ما بين العودة من الموت إلى المنافسة على الكرة الذهبية، كان هانز فليك الرجل الذي يمكنه أن يجعل ذلك الأمر حقيقة، والأمثلة كثيرة، يُريد ماركوس راشفورد أن يكون من بينها.
في كرة القدم هناك العديد من المدارس التدريبية، ولكن الاهتمام بشكل أكبر بتطوير مستوى اللاعب، لا يوجد أفضل من هانز فليك خلال السنوات القليلة الماضية، وربما منذ دخول الألماني عالم التدريب.
أيام قليلة ويُعلن برشلونة عن تعاقده بشكل رسمي مع ماركوس راشفورد من مانشستر يونايتد على سبيل الإعارة، وهي فرصة للإنجليزي من أجل العودة للواجهة.
راشفورد الموهبة الضائعة في مسرح الأحلام، قبل الحديث عن ما قدمه فليك أو ما سيقدمه لماركوس راشفورد، والأمثلة التي أكدت بأن فليك يستطيع إعادة إحياء مسيرة العديد من اللاعبين، فالسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا حدث لـ ماركوس راشفورد؟
في 25 فبراير 2016، استضاف مانشستر يونايتد نظيره ميتلاند الدنماركي، في إياب ملحق دور الـ16 لبطولة دوري أبطال أوروبا، بعد الهزيمة ذهابًا بهدفين مقابل هدف.
لويس فان جال، المدير الفني الهولندي للشياطين الحمر حينذاك، عانى من الإصابات في صفوف المهاجمين، بغياب واين روني وأنتوني مارسيال، ليدفع بلاعب شاب يبلغ من العمر 18 عامًا.
اللاعب هو ماركوس راشفورد، يشارك لأول مباراة في تاريخه مع مانشستر يونايتد، وأساسيًا في ملعب أولد ترافورد “مسرح الأحلام”.
يتأخر الشياطين الحمر في النتيجة بهدف، ويصبح مطالبًا بتسجيل ثلاثية، وينتهي الشوط الأول 1-1.
في الشوط الثاني، ينفجر راشفورد، ويسجل هدفين خلال 12 دقيقة، ويعيد الآمال للشياطين الذين تمكنوا من الفوز 5-1 والتأهل إلى دور الـ16.
بعد تلك المباراة بثلاثة أيام، يستضيف مانشستر يونايتد نظيره آرسنال في الدوري الإنجليزي بملعب أولد ترافورد، وفاز الشياطين 3-2 في مباراة مثيرة، وكان نجمها الأول هو راشفورد، الذي سجل هدفين وصنع آخر.
انطلاقة ماركوس المثالية في الظروف الصعبة لمانشستر يونايتد، جعلته ينهي الموسم بـ8 أهداف وصناعة هدفين في 18 مباراة شارك فيها.
وكانت المفاجأة بانضمامه إلى قائمة المنتخب الإنجليزي للمشاركة في يورو 2016، تحت قيادة روي هودجسون، وشارك في مباراتين.
في الموسم التالي ومع قدوم جوزيه مورينيو، أصبح ماركوس راشفورد لاعبًا أساسيًا، وبدأ الاعتماد عليه رغم التعاقد مع زلاتان إبراهيموفيتش وتواجد واين روني.
بعد ذلك تحوّل راشفورد إلى جناح، مع انضمام روميلو لوكاكو، وقدم مستوى ممتازًا أيضًا وكانت أرقامه تتطور وأصبح لا غنى عنه في تشكيل منتخب إنجلترا أيضًا.
في موسم 2018-2019 حصل ماركوس راشفورد على الرقم 10، وكان أحد أبرز نجوم الدوري الإنجليزي، مما جعل ريال مدريد وبرشلونة يتنافسان على ضمه.
قبل بداية موسم 2019-2020، مدد راشفورد عقده حتى 2023، وتحسن راتبه وأصبح من اللاعبين أصحاب الرواتب المرتفعة في الشياطين الحمر لكنه ليس الأغلى، وكان أفضل مواسمه حينها.
مع مرور الوقت أصبح ماركوس راشفورد لاعبًا مؤثرًا وليس فقط داخل الملعب، ولكن مساعداته الإنسانية في الجمعيات الخيرية ومبادراته من أجل مساعدة الأطفال جعلته أحد نجوم إنجلترا، ليحصل على الدكتوراه الفخرية ووسام الإمبراطورية، وتم تكريمه من قبل الملكة إليزابيث.
في موسم 2022-2023 وتحت قيادة إيريك تين هاج، تمكن راشفورد من الانفجار وأعاد نفسه للواجهة، بعدما سجل 17 هدفًا وصنع 5 في الدوري الإنجليزي، ليعود ذلك اللاعب الذي كان في 2020 نجم الشياطين.
وفي 2023، أصبح راشفورد يحصل على 18.59 مليون يورو سنويًا، وما يتخطى 400 ألف أسبوعيًا، ليكون ثاني أغلى راتب في مانشستر يونايتد بعد كاسيميرو، والثامن في الدوري الإنجليزي.
ومن هُنا، خفت نجم راشفورد، لم يعد هو اللاعب الذي اعتاد عليه جمهور مسرح الأحلام، ولكنه لم يتلقَ الانتقادات الكبيرة مثل غيره باعتباره إنجليزيًا، رغم أنه لم يسجل سوى 8 أهداف وصنع 3 في أكثر من 40 مباراة بالموسم الماضي.
مع بداية الموسم الماضي، واصل راشفورد التراجع، ولم يعد اللاعب المؤثر، مما جعل روبن أموريم يتخذ قرارًا بفتح باب الرحيل أمام المهاجم الإنجليزي.
ذلك القرار أثار الجدل في أوساط الكرة الإنجليزية، وبين ليلة وضحاها، وجد الجميع بأن ماركوس وصل لسن الـ27، لكنه لم يقدم ما ينتظره منه جماهير مانشستر يونايتد، ولم يحقق سوى كأس الاتحاد والرابطة والدوري الأوروبي، والدرع الخيرية.
عدم التزام راشفورد وعقوباته مؤخرًا، بالإضافة لتراجع مستواه الفني والبدني، جعل أموريم يتخذ القرار، ليستعيد اللاعب جزءًا من بريقه في 6 أشهر قضاها مع أستون فيلا.
لطالما تحدث ماركوس راشفورد عن برشلونة، وارتبط في الكثير من الأوقات بالانضمام إلى النادي الكتالوني، ولكن بقرار مُفاجئ، بعدما فشلت صفقة انتقال نيكو ويليامز للبلوجرانا، وابتعد لويس دياز، ظهر ماركوس.
حلم برشلونة يتحقق للمهاجم الإنجليزي، وتحت قيادة هانز فليك، المدرب الألماني الذي اعتاد مساعدة النجوم في العودة من الموت كرويًا، وإعادة إحياء المسيرة أصبحت هوايته المفضلة.
العديد من الأمثلة تؤكد بأن فليك المدرب المثالي في الوقت الحالي لـ ماركوس راشفورد.
في 2019، تولى هانز فليك قيادة بايرن ميونخ بشكل مؤقت خلفًا للمدرب الكرواتي نيكو كوفاتش، حيث كان مساعده في ملعب أليانز أرينا، قبل أن تجدد إدارة البافاري الثقة فيه.
خلال فترة تواجده مع بايرن ميونخ، وفي موسمه الأول فقط، حقق فليك الثلاثية “الدوري الألماني، كأس ألمانيا، دوري أبطال أوروبا”.
تصفح أيضًا: ملخص وأهداف مباراة تشيلسي وباريس سان جيرمان في نهائي كأس العالم للأندية
كان بايرن ميونخ هو الفريق المُهيمن على كرة القدم في العالم، ويكفي القول والتذكير، باكتساح برشلونة بالثمانية في أغسطس 2020.
أبرز النجوم في فترة فليك، كان المخضرم سيرجي جنابري، الذي كان قد بدأ تألقه مع بداية ذلك الموسم تحت قيادة كوفاتش، لكنه انفجر تحت قيادة فليك.
الجناح الألماني رغم أنه بدأ في عام 2018 مع بايرن ميونخ، إلا أنه لم يكن مؤثرًا، مثلما كان في أرسنال وتسبب ذلك في رحيله إلى فيردر بريمن مقابل 5 ملايين يورو.
جنابري مع فليك تحوّل لأحد أخطر اللاعبين في العالم، سواء على مستوى الجناح أو صانع الألعاب، وأحيانًا كان يتحول لمهاجم ثانٍ بجانب روبرت ليفاندوفسكي.
ومع نهاية الموسم، كان يرشحه البعض للفوز بالكرة الذهبية والمنافسة عليها، كذلك الصحف الألمانية والعالمية، ولكن في ذلك الموسم تم حجب الجائزة، بسبب تفشي فيروس كورونا.
في صيف 2019، تخلّص برشلونة من كوتينيو الذي لم يعد اللاعب الذي قاتلوا من أجله، وانضم إلى بايرن ميونخ على سبيل الإعارة، ليحقق الثلاثية مع العملاق البافاري، ويسجل في الثمانية التاريخية.
كان كوتينيو في أغلب الأحيان لاعب بديل، لكنه كان مؤثر مع فليك، وربما يكون هذا الأداء هو الأفضل للاعب البرازيلي، منذ رحيله عن ليفربول في يناير 2018.
عندما وصل فليك إلى برشلونة، جاء إلى فريق يفتقد هويته، لا يثق في نفسه، ويعاني من تراجع في مستوى أغلب لاعبيه، بعد موسم صفري تحت قيادة تشافي هيرنانديز.
يصل فليك، ويُعيد ترتيب البيت، ويصل لنهاية الموسم وهو بطل الثلاثية المحلية “الدوري، الكأس، السوبر الإسباني”، ويخرج من نصف نهائي دوري أبطال أوروبا بصعوبة ضد إنتر ميلان.
لم يكن لفليك أن يفعل ذلك، إلا بتطوير عدد كبير من اللاعبين، وتحويل مسيرة بعض الذين كانوا على أعتاب الخروج، بل وتطالب الجماهير برحيلهم.
أبرز هؤلاء، كان رافينيا الجناح البرازيلي، الذي كان يحاول برشلونة تسويقه ويسعى لرحيله في أقرب فرصة للاستفادة المادية، وتم عرضه على الدوري السعودي.
كان اللاعب بالفعل يُفكر في الرحيل، حسب ما أكّد بنفسه في تصريحات إعلامية، ولكن عندما جاء فليك، أخمد تلك النيران، وحوّل رافينيا إلى جناح مثالي.
قبل مجيء فليك، لعب رافينيا في مركز الجناح الأيمن وصانع الألعاب وكذلك المهاجم الثاني مع تشافي، ولكنه لم ينجح في كل هذه المراكز.
ومع وصول هانز، بدأ رافينيا كصانع ألعاب في ظل غياب داني أولمو بسبب عدم تسجيل عقده، ومن ثم تحوّل إلى جناح أيسر، ومن هُنا، بدأ رافا رحلته في دك شباك الخصوم.
الأرقام مجرد دليل، حتى وإن كانت تُشير إلى أن البرازيلي كان أكثر اللاعبين مساهمة في الأهداف مع هانز فليك. ولكن ما حدث في الملعب كان أكبر بكثير من أرقام تهديفية، فقد كان رافينيا قائدًا بمعنى الكلمة، وتحول إلى لاعب حسم، خاصة في المباريات الكبرى والصعبة.
سجل رافينيا بالقدم اليمنى واليسرى والرأس، ولعب في 3 مراكز مختلفة، وقدم مستويات استثنائية، وتحول من لاعب منبوذ يسعى برشلونة لرحيله، إلى مرشح قوي للفوز بالكرة الذهبية.
كل هذا كان بتأثير مباشر من هانز فليك، الذي طوّر من البرازيلي وجعله جناحًا قُطريًا لا يعتمد على اللعب بطول الملعب فقط، ويستغل المساحات التي يتركها ليفاندوفسكي أفضل استغلال.
اللاعب الإسباني قبل تعاقد برشلونة مع هانز فليك، كان يتعرض لهجوم كبير من جماهير النادي الكتالوني، في ظل إهداره للعديد من الفرص، وعدم جدارته بأن يكون البديل المناسب لـ روبرت ليفاندوفسكي.
مع وصول المدرب الألماني، تحوّل اللاعب الإسباني، وأصبح بديلًا مناسبًا، وفي وقت غياب روبرت ليفاندوفسكي، كان يظهر في المواعيد الحاسمة، خاصة في الفترة الأخيرة من الموسم الماضي 2024-2025.
وأنهى فيران توريس بطولة كأس ملك إسبانيا هدافًا لها، وأعاد برشلونة في المباراة النهائية ضد ريال مدريد بهدفه القاتل.
ليس فقط على المستوى الهجوم، ولكن كذلك بالنظر للدفاع، سنجد بأن إينييجو مارتينيز تطور كثيرًا مع المدرب هانز فليك، وأعاد اكتشاف نفسه، بعد موسم مُخيب مع تشافي.
اللاعب الإسباني بعدما انضم من أتلتيك بلباو، كان بديلًا لأراوخو وكريستنسن، وحتى في ترتيبه بعد الشاب باو كوبارسي، لكنه في الموسم الماضي، كوّن ثنائية مع الأخير تحت قيادة فليك.
أرقام إينييجو مارتينيز الدفاعية أيضًا كانت دليلًا على استمراريته تحت قيادة الألماني، وثقة فليك بوجوده لتأمين شباك البلوجرانا.
مع فليك، ستكون ربما هذه الفرصة الأخيرة للاعب الإنجليزي، خاصة وأنه اللاعب الذي يناسب فلسفة هانز فليك باعتماد الألماني على الجناح القُطري بالدخول للعمق واستغلال المساحات.
ودائمًا ما كُنا نجد لامين يامال ورافينيا في منطقة الجزاء عندما يترك لهم ليفاندوفسكي المساحة، ومع إصابة البولندي، تأثر مستوى رافينيا تحديدًا في نهاية الموسم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن راشفورد من الأساس لاعب مهاجم، وتحوّل إلى جناح في سنواته الأخيرة في مانشستر يونايتد، مما يجعله أيضًا يُعطي عمقًا في هجوم البلوجرانا.
المرونة التكتيكية التي يمتلكها راشفورد، ستجعله قادرًا على اللعب كمهاجم أو مهاجم ثانٍ، أو جناح أيسر، خاصة وأن إصابات داني أولمو المتكررة تجعل فليك يدفع بـ رافينيا أحيانًا كصانع ألعاب، مما يُعطي الفرصة لماركوس.
إذًا، الكرة الآن في ملعب راشفورد، وعليه أن يستغل الفرصة جيدًا من أجل إقناع فليك بشراء عقده من مانشستر يونايتد، وتحقيق حلمه بأن يكون مهاجم برشلونة، لأن في عمر الـ27، لا يمكن أن تُهدر الفرصة مجددًا للاعب الإنجليزي.