شدد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام على أن استعادة الدولة تبدأ بتطبيق ما تبقى من اتفاق الطائف، لا سيما اللامركزية الموسّعة وحصر السلاح بيد الدولة، في وقت يسود الترقب لما سيكون عليه الرد اللبناني على الورقة التي سبق أن سلّمها المبعوث الأميركي توم برّاك المتوقع حضوره إلى بيروت، الاثنين، وتتضمن تنفيذاً لتعهدات الدولة اللبنانية بحصرية السلاح بيد الأجهزة الرسمية، وتنفيذ الإصلاحات الإدارية والمالية والسياسية.
وبينما يكثف المسؤولون اللبنانيون مشاوراتهم في الساعات الأخيرة، للخروج برد موحد على الورقة، تشير المعلومات إلى «إيجابية محدودة» بمسار المباحثات التي تتولاها لجنة مؤلفة من ممثلين عن رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام، حيث لا تزال بعض النقاط عالقة وهي تلك المرتبطة بالضمانات، وإعادة الإعمار، مع التأكيد اللبناني على ضرورة وقف الانتهاكات الإسرائيلية وإعادة الأسرى.
وكان برّاك قال مساء السبت عبر حسابه على منصة «إكس»: «يستيقظ أمل لبنان! الفرصة سانحة الآن». وتابع: «إنها لحظة تاريخية لتجاوز الطائفية المتوترة في الماضي، وتحقيق وعد لبنان الحقيقي بأمل (بلد واحد، شعب واحد، جيش واحد)». وقال: «كما دأب رئيس الولايات المتحدة على مشاركة العالم: لبنان مكان عظيم، بشعب عظيم. فلنجعل لبنان عظيماً من جديد».
هذا و«حزب الله» لم يعلّق بشكل مباشر على الورقة الأميركية، لكن النائب في كتلته حسن عز الدين، رفض ما عدَّها «شروطاً على (حزب الله)، وعلى لبنان داعياً أولاً إلى تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار».
كذلك جدّد أمين عام «حزب الله»، نعيم قاسم، التأكيد على مواقف الحزب السابقة لجهة رفض «الاستسلام» أو ترك السلاح، متحدثاً في كلمة متلفزة بمناسبة إحياء ذكرى عاشوراء في الضاحية الجنوبية لبيروت عن شروط وأولويات لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وهدّد بالقول: «مستعدون للمواجهة».
في المقابل، أكد رئيس الحكومة نواف سلام أنه لا يمكن أن تقوم دولة من دون حصر السلاح بيدها، وذلك خلال جولة قام بها في البقاع حيث شارك في وضع حجر الأساس لمجمّع البقاع الإسلامي في شتورة، بدعوة من النائب حسن مراد، وبحضور مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وعدد من نواب المنطقة وفعاليات سياسية ودينية.
وفي كلمة قال سلام: «نحن نعمل على استعادة الدولة عبر مشروع إصلاحي شامل يشمل تفعيل الإدارة، وتعزيز استقلال القضاء، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ لأن الدولة لا تُبنى بالخطابات بل بمؤسسات فاعلة».
رئيس الحكومة ملتقياً مشايخ الطائفة الدرزية في راشيا بحضور النائب وائل أبو فاعور (رئاسة الحكومة)
وفي راشيا، زار سلام البلدة حيث كان في استقباله النائب في «اللقاء الديمقراطي» وائل أبو فاعور. وخلال اللقاء شدّد على أن «استعادة الدولة تمرّ عبر استكمال اتفاق الطائف، خصوصاً اللامركزية الموسّعة والإنماء المتوازن»، مضيفاً: «لا يمكن أن تقوم دولة من دون حصر السلاح بيدها».
من جهته، شدّد النائب أبو فاعور على دعم الرئيس سلام في هذه المرحلة المفصلية.
اقرأ ايضا: رئيس وزراء لبنان: لن يتحقق الاستقرار طالما الاحتلال قائما لأجزاء من أراضينا
وكانت الجولة قد استُهلت بلقاء جامع في دارة النائب ياسين ياسين في بلدة غزة – البقاع الغربي، بحضور وزير الصناعة عامر البساط، والنائب حسن مراد، وعدد من المفتين، ورؤساء البلديات، وفعاليات أهلية واجتماعية.
وخلال اللقاء، أكّد الرئيس سلام أن «الحكومة أنجزت مجموعة من الإصلاحات الأساسية، أبرزها مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف وقانون السرية المصرفية، وتعمل حالياً على إعداد مشروع قانون الفجوة المالية». وقال: «عمر الحكومة قد يكون قصيراً، لكن الإرادة موجودة، والعمل مستمر».
واختتم سلام زيارته إلى البقاع بلقاء في دارة النائب بلال الحشيمي في تعلبايا، حيث أكد أنه «لا استقرار في البلاد من دون انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان، ووقف أعمالها العدوانية، كما أن لا استقرار دون شعور كل المواطنين بالأمن والأمان أينما كانوا في ربوع الوطن مما يتطلب بدوره حصر السلاح بيد الدولة وحدها. ولكن هذا نصف الحقيقة فقط؛ لأن ثبات الاستقرار في البلاد إنما يتطلب أيضاً شبكات أمان اجتماعي حقيقية تحفظ كرامة المواطنين».
رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام في زيارة للبقاع (رئاسة الحكومة)
بانتظار ما ستحمله، الاثنين، زيارة المبعوث الأميركي توم براك إلى بيروت، وما سيكون عليه الرد اللبناني، أعلن نواب في «حزب الله» رفضهم تسليمه.
وقال عضو كتلة الحزب، إبراهيم الموسوي أن «الطرح المتكرر حول سلاح المقاومة في ظل غياب الضمانات الواقعية، يُشكّل مقامرة بمصير الوطن».
سيدة لبنانية تحمل لافتة رفضاً لتسليم السلاح خلال إحياء ذكرى عاشوراء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
وقال عضو كتلة «حزب الله» حسن عز الدين، الأحد: «ما يريدونه من خلال هذه الورقة الجديدة التي قدمها المبعوث الأميركي هو أن يفرضوا شروطهم علينا وعلى لبنان، ولكننا نقول لهم إن هناك اتفاقاً جرى توقيعه لوقف إطلاق النار، قبلت به الدولة اللبنانية، ووافقت عليه، والتزمت به المقاومة، ولكن العدو لم يلتزم، ولم يطبّقه بل خالف كل القوانين الدولية وكل القواعد التي تُلزم من يوقع عليها بأن يحترمها، خصوصاً أن لجنة الإشراف على هذا الاتفاق هي أميركا وفرنسا، وهما الضامنان والراعيان له».
وقال: «المقاومة والدولة اللبنانية وباعتراف الجميع التزمتا بهذا الاتفاق، ولكن العدو لم يلتزم، واليوم يريدون أن يقدموا اتفاقاً جديداً ينسف كل الذي جرى، ولكن هذا لن يكون، بل عليهم أولاً أن يضغطوا على هذا العدو بدلاً من الضغط علينا وعلى الدولة والحكومة».
ودعا الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ موقف سيادي واضح ومستقل، ترفض فيه كل الذي يقدمونه، ويضغطون من خلاله ليبتزونا ويتدخلوا في شؤوننا الداخلية، مشدداً على «ضرورة أن تصمد هذه الدولة، وأن يكون هناك موقف شعبي موحد إزاء هذه المسألة، لأن هذه هي القوة والقدرة التي نستطيع من خلالها أن نواجه كل هذا الابتزاز والتدخلات الخارجية».