ليس مستغرباً أن يتصدر الفيلم السعودي «الزرفة» شباك التذاكر المحلي في أسبوعه الأول، محققاً إيرادات 9 ملايين ريال، لكن المفاجأة كانت في حجم الحشود الغفيرة التي ملأت الصالات في العروض الخاصة بمشاركة نجوم العمل، في الرياض وجدة والشرقية والمدينة المنورة.
وحضرت «الشرق الأوسط» أحد هذه العروض حيث اجتمع المئات من الشبان الصغار وطلاب المدارس أمام دور السينما، ليس فقط لمشاهدة الفيلم، بل لمحاولة لقاء أبطاله والتقاط الصور معهم خلال العروض الخاصة التي أقيمت هذا الأسبوع، ونفدت تذاكرها بالكامل، في أجواء أعادت إلى الأذهان النجاح الجماهيري الكبير لفيلم «سطّار» الذي ما زال يتربع على صدارة الأفلام السعودية الأعلى إيراداً.
ومن اللقطة الأولى في الفيلم، يبدو واضحاً أن «الزرفة» كُتب وصُنع خصيصاً لهؤلاء الشبان الصغار الذين يعيشون على إيقاع «الترند» ومقاطع السوشيال ميديا بكل ما فيها من خفة وارتجال وسخرية، إذ إن نص الفيلم يمتلئ بالنكات المستلهمة من المزاج الشعبي للإنترنت، مع إيقاع سريع وأحياناً عشوائي، حتى يكاد لا يمنح المشاهد فرصة لالتقاط أنفاسه أو التساؤل عن مسار الحكاية، وربما كانت هذه هي الوصفة السحرية التي اعتمد عليها صناع الفيلم للوصول إلى جمهوره المستهدف.
تدور الحبكة بالكامل تقريباً داخل السجن، بعد أن تم القبض على الأصدقاء الثلاثة حمد (أحمد الكعبي) وسند (حامد الشراري) ومعن (محمد شايف)، وذلك أثناء محاولتهم سرقة عقد ذهبي ثمين يُعرف بـ«الرشرش»، تصل قيمته إلى ملايين الريالات.
وبين جدران السجن، يواجه الثلاثي الكوميدي سلسلة مواقف عبثية مع شخصيات ساخرة، أبرزها أبو ربيعة، الرجل مفتول العضلات، الذي يتحول تدريجياً من مصدر تهديد وخوف إلى صديق مقرب لهم في سلسلة من المواقف الطريفة.
في المقابل، يقدّم الممثل خالد العبد العزيز شخصية جديدة على السينما السعودية من خلال دور مدير سجن الجفرة المستبد (أبو حامد)، الذي يخلط بين السلطة والتلاعب النفسي بالمساجين، وبأسلوبه المزاجي، يُجند معن جاسوسا ينقل له ما يحدث بين السجناء، عبر كوميديا تجعل المشاهد لا يستطيع التنبؤ بردة فعل أبو حامد تجاه ما يفعله السجناء في هذا السجن العبثي.
قد يهمك أيضًا: «الاتحاد» يعزز صفوف سيداته بالجزائرية لينا بوساحة
أما الممثل إبراهيم الخيرالله فيُقدّم دوراً ساخراً في شخصية التاجر البرجوازي المحتال عبد اللطيف الهنهوني، الذي اشتهر لفساده في سوق الأسهم بلقب «الحوت»، وبعد مجموعة مشاريع يحاول عبد اللطيف ركوب موجة السينما وصناعة فيلم يستعيد من خلاله أمجاد أجداده، ويظهر في الفيلم وهو يستقطب الممثل العالمي روبرت نبر لدور البطولة، معتقداً أن المال وحده كفيل بصناعة الفن.
يعزف «الزرفة» على وتر الحنين أو النوستالجيا لجذب جمهوره ممن هم في منتصف العمر، من ذلك إدخال أغنية «يا علي صحت بالصوت الرفيع» التي غنّاها الفنان الشعبي سلامة العبد الله ولقيت رواجاً واسعاً في السعودية في مطلع الثمانينات.
كذلك يعيد الفيلم العبارة الشهيرة التي قالها الممثل السعودي الراحل محمد العلي «كل السلق إللي في الشعيب يطلعون»، في مسلسل «عودة عصويد» الذي عُرض في التلفزيون السعودي منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وهي عبارة تعني أن على الضعفاء والجبناء أن يخرجوا للمشاركة في أمر ما.
وفي صالة العرض، كان الجمهور حاضراً بقوة؛ ضحكات عالية، وصفوف من المنتظرين لالتقاط الصور مع الممثلين، ووجوه مذهولة من فكرة أن أبطال «الترند» أصبحوا نجوماً على الشاشة الكبيرة. وربما هذا التفاعل الجماهيري يعكس وعي صُنّاع الفيلم بجمهورهم المستهدف، وقدرتهم على استثمار شعبيتهم في وسائل التواصل الاجتماعي لتعبئة الصالات وجعل العروض الخاصة تجربة بحد ذاتها.
ورغم أن «الزرفة» لا يعد بأكثر من أمسية خفيفة مليئة بالضحك، فإنه يفي بهذا الوعد، ويقدم للمتفرجين ما يتوقعونه منه دون أي أحداث درامية منطقية، حيث لا وجود للمنطق في «الزرفة» الذي يجعل من السجناء أحراراً يمارسون التمثيل في الصحراء أثناء النهار، ثم يعودون لقيود الزنزانة ليلاً، دون أن يقدم أي سياق مُبرر لذلك.
فيلم «الزرفة» من إنتاج استوديو «الشميسي» للأفلام و«استوديوهات تلفاز11» بالشراكة مع «بيغ تايم فاند»، وإخراج عبد الله ماجد، وبإشراف تنفيذي لكل من إبراهيم الخير الله، علي الكلثمي، علاء فادن، وفريق «بيغ تايم،» بينما كتب السيناريو إبراهيم الخيرالله ومحمد القرعاوي.
واستغرق تصوير الفيلم 32 يوماً في 10 مواقع داخل العاصمة الرياض، مع طاقم تمثيلي كبير ضم بالإضافة إلى الأبطال الأساسيين، كلاً من أضوى بدر وفهد المطيري وزياد العمري. كما سجل الفيلم ظهوراً قصيراً للممثل محمد الدوخي الذي أدى مشهداً ساخراً استلهم شخصيته من دوره السابق في فيلم «مندوب الليل».