أضافت إسرائيل في خضم الإعلان عن إقرار خطتها لاحتلال كامل قطاع غزة، 5 قواعد لإنهاء الحرب المتصاعدة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بينها نزع سلاح حركة «حماس» وإقامة إدارة مدنية غير تابعة للسلطة الفلسطينية، وهو ما عدَّته الحركة «انقلاباً على المفاوضات» المتعثرة منذ أواخر يوليو (تموز) الماضي.
تلك الخطوة التي لاقت انقساماً بين الوسطاء بين تأييد أميركي لحليفتها إسرائيل ورفض مصري، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تصعب من مهمة الوسطاء وتضع الجميع أمام سيناريوهين الأول، أن تلك الخطة ورقة ضغط تفاوضية إسرائيلية للعودة للمفاوضات المجمدة بمكاسب أكبر وتنازلات من «حماس»، والثاني انهيار قد يطول للمحادثات.
وبعد أسبوعين من تعليق مفاوضات للهدنة منذ أواخر يوليو الماضي، عقب انسحاب أميركي – إسرائيلي للتشاور، أقر مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي، ليل الخميس – الجمعة، خطة طرحها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو لاحتلال غزة، وخمس قواعد لإنهاء الحرب تتمثل في «نزع سلاح (حماس)، وإعادة جميع الأسرى – أحياء وأمواتاً، ونزع سلاح قطاع غزة، والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على قطاع غزة، وإقامة إدارة مدنية بديلة لا تتبع (حماس) ولا السلطة الفلسطينية».
وفي إسرائيل، أعلن منتدى عائلات الرهائن في بيان أن هذا الموقف الإسرائيلي الجديد «يعني التخلي عن الرهائن (المقدرين بـ 49 داخل القطاع، بينهم 27 تقول إسرائيل إنهم لقوا حتفهم)، وعدّه زعيم المعارضة، يائير لابيد، عبر «إكس»، «كارثة ستؤدي لقتل الرهائن والعديد من الجنود، وتكلفة لدافعي الضرائب الإسرائيليين بمليارات الدولارات».
ورأت «حماس» في بيان أنّ ما طرحه نتنياهو «سعي للتخلص من أسراه من أجل مصالحه الشخصية وانقلاب صريح على مسار المفاوضات»، مشددة على أن «أي توسيع للعدوان على شعبنا لن يكون نزهة، بل سيكون ثمنه باهظاً ومكلفاً على الاحتلال وجيشه». وأكدت أنها قدمت «كل ما يلزم من مرونة وإيجابية لإنجاح جهود وقف إطلاق النار، ولن تألو جهداً في اتخاذ كل الخطوات التي تمهّد الطريق للتوصل إلى اتفاق، بما في ذلك الذهاب نحو صفقة شاملة للإفراج عن جميع أسرى الاحتلال دفعة واحدة، بما يحقق وقف الحرب وانسحاب قوات الاحتلال».
أطفال فلسطينيون يصطفون لتلقي وجبة ساخنة في نقطة توزيع طعام في النصيرات (أ.ف.ب)
وتحدث استطلاع رأي نقلته صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، الجمعة، عن أن 57 في المائة من الإسرائيليين يؤيدون «صفقة شاملة» لإطلاق جميع الأسرى ووقف الحرب، فيما يرى 30 في المائة وجوب احتلال غزة على حساب حياة الأسرى، ويعارض 46 في المائة من الإسرائيليين خطة نتنياهو لاحتلال غزة بالكامل ويفضلون مقترح رئيس الأركان لتطويقها.
وكان مصدر مطلع من حركة «حماس» قال لـ«الشرق الأوسط»، الخميس، إن «خطة احتلال غزة» المطروحة في الجانب الإسرائيلي ما هي إلا ورقة ضغط تفاوضية لانتزاع تنازلات على مائدة المفاوضات «المهددة بألا تعود بسبب هذه الإجراءات».
ويرى أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، الدكتور طارق فهمي، أن القرار الإسرائيلي سواء باحتلال غزة أو وضع قواعد لإنهاء الحرب «يصعب مهمة الوسطاء ويفتح مساراً جديداً للتأثير على الوسيطين مصر وقطر في ظل تحركات لهما، لا سيما القاهرة لإعادة المفاوضات لمسارها».
ويتوقع فهمي، في ضوء ذلك سيناريوهين؛ الأول: بدء تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة للضغط على «حماس» لتقديم تنازلات، والثاني: الاستمرار في التصعيد بضوء أخضر أميركي وهذا يهدد الاتصالات والمحادثات ويجعلها مجمدة لفترة، داعياً لترقب التحركات الإسرائيلية الساعات المقبلة مقابل الرفض العربي والدولي لمعرفة مسار تلك الضغوط الجديدة في ظل مأزق كبير تعيشه «حماس».
تصفح أيضًا: وفد محلية النواب يتفقد مشروعات التنمية والاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة بشرم الشيخ
فلسطينيون يتفقدون الدمار الذي خلفته غارة إسرائيلية استهدفت جنوب مدينة غزة (أ.ف.ب)
المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، يرى أن «قواعد إنهاء الحرب التي تتكرر بحلة جديدة مع خطة احتلال غزة قد تكون ورقة ضغط إسرائيلية على الوسطاء الذين يتحركون حالياً لإعادة المفاوضات من جديد»، مشيراً إلى أن أميركا وإسرائيل يبدو أنهما ستدفعان خلال خطتهما ببديل لحكم غزة من مجموعات مسلحة مناهضة لـ«حماس»، مستدركاً: «لكن يتوقع أن تواجه إسرائيل مقاومة في أثناء التنفيذ وقد تجبرها مواجهات الاستنزاف من نقطة صفر على إعادة موقفها تجاه المفاوضات».
بالمقابل، لم يصدر عن الوسطاء مصر والولايات المتحدة وقطر، موقف مشترك بشأن الخطة، وانقسموا إزاءها، وقال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، في تصريحات صحافية، الخميس، إن «إسرائيل هي من تحدد في النهاية ما يجب فعله من أجل أمنها»، مؤكداً أنه «لن يكون هناك سلام في غزة أبداً طالما أن حماس موجودة، إنها تشعر بجرأة وغير مستعدة لتقديم تنازلات»، بعد يومين من تأكيد الرئيس دونالد ترمب، أن احتلال غزة بالكامل «يعتمد إلى حد كبير على إسرائيل».
وأكدت مصر في بيان لـ«الخارجية» أنها تدين بأشد العبارات خطة إسرائيل التي «تهدف لمواصلة حرب الإبادة في غزة».
وقالت الرئاسة المصرية في بيان إن الرئيس عبد الفتاح السيسي أكد خلال اتصال مع نظيره الفلسطيني محمود عباس «موقف مصر الثابت والداعم للشعب الفلسطيني واستمرار الجهود والمساعي المصرية المكثفة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة».
فلسطينيون يحملون أكياس دقيق حصلوا عليها من شاحنات مساعدات دخلت غزة عبر معبر زيكيم في جباليا (أ.ف.ب)
ورفض الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، وأدان بأشد العبارات خطة أُعلن عن مصادقة مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر عليها، وتقضي بـ«إعادة» احتلال قطاع غزة. وأكد أبو الغيط، الجمعة، أن «الجامعة العربية قد حذّرت مراراً من مغبة ترك الحبل على غاربه لإسرائيل لتخوض حربها الإجرامية الجنونية، التي لا تعرف نهاية، ضد الشعب الفلسطيني بهدف تصفية قضيته والقضاء عليه كجماعة قومية»، مشدداً على أن «الوقت قد حان لموقف حازم من المجتمع الدولي لوقف هذا المسلسل الدموي». وعدّ أبو الغيط الخطة انعكاساً حقيقياً للنيات والأهداف الإسرائيلية منذ بداية الحرب، التي تتمثل في إعادة احتلال القطاع بالكامل، وطرد أكبر عدد ممكن من سكانه إلى خارجه، وهو ما يرفضه الجانب العربي رفضاً قاطعاً شاملاً، بل ويرفضه ويدينه العالم كله.
في سياق ذلك، ينتظر أن يزور وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، مصر، السبت، لبحث التطورات في غزة ومحادثات وقف إطلاق النار، وفق ما نقلته «رويترز» عن مصادر بوزارة الخارجية التركية، الجمعة، وأكدت السفارة التركية بالقاهرة موعد الزيارة.
فهمي أوضح أن الموقف الأميركي الداخلي ليس واحداً بشأن الخطة، رغم تصريحات روبيو وترمب، لافتاً إلى أن الوسيط المصري سيتحرك كعادته عبر قنواته للبحث عن حلول عاجلة، خصوصاً أن إسرائيل تواجه صعوبات كبيرة لتنفيذ كامل الخطة سواء بإقرار ميزانية لها في غياب الكنيست أو اكتمال الاستدعاءات الجديدة للاحتياطي.
ويتوقع الرقب أن الموقف المصري والعربي سيستمر في رفض مثل هذه التحركات مدعوماً بموقف دولي، بينما سيستمر الضوء الأخضر الأميركي لإسرائيل في المضي في تلك العملية، مؤكدا أن ذلك كله سيعقد مسار المفاوضات وسيجعل العودة إليها حالياً أو قريباً شبه مستحيلة، خاصة أن نتنياهو يضحي بأسراه ولا يدرك أنه مقبل على مخاطر وليس مكاسب فقط.