بعد طول انتظار ونقاشات متعددة، دخل القانون المتعلق بالعقوبات البديلة، رسمياً، حيز التنفيذ في المغرب، ليفتح الباب أمام القضاء لاستبدال بعض العقوبات السالبة للحرية بواسطة تدابير جديدة، تراعي إعادة الإدماج في المجتمع، وتخفيف الاكتظاظ داخل السجون. لكن هذا القانون يثير جدلاً ومخاوف جمعيات ومنظمات حقوقية.
رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش (ماب)
ويؤسس هذا القانون المنشور في الجريدة الرسمية قبل عام أيضاً لرؤية جديدة للعدالة، تقوم على الإصلاح بدلا من الاقتصار على العقاب، ويقدم لأول مرة بدائل متنوعة، مثل العمل للمنفعة العامة، والمراقبة الإلكترونية. كما يستهدف وضع مقاربة مختلفة في التعامل مع المخالفات والجنح. وبينما يمنح النص الجديد القضاة صلاحيات واسعة لاستبدال عقوبات السجن بواسطة بدائل، مثل الغرامات أو العمل لأجل المنفعة العامة، تخشى جمعيات حقوقية أن يؤدي هذا التوجه إلى إضعاف الردع في بعض القضايا. ويرى حقوقيون أن نجاح القانون من عدمه سيتوقف على طريقة تطبيقه دون الإضرار بالضحايا، كما عبّروا عن خشيتهم من أن تتحول هذه البدائل إلى ثغرة قانونية. وقال الناشط الحقوقي والخبير القانوني، سعيد الطالبي: «نحن بصفتنا محامين لا نعد مصطلح العقوبات مصطلحاً سليماً من الناحية القانونية، على أساس أن ما جاء به المشرع يُعد تدابير بديلة للعقوبات السالبة للحرية، فيما يتعلق ببعض الجرائم الجنحية. والسؤال المطروح هو هل ستسهم هذه العقوبات في التخفيف من اكتظاظ السجون، خصوصاً وأن هناك من ارتكب جرائم بالخطأ».
وأضاف الطالبي موضحاً: «المشكلة في نظري تتعلق بمدى تحقيق هذه العقوبات البديلة، على قول المشرع، للعدالة الجنائية، لأنه للأسف الشديد هذه العقوبات لم تراع في حد تنزيلها دور الضحية، وجبر تلك الضحية، التي تكون طرفاً أصيلاً في نزاع جنحي، مقابل متهم قد يستفيد إما من المراقبة الإلكترونية، وإما من الخدمة العامة أو من الأداءات اليومية».
ترى بعض الأطر الأمنية أن التدابير التي يقدمها القانون الجديد ستسهم في إعادة إدماج الجناة بالمجتمع (أ.ف.ب)
اقرأ ايضا: نائب مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة: روسيا مهتمة بتحسين الوضع في سوريا
وترى الحكومة المغربية وبعض الأطر الأمنية أن التدابير التي يقدمها القانون الجديد ستسهم في إعادة إدماج الجناة بالمجتمع، وتخفيف الاكتظاظ داخل السجون، إضافة إلى تقليص التكلفة الاقتصادية المرتبطة بعمليات الاعتقال. ورحب الرئيس السابق للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، عبد الرزاق بوغنبور، بالقانون الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ منذ 22 أغسطس (آب) الحالي، مؤكداً أنه سيفيد من لم يرتكب «أخطاء جسيمة»، وسيساعد على خطة إعادة الإدماج في المجتمع. وقال موضحاً: «هو قانون كنا ننتظره على أساس أنه جاء تبعاً لتوصيات سابقة، ذات صبغة جمعوية أو مؤسساتية، ونحن من بين المساهمين في إعداد هذا القانون. وهو على الأقل يسمح لفئة معينة من المغاربة، الذين صدرت بحقهم أحكام (سجن) تقل عن خمس سنوات، من الاستفادة منه لاعتبارات معينة، أولها أنهم لم يرتكبوا أخطاء جسيمة تتطلب عقوبات سجن مشددة. والجانب الثاني، أنه يدخل في إطار السياسة الجنائية، التي ترتبط بضرورة عدم الحكم بأحكام مشددة على هؤلاء الأشخاص».
واجهة المحكمة الدستورية في المغرب (متداولة)
وأضاف بوغنبور قائلاً: «هناك جانب آخر للموضوع، وهو أنه يدخل في إطار إعادة الإدماج الاجتماعي، وهو الهدف الذي تسعى إليه مؤسسات السجون في المغرب وإعادة الإدماج. هذه الفئة تستفيد إما من الخدمة في إطار المنفعة العامة، وإما الجانب الثاني المتعلق بالأداء اليومي عن المحكومية، ثم الجانب الثالث، هناك من يضع السوار الإلكتروني».
وحدد القانون مبلغ الغرامة اليومية بين 100 و2000 درهم عن كل يوم من عقوبة الحبس، مع إلزام المحكمة بأن تراعي في تحديدها الوضع المالي للمحكوم عليه أو ذويه. إضافة إلى أعبائه الأسرية، وخطورة الجريمة وطبيعة الضرر المترتب عليها. من جهته، قال المواطن إدريس العيساوي: «أعتقد أن المجتمع المدني المغربي حريص على أن تكون هذه العقوبات قابلة للتنفيذ، وقابلة كذلك للحد من كل المخاطر التي يمكن أن تلحق بالمجال الاقتصادي والاجتماعي المغربي».
وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي (ماب)
ويتيح القانون الجديد أيضاً للمحكمة استبدال عقوبة الحبس بواسطة العمل لفائدة المنفعة العامة، بشرط أن يكون المحكوم عليه قد بلغ 15 عاماً على الأقل، مع اشتراط أن يتوافق العمل، قدر الإمكان، مع جنس وسن ومهنة، أو مؤهلات المحكوم عليه، مع إلزامه بإنجاز هذه العقوبة خلال فترة لا تتجاوز 6 أشهر من تاريخ صدور الحكم، مع إمكانية التمديد مرة واحدة لمدة مماثلة.