في ظل حصار إسرائيلي شبه كامل، يواجه أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزّة – بينهم نحو مليون طفل – مجاعة متفاقمة ويائسة. ووفقاً للأمم المتحدة، فإن نحو شخص واحد من كل ثلاثة في غزة يمرّ بأيام عدّة دون تناول أي طعام. وتسجّل المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل في القطاع ارتفاعاً في عدد الوفيات الناتجة من سوء التغذية والمجاعة. تظهر الصور ومقاطع الفيديو الواردة من غزة أطفالاً نحيفين للغاية، جلودهم مشدودة فوق عظامهم وبطونهم منتفخة من شدة الجوع.
منذ أشهر، تحذّر المنظمات الإنسانية من خطر وشيك للمجاعة، في ظل تشديد إسرائيل للقيود على دخول إمدادات الأمم المتحدة إلى غزة. وقد أصدرت أكثر من 100 منظمة إنسانية بياناً مشتركاً الأربعاء وصفت فيه الوضع بأنه «مجاعة جماعية». ووفقاً لوزارة الصحة في غزة، التابعة لحركة «حماس»، فقد توفي أكثر من 100 شخص بسبب الجوع منذ بداية الحرب، وتُسجّل وفيات جديدة يومياً، وفق تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية.
ومع تفشي الجوع، تظهر الآثار المدمّرة على جسم الإنسان. وكلما كان الشخص أصغر سناً، كان الضرر أسرع وأعمق، حسب صحيفة «واشنطن بوست».
يعتمد الجسم على الكربوهيدرات لتحويلها غلوكوزاً، الذي يُعالَج في الكبد ويوزّع على أنحاء الجسم، خصوصاً الدماغ.
وبعد استنفاد مخزون الغلوكوز، يبدأ الجسم في الاعتماد على الدهون مصدراً للطاقة.
نعيمة أم فلسطينية تجلس مع ابنها يزن البالغ من العمر عامين والذي يعاني سوء التغذية في منزلهما المدمر في مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة 23 يوليو 2025 (أ.ف.ب)
لكن عندما لا يحصل الجسم على الغذاء الكافي، فإنه يبدأ في تفكيك البروتين من العضلات للحصول على الطاقة؛ ما يؤدي في النهاية إلى عجز الجسم عن إيصال العناصر الغذائية الأساسية إلى الأعضاء والأنسجة الحيوية. ويحدث هذا للأطفال بوتيرة أسرع، بسبب قلة مخزونهم واحتياجهم المرتفع للطاقة من أجل النمو.
نتيجةً لذلك، تبدأ العضلات الانكماش، وتفشل الأعضاء في أداء وظائفها بشكل طبيعي؛ فلا يعود الجسم قادراً على تنظيم حرارته، ويصبح الجلد شاحباً، وقد نزف من اللثة. الجهاز المناعي يفقد قدرته على لأم الجروح ومحاربة العدوى، مثل الإسهال؛ ما يؤدي إلى حلقة مفرغة تفاقم نقص المغذّيات.
الجهاز الهضمي من أول الأجهزة التي تتوقف عن العمل، فيتراجع إنتاج الأحماض في المعدة، وتحدث التهابات مزمنة، وتنكمش المعدة، ويفقد الإنسان شهيته. وإذا توافر الطعام لاحقاً، فيجب تقديمه ببطء وتحت إشراف طبي داخل المستشفيات.
يتقلّص القلب؛ ما يؤدي إلى انخفاض تدفق الدم، وتباطؤ في نبضات القلب، وانخفاض في ضغط الدم. وفي نهاية المطاف، قد يتوقف القلب عن العمل.
اقرأ ايضا: نيوم يعزز صفوفه بلاعب شباب الاتفاق نواف الجناحي
يتباطأ التنفس وتضعف قدرة الرئتين، وقد يؤدي ذلك في النهاية إلى فشل في الجهاز التنفسي.
ومع حرمان الدماغ من الطاقة والمغذيات الأساسية، تظهر علامات اللامبالاة والإرهاق والانفعال. الأطفال يحتاجون إلى طاقة أكثر من البالغين لنمو أدمغتهم؛ ما يجعلهم أكثر عرضة لآثار نقص الغذاء ويعيق قدرتهم على التعلم في المستقبل.
ويقول الأطباء وخبراء التغذية إن الأطفال الذين ينجون من الجوع والقصف والأمراض المعدية والصدمات النفسية، غالباً ما يُحكم عليهم بمواجهة مشاكل صحية طوال حياتهم. فالمجاعة تُعيق تطوّر أدمغتهم وأجسادهم بشكل كامل، وسيكون كثيرون منهم أقصر قامة وأضعف بنية.
حتى الرضّع الذين ينجون، فهم معرّضون لمخاطر شديدة بسبب سوء التغذية.
العناصر الدقيقة (الفيتامينات والمعادن) أساسية للنمو. فمثلاً، في غياب كمية كافية من فيتامين «أ» – الموجود في البيض والسمك والخضراوات – يكون الأطفال في غزة عرضة لتدهور البصر.
نقص الزنك يجعل من الصعب على الأطفال زيادة وزنهم.
قلة الحديد، المتوفّر بشكل أسهل في اللحوم، تؤدي إلى فقدان الطاقة وضعف القدرة على التركيز.
الأطفال الذين لا يحصلون على الفيتامينات والمعادن الأساسية، تصبح مناعتهم أضعف، فيصبحون أكثر عرضة للعدوى مثل الإسهال والالتهاب الرئوي والحمّى.
سوء التغذية قد يعيق النمو الجسدي أيضاً على المدى الطويل.
وقد أشارت إسرائيل، الجمعة، إلى أنها ستسمح للدول الأجنبية بإسقاط مساعدات من الجو إلى قطاع غزة، وفق ما نقلته إذاعة الجيش الإسرائيلي. لكنّ هذا النوع من المساعدات غير كافٍ بتاتاً لسكان غزة: فكل طائرة لا تحمل سوى كمية أقل من حمولة شاحنة واحدة تدخل من البر، كما أن هذه الإسقاطات الجوية تُشكّل خطراً على الأشخاص الموجودين على الأرض، وفق تقرير «واشنطن بوست».