- اعلان -
الرئيسية العالم آسيا كيف تؤدي المحادثات عبر الإنترنت في باكستان إلى السجن بتهمة التجديف؟

كيف تؤدي المحادثات عبر الإنترنت في باكستان إلى السجن بتهمة التجديف؟

0

إنها جريمة نكراء في عيون كثير من الباكستانيين، إلى حدّ أن أدلة الإثبات لا تكون مطلوبة دائماً لإدانة المتهم. وبمجرد انتشار شائعاتٍ عن وقوع هذه الجريمة، تشتعل مظاهرات عنيفة، ويلاحق بعض الأفراد المتهمين، ويُشاد بهم على أنهم أبطال، لما فعلوه.

جماعة إسلامية تحتجّ على اعتقال امرأة بتهمة التجديف عام 2023 في لاهور بباكستان (أ.ب)

والجريمة المشار إليها هنا هي التجديف على الإسلام. وفي باكستان، يُمكن أن تصل العقوبة إلى الإعدام، مع أن البلاد لم يسبق أن أعدمت شخصاً بسببها.

ورغم ذلك، فإن تحديد ماهية جريمة التجديف يبدو مهمة أقرب إلى المستحيل، داخل مجتمعٍ يكبت النقاش حول هذا الأمر، باستثناء الإدانة الصريحة. وقد تسببت اتهامات التجديف، في بعض الأحيان، في تحريض وتأليب حشود قاتلة. وبالفعل، سقط سياسيون ومحامون تحدوا قوانين التجديف، قتلى، حسب تقرير لـ«نيويورك تايمز» الأحد.

عام 2023، شددت باكستان العقوبات على انتهاكات قوانين مكافحة التجديف، التي يعود تاريخ النسخ المبكرة منها إلى حقبة الحكم البريطاني. ومنذ ذلك الحين، ازدادت معدلات الاعتقالات بشكل حاد -من بضع عشرات سنوياً إلى مئات- لا سيما بتهمة التجديف على الإسلام عبر شبكة الإنترنت.

مشتبه به بالتجديف في كراتشي أكتوبر (إ.ب.أ)

من جهتهم، اشتكى كثير من المتهمين من أنهم وقعوا في فخ عناصر رديئة على الإنترنت، سعت لابتزازهم أو تضخيم عدد الاعتقالات بتهمة التجديف. في السياق ذاته، أعرب خبراء معنيون بحقوق الإنسان عن اعتقادهم بأن موجة اتهامات التجديف المتصاعدة -سواء أكانت مصطنعة أم لا- تعد وسيلة أكيدة في أيدي جماعات إسلاموية، لحشد الدعم الشعبي وجذب التمويل بذريعة الدفاع عن الحرمات الدينية.

وكشفت مقابلات أُجريت مع عائلات المتهمين وخبراء قانونيين ومدافعين عن حقوق الإنسان وبعض المسؤولين، بالإضافة إلى مراجعات التقارير الحكومية، عن وجود نمط من الانتهاكات. وأشار هؤلاء إلى إن قوانين التجديف الصارمة تتعرض لإساءة الاستغلال، بغية استهداف الفئات الضعيفة.

من جهتها، كانت شهيدة بيبي، التي تعيش في العاصمة إسلام آباد، تستعد لإنهاء صلاتها في إحدى ليالي عام 2023 عندما طرق أربعة رجال بابها. في البداية، زعموا أنهم أصدقاء ابنها، لكن الأسئلة التي ألقوها عليها جعلها تشعر بالتوتر.

بعد بعض الجدل، قالت السيدة بيبي: «اعترف أحدهم أخيراً بالحقيقة: كانوا ضباطاً من وكالة التحقيقات الفيدرالية، التي كانت آنذاك السلطة الرئيسية في باكستان للتحقيق في الجرائم الإلكترونية»، وكان ابنها قد أُلقي القبض عليه للتوِّ بتهمة التجديف على الإنترنت.

وقالت بيبي في مقابلة حديثة بصوت مرتجف: «شعرتُ كأن الأرض انزلقت من تحت قدميّ».

جاءت الرواية التي سردها ابنها، في وقت لاحق من خلف القضبان، مع نمط يقول خبراء في مجال حقوق الإنسان إنه أصبح شائعاً.

في العادة، تبدأ القصة بمحادثة عبر الإنترنت تبدو بريئة.

في حالة ابن بيبي، كان الأمر في إحدى مجموعات «واتساب» الكثيرة للباحثين عن عمل، التي انضم إليها. وقالت بيبي إن امرأة راسلته بشكل خاص، وعرضت عليه ما بدت أنها فرصة واعدة.

وقالت بيبي إن ابنها أخبرها: «كانت لطيفة وتتحدث معي بانتظام».

وبعد فترة، حدث أمر غريب. خلال محادثتهما التي كانت تبدو مهنية، أرسلت إليه المرأة صورة جنسية فاضحة مُرفقة بآيات قرآنية. انزعج ابنها، وسألها. تجاهلت المرأة الأمر وعدّته خطأً، وادّعت أنها غير متأكدة مما أرسلته. أصرت على إرسال نسخة من الرسالة لتتمكن من التحقق منها.

كان ابن بيبي متشككاً في الأمر، كما أخبر والدته في وقت لاحق، لكنه كان بحاجة ماسة إلى وظيفة. ولذلك، وافق على طلب المرأة بعد تردد.

اقرأ ايضا: انتكاسة رمزية لأوكرانيا… روسيا تعلن السيطرة على قرية جديدة في منطقة دنيبروبيتروفسك

بعد بضعة أيام، دعته المرأة لمقابلتها قرب محطة حافلات، ووعدته بأخذه إلى مكتب صاحب العمل، على حد قول بيبي. إلا أنه بدلاً من ذلك، فوجئ بأربعة رجال في انتظاره. واعتدوا عليه بالضرب، واستولوا على هاتفه، واحتجزوه.

وأضافت بيبي أن تلك الصورة الوحيدة التي أُرسلت إلى هاتف ابنها، أصبحت أساساً لتهمة التجديف.

مركز شرطة باكستاني تعرض لأضرار بعد احتجاجات ضد شخص متهم بإهانة القرآن الكريم خلال نوفمبر في بيشاور (إ.ب.أ)

ولم يتسنَّ التحقق من رواية السيدة بيبي بشكل مستقل، إذ لم تُنشر الأدلة في قضية ابنها، علاوة على أن النظام القضائي في باكستان لا يتسم بالشفافية. من جهتهم، رفض مسؤولون حكوميون التعليق على القضية، مشيرين إلى حساسية النقاش حول التجديف.

من ناحيتها، اطلعت صحيفة «نيويورك تايمز» على وثائق محكمة تتضمن نصوصاً لعدة محادثات عبر «واتساب» بين أشخاص متهمين بالتجديف، وأولئك الذين يبدو أنهم أوقعوا بهم في الفخ. وتضمنت النصوص الحوار بين ابن بيبي والمرأة.

اليوم، يقبع ابن بيبي، البالغ 26 عاماً، في السجن منذ أكثر من عامين في انتظار الحكم في قضيته. ويعد واحداً من مئات الأشخاص، الذين احتُجزوا بتهمة التجديف الإلكتروني خلال تلك الفترة. (نظراً لخطر تعرضهم إلى عنف، حرصت الصحيفة على عدم ذكر اسم ابن بيبي أو غيره من المسجونين بتهم التجديف).

ووثَّق تقريرٌ نشرته هيئةٌ حكوميةٌ لحقوق الإنسان في أكتوبر (تشرين الأول)، الارتفاعَ الحادَّ في الاعتقالات بتهمة التجديف الإلكتروني، وحدّد 11 حالة عام 2020، و9 عام 2021، و64 حالة عام 2022. بعد ذلك، جرى تعديل العقوبات على التجديف، لأسباب منها الغضب الشعبيّ إزاء أمثلة مُتصوَّرة على هذه الجريمة. وعليه، ارتفعت الاعتقالات بشكل حاد، لتصل إلى 213 حالةً عام 2023، ثم وصلت حداً هائلاً بلغ 767 حالةً خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2024.

في الغالب، يقضي المحتجزون بتهمة التجديف في السجن أشهراً، قبل أن تصل قضاياهم إلى المحاكمة. داخل قاعات المحاكم، لا تقوم الدولة بمتابعة معظم قضايا التجديف، بل مجموعات خاصة، يقودها عادةً محامون وتدعمها شبكات من المتطوعين، الذين يراقبون وسائل التواصل الاجتماعي بحثاً عن المخالفين المحتملين.

من جهته، قال بيتر جاكوب، المدير التنفيذي لمركز العدالة الاجتماعية في باكستان، منظمة حقوقية، إن الجهود الحثيثة لرصد القضايا وإدانتها، تعكس «تسييساً متزايداً لقوانين التجديف».

وأضاف: «لقد جعلوا من معاقبة أي فعل إهانة محتمل لما يقدسونه، قضيتهم الأولى».

في المقابل، نفت جماعات مثل اللجنة القانونية المعنية بمحاربة التجديف في باكستان، التي تابعت عشرات قضايا التجديف على الإنترنت، أن تكون التهم مُلفّقة في بعض الأحيان. وأكدت أن هناك زيادة غير مسبوقة في قضايا التجديف الحقيقية على الإنترنت.

في هذا السياق، قال راو عبد الرحيم، المحامي الذي يمثل الجماعة، في خطاب ألقاه حديثاً: «لم نشهد من قبل مثل هذه الإهانة الدنيئة للإسلام والقرآن الكريم والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وشخصيات أخرى مُبجّلة».

يذكر أنه في مارس (آذار)، قضت محكمة محلية في روالبندي، مدينة في إقليم البنجاب، على خمسة رجال بالإعدام بتهمة التجديف على الإنترنت. ورغم عدم تنفيذ الأحكام، فإنه حتى مجرد الاتهامات بالتورط في هذه الجريمة قد أدت أحياناً إلى عنف مميت.

وحسب مركز العدالة الاجتماعية الباكستاني، قُتل ما لا يقل عن 10 أشخاص متهمين بالتجديف العام الماضي، في أعمال عنف جماعية أو عنف من قِبل لجان أهلية.

علاوة على ذلك، فإنه يمكن أن تُشكل اتهامات التجديف وسيلة ضغط قوية في مخططات الابتزاز. وكشف تقرير للشرطة صدر العام الماضي، بعنوان «مجموعة أعمال التجديف»، عن شبكة إجرامية حصلت على رشى من خلال تهديد الناس بتهم تجديف ملفقة، غالباً بتواطؤ من مسؤولين في وكالة التحقيقات الفيدرالية.

ورداً على ذلك، أعادت الحكومة قريباً هيكلة جناح الجرائم الإلكترونية التابع لوكالة التحقيقات الفيدرالية، وأنشأت قسماً منفصلاً -الوكالة الوطنية للتحقيق في الجرائم الإلكترونية- يركز حصرياً على التحقيق في الجرائم الرقمية، بما في ذلك التجديف عبر الإنترنت.

في يوليو (تموز)، منح تعديلٌ آخَر بيبي الأمل في أن تنتهي مشكلات ابنها القانونية قريباً، بعد أن دعت محكمة باكستانية، رداً على التماس قدمته عائلات عدة أشخاص اعتُقلوا بتهم التجديف، إلى تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في احتمال إساءة استخدام قانون التجديف. ولوهلة، شعرت بيبي بالأمل يراودها.

إلا أنه بعد أسبوع فقط، علّقت محكمة أعلى الأمر. ومن جديد، شعرت بيبي كأن الأرض قد انزلقت تحتها. وقالت: «لا أطمح سوى لعودة ابني البريء إلى المنزل».

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version