذا هو أكثر ما يثير اهتمام القارئ. الاقتراب من حياة المحيطين بشكسبير. اخترت ترجمة هذه الرواية لأنها سرد حيّ لمعنى الأمومة والحب والزواج والأبناء والعائلة، بلغة تكاد تكون شعرية وحالمة.

> من واقع تجربتكِ، ما الذي قد يجذب المترجم إلى الاشتغال على نص منقول عبر لغة وسيطة، كما في تجربتك مثلاً مع ترجمة مييكو كاواكامي؟ ما التحديات التي يفرضها هذا المسار؟

– ينبغي أن نعترف، نحن المترجمين، بأن القارئ الذي يقرأ ترجمة ما إنما يقرأ أسلوب المترجم أكثر مما يقرأ أسلوب المؤلف نفسه، مهما ادعينا اقترابنا من النص الأصل وإخلاصنا له. كأن النص الأصل يُكتَب كتابةً ثانية، فالقارئ مثلاً يقرأ أسلوب صالح علماني في «مائة عام من العزلة» أكثر مما يقرأ أسلوب ماركيز، وبالمثل في ترجمة الرواية إلى الإنجليزية، يقرأ القارئ غريغوري راباسا أكثر مما يقرأ ماركيز الذي ذهب بنفسه إلى حدِّ اعتبار ترجمة راباسا أفضل من الأصل الإسباني. إلا أن ذلك لا يعني ابتعاد الترجمة كليّاً عن النص الأصل واستيلاء المترجم على الأصل وتخريبه، إنما يَبِين للقارئ الحصيف ما يميز أسلوب مترجمٍ ما باستعماله تراكيب وصِيَغاً ومفردات معينة تدل عليه وتتكرر في ترجماته، خصوصاً إذا كان المترجم نفسه كاتباً. لكنَّ الأمر يتعقَّد إذا ترجم المترجم عن لغة وسيطة؛ فهو يترجم ترجمةً لا نصّاً أصليّاً، ومن ثم يمكننا القول إنه يترجم أسلوب مترجم النص عن لغته الأصل لا أسلوب الكاتب نفسه -إذا ما زعمنا اقترابنا من أسلوب الكاتب- فنكون أمام ثلاثة أساليب للنص الواحد. وفوق هذا قد لا يعرف القارئ أبداً أن الكتاب مترجَمٌ عن لغة وسيطة ما لم يُشِر المترجم أو الناشر إلى ذلك. ما زلتُ أتوجَّس من الترجمة عن لغة وسيطة وأرتاب منها وأنظر إليها بتحرُّز؛ لا سيَّما إذا كان الكاتب معروفاً بحيله السردية أو غموض أسلوبه، فقد خَبُرتُ هذا في ترجمة رواية «الجنة» لمييكو كاواكامي وكتاب آخر أترجمه منذ مدة. كان من محاسن المصادفات أن تمكنتُ من مراسلة مترجم رواية كاواكامي من اليابانية إلى الإنجليزية، بعد ما وجدت ارتباكاً في النص المترجم ظننته موجوداً في الأصل، ثم راجع المترجم ترجمته وأكَّد وجود الارتباك في ترجمته نفسها لا في الأصل. إلا أنني لاحظت أن المترجم وقع في هذا الارتباك بسبب غموض النص الأصلي وتلاعب الكاتب بالسرد. هذا بالطبع ليس دفاعاً ولا تبريراً، بل ملاحظة لا غير.

> حسب أمبرتو إيكو فإن «الترجمة عملية تفاوض مستمرة بين لغتين». كيف تتجلى هذه الفكرة في تجربتك؟ وبرأيك، هل يتم هذا التفاوض مع النص والكاتب الغائب، أم مع القارئ في اللغة الهدف، أم مع الناشر وحدود السوق؟

– المفاوضة في الترجمة أمر لا بدَّ منه بغية الوصول إلى تسوية، والمترجم يفاوض أطرافاً عدة؛ النص الأصل، والنص المترجم، والثقافة التي ينتمي إليها النصان، ومؤلف النص الأصل، والقارئ، والناشر. على مستوى النص، لا تكاد المفاوضة تتوقف لتوليد صياغة مقبولة تعوِّض عن الخسارات التي كثيراً ما تواجه المترجم، وهذا يعني أيضاً أن الترجمة تأويل مستمر في سياق ثقافي ولغوي جديد كما يذهب أمبرتو إيكو، لا سيَّما أن المترجم يفاوض «شبح المؤلف» في كثير من الأحيان. خَبُرتُ مفاوضة المؤلف في ترجمتَي «الجسد في الغزل العذري» و«شهر في سيينا»، حيث كان الكاتبان حاضرين للنقاش والمفاوضة. وفي ترجمة رواية «الهدية الأخيرة» لعبد الرزاق قرنح تحفَّظتْ الجهة الراعية لترجمة أعمال قرنح على بعض المفردات الواردة في الرواية مقترحة تخفيف حدَّتها، لكنني أصررتُ على ترجمتها مثلما كانت في الأصل حرصاً على نقل أثرها إلى العربية.

> برأيك، لماذا لا تزال جهود الترجمة العكسية من العربية إلى الإنجليزية أقل من المستوى الذي نطمح إليه؟ وما العوائق التي تَحول دون ذلك؟

– في مطلع الثمانينات أسَّست الأديبة والمترجمة والناقدة والأكاديمية الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي «مشروع بروتا – PROTA» الذي عُنِيَ بنقل الأدب العربي إلى الإنجليزية، وضمَّ المشروع موسوعات وكتباً رائدة في الأدب العربي بين شعر ومسرح ورواية وقصة وما يتعلق بالحضارة العربية الإسلامية. وقد نجح هذا المشروع المتميز نجاحاً كبيراً حتى إنه أثار حفيظة المثقفين الإسرائيليين المقيمين في أميركا الذين سعوا إلى الحيلولة دون ترجمة الأدب الفلسطيني ونشره، حسب الناقدة الدكتورة مديحة عتيق. لا أعرف إذا كان هذا المشروع الرائد ما زال قائماً، لكننا اليوم في أمسّ الحاجة إلى مثيله أكثر من أي وقت مضى. بخاصة أن معظم الكتب المترجمة أصبحت روايات وقلَّما نرى دواوين شعر وكتباً فلسفية ونقدية وعلمية مترجمة.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- اعلان -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات