- اعلان -
الرئيسية الوطن العربي السعودية كتاب يتناول دور طه حسين التعليمي

كتاب يتناول دور طه حسين التعليمي

0

يستعرض كتاب «النهضوي الأخير: طه حسين وبناء المؤسسات في مصر» للدكتور حسام أحمد مسيرة المفكر المصري طه حسين، وخاصة اهتمامه بدور مؤسسي أقوى في مجال التعليم والثقافة العامة. الكتاب صدر عن مشروع «كلمة» بمركز «أبو ظبي للغة العربية»، بترجمة الدكتور موسى الحالول.

يقع الكتاب في خمسة فصول، عرضت لمسيرة طه حسين منذ ميلاده وحتى وفاته، وتعليمه في الأزهر وبعثته لفرنسا وزواجه، وتعيينه في الجامعة، ثمّ تعيينه وزيراً للمعارف، ودوره في دعم التعليم والثقافة واللغة.

يقول الكاتب إن طه حسين كان مدركاً للأبعاد السياسية للثقافة والتعليم، وكان يرى أن الثقافة لم تكن مجالاً اجتماعياً فنياً منعزلاً، بل كانت أفضل وسيلة لضمان نجاح الديمقراطية المصرية، وتحقيق التكافؤ الفكري مع أوروبا، ومحاربة علاقات القوة غير المتكافئة التي أعاقت البلاد عن تحقيق الاستقلال الكامل.

وعرض الكتاب لدور طه حسين في إقامة المعاهد التعليمية في الكثير من دول أوروبا وشمال أفريقيا، والصعوبات التي واجهته في سبيل تحقيق ذلك، ودور الأزهر وكلية الآداب ومجمع اللغة العربية في الحفاظ على اللغة العربية الفصحى، وإتاحتها لكل من هو عربي بصرف النظر عن جنسه أو دينه، وكذلك دور طه حسين في تعليم الفتيات بالجامعة، وتأسيس المجلس الأعلى للجامعات.

آخر النهضويين

يستعرض الكتاب أولاً دور طه حسين في نشر الثقافة المصرية في العالم وخاصة أوروبا، فرصد زيارته التاريخية لإسبانيا عام 1950، بصفته وزير المعارف، وكان رد فعل إسبانيا الإيجابي على تلك الزيارة، بمثابة تظاهرة رائعة أثبتت للعالم مكانة مصر العلمية وقوتها الثقافية. وكان طه حسين يرى أن الارتقاء بمكانة مصر العلمية وقوتها الثقافية إلى مستوى إقليمي، جزء لا يتجزأ مما أسماه «رسالة مصر». كانت هذه الرسالة ذات طابع ثقافي في المقام الأول. فسعى طه حسين لتحقيق هذه الأجندة الإقليمية، ولا سيما في حوض المتوسط، فأنشأ معهد فاروق الأول للدراسات الإسلامية في مدريد، وكرسي محمد علي الكبير للغة العربية وآدابها في نيس، وكرسياً مماثلاً في جامعة أثينا. ولما حاول إنشاء معاهد مصرية للدراسات العربية والإسلامية في طنجة والرباط وتونس والجزائر، وقاد ذلك إلى التصادم مع السلطات الفرنسية، التي كانت تخشى أي وجود مصري رسمي في شمال أفريقيا.

اقرأ ايضا: السعودية تدين تصريحات نتنياهو بشأن «إسرائيل الكبرى»

وفي مواجهة المقاومة الفرنسية الشديدة لخططه، رد طه حسين بتعليق الحفريات الأثرية الفرنسية في مصر، والتهديد باتخاذ إجراءات صارمة بحق المؤسسات الثقافية الفرنسية العريقة في البلاد. ففكر الفرنسيون في إقحام الملك فاروق لإلغاء إجراءات طه حسين، ولكن استقر الرأي عندهم في النهاية على أن علاقة فاروق مع وزارة الوفد ذات الشعبية بلغت من التوتر حداً لا يسمح بأي تدخل لصالحهم.

وتناول المؤلف في الفصول الأخرى، رؤية طه حسين لدور الجامعات، فقد كان يرى أن الجامعة العلمانية هي المؤسسة الوحيدة القادرة على تصميم أنظمة التعليم الابتدائي والثانوي التي تحتاج إليها مصر، وأنه من دون هذه الأنظمة التعليمية، لا يمكن تحقيق الديمقراطية أو الاستقلال الحقيقي، فمن خلال طرائق البحث والتدريس الحديثة، ستخرج الجامعة قادة مفكرين مدربين على التعامل النقدي مع الماضي ومواجهة تحديات الحاضر.

طه حسين موظفاً

ويركز المؤلف أيضاً على طه حسين الموظف الحكومي الذي يتفاوض بنشاط وينفّذ أفكاره بخصوص التعليم والثقافة في مصر. فقد أراد منح هذه المؤسسات قدراً ممكناً من الاستقلالية، لكنه كان يدرك أيضاً أن هذه المشروعات الضخمة تتطلب تمويلاً وتنظيماً حكومياً منهجياً، فسعى إلى حل هذا التوتر بين استقلالية الجامعة وتنظيمها من خلال إنشاء مجالس فنية يديرها تكنوقراط مطلعون تنتخبهم مؤسساتهم؛ ما يسمح للخبراء التربويين بالتركيز على التخطيط طويل الأمد من خلال حمايتهم من التقلبات السياسية المتتابعة على المستوى الوزاري. وكان هذا النظام عنصراً أساسياً في رؤيته للإصلاح. ففي عام 1950 تقدم بطلب لمجلس الوزراء المصري بصفته وزير المعارف، بإنشاء المجلس الأعلى للجامعات للتنسيق بين الجامعات المصرية، ومهمته إعداد برامج الدراسة والامتحانات وتقويم الشهادات ومنحها، وتعيين أعضاء هيئة التدريس. وكان طه حسين يصرّ على أن كلية الآداب هي الوحيدة القادرة على قيادة مصر على طريق النهضة الصحيحة، وسمح طه حسين للنساء بدخول كلية الآداب عام 1929 ومن أشهرهم سهير القلماوي.

وفي فصل بعنوان «ديمقراطية اللغة: طه حسين وتوسيع دائرة السلطة على العربية الفصحى»، يستعرض المؤلف اهتمام طه حسين باللغة العربية الفصحى؛ إذ لم يكتفِ بالدفاع بشدة عن اللغة ضد منتقديها، مشيداً بثرائها ودقتها وقدرتها على الاستجابة لاحتياجات العصر، بل أبى أيضاً أن يؤيد أي تعبير فني أو أدبي بالعامية العربية. وأصرّ على ضرورة تقديم الإسهامات الثقافية الجديدة بالعربية الفصحى من أجل البناء على التراث العريق القائم وجعله ثرياً، وكان ديدنه التعامل مع الفكر العربي الإسلامي الكلاسيكي، وكان الحفاظ على العربية الفصحى على قيد الحياة أمراً ضرورياً للتعاطي مع هذا التراث.

وكان طه حسين مقتنعاً أيضاً بأن اللغة تواجه تحديات رهيبة، وقد أعرب مراراً عن خوفه من أنه إذا تجوهلت هذه التحديات، فستواجه اللغة الفصحى خطر الاقتصار على الأمور الدينية واحتكارها من قبل قسم من رجال الدين. وكان يرى أن اللغة يجب أن تكون ديمقراطية أيضاً، وأن تقترب من الناس. ولتحقيق هذه الغاية، أصر على تيسير قواعد النحو وإيجاد طرائق لجعل الكتابة العربية انعكاساً أدق للنطق العربي الفصيح، وبالنسبة لطه حسين، كانت كلية الآداب هي المؤسسة الوحيدة القادرة على توفير هذا التدريب اللازم والاضطلاع بهذه المسؤوليات الجدية، وكان مجمع اللغة العربية، والذي أنشئ صراحة لمواجهة المخاطر التي تواجه اللغة، يعمل بصورة وثيقة مع الجامعة.

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version