تنتظر الأوساط السينمائية في السعودية بدء تصوير فيلم «صراع دواخل»، في ديسمبر المقبل، وهو مشروع ضخم من حيث الإنتاج والحجم الفني التقني. تبلغ ميزانية الفيلم 30 مليون ريال سعودي، ويتميز برؤية تجمع بين الأصالة المحلية والمعايير العالمية في صناعة السينما.
الفيلم من تأليف محمد عجلان، وإخراج جابر العتيبي، ويُعد من أبرز المشاريع السينمائية المرتقبة في المنطقة، بما يحمله من تركيبة درامية تجمع بين الأكشن الواقعي والدراما النفسية. تغوص القصة في أعماق النفس البشرية، عبر قصة شابين، سامر وفهد، يمثل كلٌّ منهما وجهاً من وجوه الصراع الداخلي بين الخير والشر.
المخرج جابر العتيبي قال لـ«الشرق الأوسط» إن ضخامة المشروع لا تقتصر على ميزانيته الاستثنائية، بل تتجلى أيضاً في طريقة تنفيذه. وأضاف: «بدأنا من الصفر، حتى إن أحد أبرز مواقع التصوير، وهو قصر العقرب، تم تصميمه وبناؤه خصيصاً للفيلم. نعمل بفريق متعدد الجنسيات، ومواقع تصوير متنوعة، وتقنيات سينمائية متقدمة تُستخدم لأول مرة في مشروع محلي».
ويؤكد العتيبي أن الفيلم لا يطرح أفكاراً مباشرة عن الخير والشر، لكنه يسعى لكشف تلك الطبقات الرمادية التي تتصارع داخل النفس. ويقول: «لم أستلهم مشهداً بعينه من حياتي. لكن كل لحظة مررتُ فيها باختيار أخلاقي أو نفسي انعكست على هذا العمل. الفيلم لا يدّعي الوعظ، بل يطرح أسئلة مؤلمة عن الذات، ويُحاكي صراع الإنسان مع دواخله».
تصفح أيضًا: ارتفاع أرباح «الدريس» السعودية للبترول 21 % في الربع الثاني
بصرياً، يعتمد الفيلم على لغة سينمائية متأثرة بعدة مدارس، منها الواقعية الجديدة والتعبيرية الألمانية والسيريالية الأوروبية، مع تأثيرات ملحوظة من أسلوب المخرجين العالميين، دينيس فيلنوف وكريستوفر نولان، لكن ضمن إطار بصري محلي خالص. ويوضح العتيبي أن هدفه لم يكن تقليد أحد، بل ابتكار هوية بصرية سعودية تتكلم بلغة يفهمها العالم.
أما الموسيقى، فقد اختار لها العتيبي أن تكون شريكاً في الحكاية، لا مرافقة لها. ويؤكد: «لأنني أعزف البيانو، فقد كنتُ قريباً جداً من عملية التكوين الموسيقي للمشهد. بعض المقاطع كُتبت على اللحن، وليس العكس. استخدمنا الأصوات الداخلية، كالتنفُّس والصمت والنبض، كعناصر درامية تحمل الإحساس نفسه الذي تحمله الكلمات، إن لم يكن أقوى».
وحول المشاهد الأكثر تعقيداً، وصف العتيبي مشهداً معيناً يجمع بين القتال اليدوي والانفجارات والنيران الحقيقية والمؤثرات الخاصة المنفَّذة على أرض الواقع بأنه «الأصعب إنتاجياً»، حيث يتطلب تنسيقاً عالياً بين مختلف فرق العمل، في بيئة مليئة بالتوتر البصري والتقني.
ويخطط طاقم الفيلم لعرض «صراع دواخل» في أكبر المهرجانات السينمائية العالمية، مثل: كان، وفينيسيا، وتورنتو، وصندانس، إضافة إلى مهرجان البحر الأحمر، مع توجُّه لتوزيعه تجارياً في الولايات المتحدة، وأوروبا، وكوريا الجنوبية، والصين، وشمال أفريقيا، مدفوعاً برغبة حقيقية في إيصال السينما السعودية إلى جمهور عالمي، من دون أن تفقد هويتها ولهجتها وبيئتها.
بميزانية ضخمة، ورؤية بصرية إنسانية، وطموح مهرجاني واسع، ينتمي «صراع دواخل» إلى جيل جديد من الأفلام السعودية التي لا تكتفي بالسرد المحلي، بل تُحاكي الإنسان أينما كان. عملٌ يُراهن على الداخل… ليصل إلى الخارج.