على الرغم من أن هناك حالة من التوتر السياسي الظاهر للعلن بين القاهرة وتل أبيب، وتحدثت عنه تقارير صحافية مصرية وعبرية ووسائل إعلام دولية أيضاً، وقد بلغ هذا التوتر ذروته هذه الأيام عبر لهجة بدت تصعيدية من القيادة السياسية في مصر، فإن مصدراً مصرياً مسؤولاً أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «برغم تعقّد العلاقات وتوترها بين مصر وإسرائيل؛ فإن ذلك لا يعرقل التعاون بين البلدين في الملفات الحيوية، وأيضاً في المجال الاقتصادي على وجه الخصوص».
وأوضح المصدر أن «الإدارة المصرية تفصل تماماً بين ما هو سياسي وتشوبه الخلافات، والملفات الأخرى التي لديها التزامات بشأنها، سواء فيما يتعلق بالتعاون الأمني المنصوص عليه في اتفاقية السلام مع إسرائيل، أو في الدور المصري الحيوي الساعي لحلحلة أزمة الحرب في غزة، وضرورة التوسط وبذل كل الجهود من أجل وقفها رغم كل التحفظات والاعتراضات المصرية على النهج الإسرائيلي، والذي وصل إلى حد اعتبار القاهرة له أنه نهج إجرامي».
وأشار المصدر كذلك إلى أن «النهج المصري يفصل كذلك بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي، والخلاف مهما بلغ حداً كبيراً على الصعيد السياسي، فذلك لا يؤثر على مجالات التعاون الاقتصادي، سواء مع إسرائيل أو أية دولة أخرى؛ لأن الأمور الاقتصادية والتجارية تحكمها مصالح حيوية مشتركة، وأيضاً اتفاقات والتزامات، ومصر دولة تحترم التزاماتها حتى مع من تختلف معهم»، بحسب تعبير المصدر.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد وصف، لأول مرة، الثلاثاء الماضي، ما تقوم به إسرائيل في غزة من حرب تجويع بأنه «إبادة ممنهجة بغرض تصفية القضية الفلسطينية»، وهو الوصف الذي كرره وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بعد قول السيسي له بساعات، وأيضاً خرج محافظ شمال سيناء، القائد السابق بالجيش المصري، اللواء خالد مجاور، بتصريحات لافتة، الأربعاء، محذراً فيها إسرائيل من محاولة الدخول في حرب مع مصر، قائلاً: «من يقترب من الحدود فلا يلومنّ إلا نفسه، وسيتم التعامل معه بما هو معلن من قدرات وما هو غير معلن»، وكل ذلك فسّره البعض بأن «التوتر بلغ حداً كبيراً بين القاهرة وتل أبيب».
السيسي ونتنياهو على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017 (وسائل إعلام عبرية)
ومنذ اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979 لم تشهد العلاقات بين البلدين توتراً مثل الحادث حالياً بسبب الحرب في غزة، وخاصة بعد احتلال إسرائيل محور «فيلادلفيا» المحاذي للحدود المصرية بالمخالفة لمعاهدة السلام، ثم نقضها اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في يناير (كانون الثاني) الماضي بوساطة القاهرة، واستمرار إسرائيل في الحرب والتجويع لأهل غزة، ثم احتلالها محور «موراج»، والترتيب لبناء مدينة خيام للغزيين قرب حدود مصر، فضلاً عن احتلال القوات الإسرائيلية معبر رفح من الجانب الفلسطيني وحصار القطاع. وكذا محاولة تل أبيب إلقاء اللوم على مصر في حصار وتجويع الشعب الفلسطيني وترديد ذلك في الإعلام العبري، حتى إن السلطات الإسرائيلية سمحت بتنظيم بعض الأشخاص مظاهرة أمام السفارة المصرية في تل أبيب بدعوى «التنديد بالدور المزعوم لمصر في حصار وتجويع الغزيين»، وهو الأمر الذي أغضب القاهرة بشدة، وأصدرت مصر بيانات رسمية تدينه، وخلال الفترة الماضية تتصاعد المناوشات الإعلامية بين مصر وإسرائيل.
ورغم كل ذلك فقد كان لافتاً الإعلان، الخميس، عن تعديل جوهري على اتفاق تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، يشمل زيادة ضخمة في الكميات المتفق عليها، مع تمديد فترة التوريد حتى عام 2040، في خطوة تُعد الأكبر من نوعها في تاريخ صادرات الطاقة بين مصر وإسرائيل.
خبير الأمن القومي المصري، اللواء محمد عبد الواحد، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا شك أن هناك توتراً سياسياً كبيراً بين القاهرة وتل أبيب بسبب القضية الفلسطينية وممارسات إسرائيل في غزة، لكن مصر تدير علاقتها مع إسرائيل بشكل معقّد جداً؛ إذ تفصل بين السياسة والاقتصاد والملفات الأخرى».
اقرأ ايضا: اختصاصات حددها القانون لهيئة الدواء المصرية.. تعرف عليها
رئيس أركان الجيش المصري قرب حدود إسرائيل نهاية العام الماضي (المتحدث العسكري المصري)
وأشار عبد الواحد إلى أن «مصر تصعّد ضد إسرائيل سياسياً فيما يتعلق بملف الحرب في غزة والقضية الفلسطينية، لكن في ذات الوقت هي تعلم جيداً أنها لها مصالح كبرى من استمرار التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، منها استيراد الغاز الإسرائيلي لتلبية الطلب المحلي المصري، وتسييل الفائض وتصديره لأوروبا، فضلاً عن أن هناك اتفاقية لـ(الكويز) تنص على أفضلية لتصدير المنتجات المصرية للولايات المتحدة بشرط أن تكون بها نسبة من المكونات الإسرائيلية، وكذلك مصر تستفيد من المعونة العسكرية الأميركية التي تحصل عليها بموجب معاهدة السلام مع إسرائيل، وأيضاً فإن استمرار دور مصر كوسيط لحل أزمة غزة يعزز من مكانة القاهرة في المنطقة، وهي تدرك ذلك».
تجدر الإشارة إلى أن مصادر قالت لـ«الشرق الأوسط» قبل أيام إن «القاهرة لا تتفاعل مع أي اتصالات مع إسرائيل على مستوى الرئاسة ولا الحكومة ولا الخارجية، والاتصالات فقط فيما يتعلق بالوفود الأمنية بشأن وساطة غزة، أو التنسيق الأمني المشترك المنصوص عليه في اتفاقية السلام».
ولم تعتمد القاهرة أوراق سفير جديد لإسرائيل منذ انتهاء مدة السفيرة الإسرائيلية السابقة في الربع الأول من عام 2024، كما استدعت مصر سفيرها من إسرائيل منذ عدة أشهر، ولم يعد إلى هناك حتى الآن.
معبر رفح البري مفتوح من الجانب المصري لكن من دون دخول المساعدات الإنسانية (تصوير: محمد عبده حسنين)
عضو «مجلس الطاقة العالمي»، الدكتور ماهر عزيز، قال إن «الدول تعلم جيداً أن الاقتصاد وعلى رأسه الطاقة عصب الحياة. ولأن الخلافات أمر ملازم لتلك الحياة؛ فمن ثم لا تجعل تلك الخلافات تؤدي لتعطيل الحياة، وأوضح الأمثلة على ذلك خلال الحرب العالمية الثانية، حين كانت ألمانيا تغزو فرنسا في حين يتصل مشغلو الشبكة الكهربية الموحدة فيهما من مركزَي التحكم في كل من البلدين ليتعاونا في تنسيق توزيع القوى الكهربية وسريانها بينهما، كأنما الشبكة الكهربية جزيرة معزولة عن الحرب والمتحاربين».
وذكر لـ«الشرق الأوسط» أنه «لذلك مهما تصاعدت التوترات بين مصر وإسرائيل، فلا تنعكس تلك التوترات على التعاون الاقتصادي والطاقي بينهما، بل يتعين أن تظل الطاقة خصوصاً بمنأى عن أي خلافات بينهما؛ لأنها أعلى من أي خلافات وأسمى من أي توترات سياسية».
في حين يرى أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة واين ستيت في ميشيغان بالولايات المتحدة، مصطفى يوسف، أن «التنسيق الأمني والاقتصادي وحتى السياسي على أعلى مستوى بين الجانبين المصري والإسرائيلي، وكل منهما يدرك أن هناك ضغوطاً من الرأي العام تدفع لتصريحات من هنا وهناك، لكن تلك التصريحات لا تُترجم في الواقع على صعيد العلاقات الرسمية بين البلدين». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «إسرائيل برغم كل شيء، ترى أنها تستفيد من استمرار التعاون الاقتصادي المصري معها في ظل العزلة الدولية وتحول إسرائيل إلى دولة منبوذة بسبب ما تفعله في قطاع غزة، وكذلك فإن الإدارة المصرية تستفيد».