السبت, أغسطس 9, 2025
الرئيسيةالثقافة والتاريخسيرة «أسرة يهودية من مصر» في زمن العصر العثماني

سيرة «أسرة يهودية من مصر» في زمن العصر العثماني

يأتي كتاب «أسرة يهودية من مصر – أبناء إسحاق الأشقر الأندلسي» الصادر عن دار «أقلام عربية» بالقاهرة للباحث الدكتور محسن علي شومان، أستاذ التاريخ الحديث بآداب الزقازيق، والكتاب هو الجزء الثاني من موسوعته التاريخية عن «يهود مصر» التي تغطي فترة زمنية تمتد لأكثر من ثلاثة قرون من الفتح العثماني وحتى مطلع القرن التاسع عشر.

بدأ المؤلف الموسوعة بكتابه الجامع عن «يهود مصر»، وتتبع فيها أوضاع الجماعة اليهودية على الصعيدين، الطائفي الخاص والاجتماعي المصري العام، ثم انتقل عبر أجزاء موسوعته إلى تقصي أحوال سير اليهود المصريين وتتبع أخبارهم، في محاولة هي الأولى من نوعها للتأريخ لعائلات وأعلام «يهود مصر العثمانية» والترجمة لهم في شكل من أشكال الكتابة التاريخية يجمع بين أدب السيرة أو التراجم وبين البحث الأكاديمي الموثق.

ويشير المؤلف في مقدمة الكتاب إلى أنه دُعي عام 2008 لإلقاء محاضرة ضمن «دراسات الشرق الحديث» في برلين حول الحياة اليومية في المدن والحواضر العثمانية، فاختار أسرة إسحاق الأشقر اليهودي الأندلسي موضوعاً لورقته البحثية؛ نظراً لأهمية دورها، فيما يعد السيرة الأولى من نوعها لأسرة يهودية في مصر زمن العصر العثماني.

بدأ ظهور تلك الأسرة في القاهرة عام 1524م، بينما كانت آخر الإشارات الدالة عليها عام 1632 عبر أجيال عدة، وهى تُنسب إلى إسحاق الأشقر الأندلسي، الذي عاش في بلاد الأندلس، إسبانيا، قبل أن يهاجر أبناؤه لاحقاً إلى بلاد المغرب العربي ومنها إلى مصر.

كان مؤسس الأسرة في القاهرة هو المعلم إسحاق بن شموال بن إسحاق الأشقر الأندلسي، بينما آخر أبنائها هو المعلم يوسف بن شموال بن إبراهيم بن موسى بن إسحاق الأشقر الأندلسي، ثم اختفت أسماؤهم فجأة لأسباب تتعلق على الأرجح بفقدانهم مصادر قوتهم وضياع ما تبقى لهم من دواعي ومقومات السلطان الذي احتفظوا به على مدار عقود، وقد أحصى المؤلف 60 اسماً من أبناء إسحاق الأشقر الأندلسي تضمنتهم شجرة النسب، 51 رجلاً و9 سيدات.

برز اسم العائلة في مجال العمل صيارفةً وما يتصل بالصيرفة من شؤون المال والتجارة، حيث التحق أبناؤها بالإدارة المالية المصرية، وتقلدوا وظائف الجمارك المربحة ليوسعوا عبر هذه النافذة من مجالات أنشطتهم ودوائر أعمالهم واتصالاتهم.

وكان من مهام العمل في هذا المجال قيام أبناء الأشقر بتقديم خدماتهم لدار سك العملة بحي القلعة وتوريد ما تحتاج إليه من ذهب وفضة ونحاس لسك النقود؛ ولكي يضمن مسؤولو الدار وفاء الصيارفة اليهود بما عليهم من مال كانوا يطلبون منهم وبخاصة في أوائل الحكم العثماني أن يأتوا بمن يكفلهم. وبطبيعة الحال كان غالباً ما يأتي الصيرفي اليهودي بكفيل يهودي مثله من الفرقة الدينية والطائفة نفسيهما.

قد يهمك أيضًا: حكايات تتناثر ما بين لبنان والقاهرة والحرب الأهلية

وقد أسهم بنو الأشقر في حركة التجارة بمصر والتي استعادت كثيراً من ازدهارها المفقود في ظل الحكم الجديد، حيث برزوا باعةً ومشترين في الصفقات التي عقدوها مع يهود الداخل، وكانت القاهرة هي المسرح الرئيسي الذي دارت عليه تعاملات أولاد الأشقر مع غيرهم من اليهود بمشاركتهم بيعاً لهم وشراء.

وعلى صعيد آخر، تنبع أهمية عائلة أبناء الأشقر بصفته بيتاً عريقاً راسخ القدم، غنياً برجاله من دراسي الشريعة وحفظة التراث اليهودي الأندلسي، وفي مقدمتهم موسى بن إسحاق الأشقر الديان، قاضي اليهود الذي عُدّ واحداً من أبرز كتاب الفتاوى ومشرعي يهود مصر في القرن السادس عشر، فضلاً عن ولده سلمون شلومو الذي عمل حاخاماً في أخريات أيامه، وحفيد ابنه الحاخام إبراهيم المدعو إبراهيم بن شموال بن إبراهيم بن موسى بن إسحاق الأشقر الأندلسي.

ورث آل الأشقر الأندلسي عن رب عائلتهم ومؤسس أسرتهم لون بشرته الشقراء؛ حتى صارت هذه الصفة اسم علم يُعرفون به ويُستدل منه عليهم، حيث كانوا معتدلي القامة تتفاوت شقرتهم بين اللونين الأشقر الخالص والأبيض المشرّب بحمرة، كما كانت تتراوح مراحلهم العمرية ما بين شاب حدث صغير السن ورجل بالغ وشيخ كبير.

كان الأشقر الكبير، الجد الأعلى، أندلسي المولد والنشأة وعاش أولاده وأحفاده من اليهود حياة هادئة مستقرة نوعاً ما حتى إذا ما اشتعلت إسبانيا بروح التعصب الديني منذ عام 1465م، هاجر هؤلاء مع غيرهم من مسلمي ويهود الأندلس إلى ديار الإسلام.

اشتد تيار الهجرة اليهودية من إسبانيا عقب صدور مراسيم الطرد بين عامي 1492 و1497 ليستقر آلاف اليهود ببلاد المغرب العربي المجاورة، مراكش والجزائر وتونس وطرابلس. وتوجه آخرون نحو الأراضي العثمانية والفارسية والمملوكية مثل بلاد البلقان، آسيا الصغرى، العراق، الشام، مصر.

ويؤكد المؤلف أننا لا نعرف بالضبط من هو إسحاق الأشقر الذي ظهر في مصر، هل هو من مهاجري الأندلس السابقين وقد نشأ وتربى في القاهرة، أم أن له مساراً آخر؟ لكن المؤكد أن ظهوره جاء في سياق تفضيل مهاجري يهود الأندلس، مثل كل يهود العالم، الإقامة بالمدن والعيش والعمل بها، لا سيما إذا كانت بها موانئ، ومن ثم تظهر الحاجة إلى تنظيم الجمارك والإدارة المالية؛ وهو ما جعل يهود مصر ينشطون في الإسكندرية ودمياط على وجه خاص.

وفي القاهرة العثمانية، ساد نموذج التجمع داخل حي يقطنه أغلبية من أبناء الديانة فيما عُرف بـ«حارة اليهود» وما جاورها من أماكن اتخذ فيها بعض أبناء الأشقر دوراً للسكن إلى جوار حي «خط السوريين» و«خط السبع قاعات» و«خوخة الأوز». وتدل مبالغ الإيجار المدفوعة في تلك الدور ووصفها على ثراء مستأجريها النسبي من أبناء الأشقر، وأنها كانت بيوتا فخمة مريحة كي تليق بهم وبمكانتهم الرفيعة، سواء داخل محيطهم العائلي أو على صعيد جماعتهم اليهودية ككل.

لم يجد أبناء العائلة غضاضة في التردد على محاكم الشرع الإسلامية لإبرام عقود الزواج وإجراء الطلاق والتصديق والإشهاد على الحقوق الناشئة عنها والمترتبة عليها، لا سيما أحكام الزواج والطلاق.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- اعلان -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات