في التاسع عشر من مايو (أيار) الماضي، نجحت قوة مستعربين إسرائيلية، أو ما تسمى بالقوات الخاصة، في اغتيال أحمد سرحان القيادي بـ«ألوية الناصر صلاح الدين»، الجناح العسكري لـ«لجان المقاومة»، في عملية خاطفة نفذتها في خان يونس، واختطفت فيها زوجته وطفلهما، قبل أن تفرج عن الطفل، فيما أبقت على الزوجة بمكان مجهول.
كانت هذه أول عملية «علنية» لقوة مستعربين تنفذ مهام مماثلة لتلك التي تجريها في الضفة الغربية ضد نشطاء فلسطينيين.
لكن غزة شهدت من قبل عمليات من قوات مماثلة، كانت تتبعها تعزيزات عسكرية كما يحدث في الضفة أيضاً؛ وهو ما حصل في عمليات لاستعادة مختطفين من داخل القطاع، ومن ذلك ما حدث في النصيرات في يونيو (حزيران) 2024، وفي رفح في فبراير (شباط) من ذلك العام.
فلسطينيون وسط الغاز المسيل للدموع خلال مظاهرة احتجاج، الجمعة الماضي، على مصادرة أرضهم في قرية رابا قرب جنين (رويترز)
أما العملية التي استهدفت القيادي في «ألوية الناصر صلاح الدين» فكانت من دون تعزيزات عسكرية، سوى تدخل طائرات مروحية ومُسيرة في تأمين انسحاب القوة بعد اكتشافها.
وتقول مصادر ميدانية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن القوات الإسرائيلية الخاصة كثفت في الأشهر الماضية نشاطها داخل قطاع غزة، ولعبت دوراً في تحديد أماكن معينة ومراقبتها، ورصد من يتحرك ويتنقل منها وإليها.
وقبيل ظهر الاثنين، تسللت قوة إسرائيلية خاصة، على بُعد بضع مئات من الأمتار من مكان انتشار آليات عسكرية، إلى محيط المستشفى الميداني التابع للصليب الأحمر في منطقة فش فرش شمال غرب مدينة رفح، وأطلقت النار على مجموعة من الأشخاص.
وتبين لاحقاً أن هذه القوة اختطفت مدير المستشفيات الميدانية في وزارة الصحة بغزة مروان الهمص، وقتلت المصور الصحافي تامر الزعانين الذي كان يعمل مع شخص آخر، أصيب بجروح خطيرة، على تصوير فيلم وثائقي عن عمل المستشفيات لصالح وكالات دولية، فيما أصيب إداري يعمل مع الهمص في وزارة الصحة.
مروان الهمص (رويترز)
وانسحبت القوة التي نفذت العملية باتجاه مكان وجود القوات الإسرائيلية في منطقة العلم غرب رفح، بعدما اختطفت الهمص، دون معرفة ما إذا كان أصيب، أو أنه اختطف من دون إطلاق النار عليه.
وتضاربت الأنباء عما إذا كان جميع أفراد القوة من المستعربين الإسرائيليين الذين بالعادة يتقنون الحديث بالعربية، أم أنهم عناصر من المجموعات المسلحة التابعة لياسر أبو شباب الذي تردد اسمه كثيراً بالقطاع في الأشهر القليلة الماضية، مع نشاط مجموعاته خاصةً في منطقة رفح التي تحتلها إسرائيل بشكل كامل.
مركبات عسكرية بأحد شوارع قباطية قرب جنين بالضفة الغربية في 17 يوليو 2025 (رويترز)
وحسب شهود عيان تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، كانت القوة التي نفذت العملية تستقل مركبة جيب مدني تحمل لوحة تسجيل فلسطينية، وأطلقت النار تجاه تجمع أشخاص (قبل أن تُعرف هويتهم)، واختطفت من بينهم شخصاً تبيَّن لاحقاً أنه الهمص.
والهمص مسؤول في وزارة صحة غزة التابعة لحكومة «حماس»، ومسؤول المستشفيات الميدانية فيها والناطق باسمها، وهو وصف وظيفي جديد ظهر خلال الحرب بفعل انتشار تلك المستشفيات، بينما كان سابقاً مسؤول مستشفى «أبو يوسف النجار»، وقد قُصف بيته في وقت سابق.
قد يهمك أيضًا: القسام: استهداف جرافة من طراز “دي 9” بعبوة “شواظ” في خان يونس
وأدانت وزارة الصحة بغزة اختطاف الهمص، معتبرةً الواقعة «سابقة خطيرة تمثل استهدافاً مباشراً لصوت المرضى والجوعى والمعذبين في قطاع غزة».
وقالت الوزارة في بيان: «إن هذا العمل الجبان الذي استهدف أحد أبرز الأصوات الإنسانية والطبية التي نقلت للعالم أوجاع الأطفال الذين يموتون جوعاً، وآلام الجرحى الذين يُحرمون من الدواء، وصرخات الأمهات أمام بوابات المستشفيات، يعكس نية مبيتة لإسكات الحقيقة، وحجب معاناة شعب بأكمله يعيش أبشع كارثة صحية وإنسانية».
واعتبرت الوزارة هذا الاعتداء «انتهاكاً خطيراً لحرية التعبير والعمل الإنساني»، وحمَّلت الاحتلال المسؤولية الكاملة عن سلامة الهمص، وطالبت بالإفراج الفوري عنه دون قيد أو شرط.
فلسطيني وسط سيارات أحرقها مستوطنون بقرية برقة شرق رام الله يوم 15 يوليو 2025 (أ.ف.ب)
والأسباب الحقيقية وراء اختطافه غير معروفة، إلا أن مصادر ميدانية قدرت أنه يأتي في إطار استهداف الطواقم الطبية ومحاولة خطف واعتقال مسؤولي المستشفيات، كما جرى مع مدير مستشفى «الشفاء» محمد أبو سلمية، ومدير مستشفى «كمال عدوان» حسام أبو صفية، لمحاولة معرفة مصير مختطفين إسرائيليين قد يكونون عولجوا في مستشفيات القطاع بعد إصابتهم في أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أو بعدها في عمليات قصف إسرائيلية بالقرب منهم.
تأتي هذه الحادثة بعد نحو عشرة أيام على قتل مسلحين مواطناً فلسطينياً يُدعى هيثم شمالي بمسدسات «كاتم صوت» في حي تل الهوى جنوب مدينة غزة.
وكان شمالي مهندس إلكترونيات واتصالات، ولم يتم التأكد من هوية قاتله. وأكدت بعض المصادر أنه كان ناشطاً في حركة «حماس»، ويجري حالياً التحقيق في ملابسات مقتله.
وكانت إسرائيل قد عملت في الأسابيع القليلة الماضية على اغتيال بعض المهندسين النشطين في «كتائب القسام»، الجناح المسلح لحركة «حماس»، ولكنها اغتالتهم عبر طائرات انتحارية استهدفتهم في عدة عمليات منفصلة.
مظاهرة في شوارع رام الله بالضفة الغربية يوم الاثنين تضامناً مع قطاع غزة (أ.ف.ب)
واستخدمت إسرائيل قوةً خاصةً في مجمع الشفاء الطبي في مارس (آذار) 2024، حين هاجمت ضابطاً كبيراً في حكومة «حماس» وقتلته آنذاك، وهو فائق المبحوح مدير عمليات جهاز الأمن الداخلي.
وقالت المصادر الميدانية لـ«الشرق الأوسط»، إن القوات الإسرائيلية الخاصة عملت بمساعدة متخابرين على محاولة مراقبة منازل ومبانٍ لمحاولة معرفة المترددين عليها.
وأضافت أنه أمكن ضبط هؤلاء المتخابرين الذين اعترفوا بذلك، واتُخذت بحقهم إجراءات «ميدانية» بعد التحقيق معهم.
وقالت المصادر إن تلك القوات زرعت كاميرات وأجهزة تنصت، بهدف التجسس وتتبع تحركات النشطاء والمواطنين وبعض الأماكن، من ضمنها مستشفيات، وإنه أمكن كشف الكثير من تلك الأجهزة مؤخراً.
وذكرت المصادر أن هناك متابعة حثيثة من قِبل أمن «كتائب القسام» وجهاز استخباراتها لأنشطة القوات الخاصة بالقطاع، وأنه صدرت تعليمات حازمة لنشطاء الفصائل بالانتباه واليقظة وحمل أسلحتهم الخفيفة وقنابل يدوية لمواجهة أي خطر من تلك القوات.