تمتلك النباتات منظومة مناعية تحميها من الميكروبات المسببة للآفات الضارة، مثل الفطريات والبكتيريا والفيروسات. ورغم افتقارها إلى خلايا مناعية متخصصة، كما هي الحال في الإنسان، فإن النباتات تعتمد على بروتينات استشعار متطورة موجودة على سطح خلاياها، تمكِّنها من رصد الإشارات الجزيئية التي تطلقها الكائنات الممرِضة عند محاولتها غزو الأنسجة النباتية.
ولكن في ظل هذا الصراع المستمر بين النباتات ومسببات الأمراض، تطوِّر البكتيريا بنيتها الجزيئية لخداع النباتات والتهرُّب من رقابتها المناعية، ما يجعلها عرضة للإصابة بأمراض مدمِّرة تهدد الأمن الغذائي العالمي. ومع تصاعد التحديات البيئية والمناخية، أصبح من الضروري تطوير وسائل حديثة لتعزيز المناعة النباتية باستخدام أدوات علمية متقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي والهندسة البيولوجية.
وفي هذا السياق، طوَّر باحثون من جامعة كاليفورنيا نموذجاً قائماً على الذكاء الاصطناعي، لتعزيز مناعة النباتات ضد الأمراض والآفات، من خلال تسخير قوة الجينات المقاومة بشكل دقيق وفعَّال.
وركَّزت الدراسة على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، للتعرُّف على الجينات التي تمنح بعض النباتات قدرة طبيعية على مقاومة البكتيريا الممرِضة، مثل بكتيريا «رالستونيا سولاناسيروم» المسببة لآفة الذبول البكتيري، وهي مرض نباتي خطير تسببه بكتيريا تعيش في التربة وتؤدي إلى ذبول وموت النباتات، وهي قادرة على إصابة أكثر من 200 نوع من النباتات، بما في ذلك الطماطم والبطاطس، ونُشرت النتائج، في عدد 28 يوليو (تموز) 2025 بدورية (Nature Communications Biology).
أنظمة دفاعية متطورة
تمتلك النباتات أنظمة مناعية خاصة بها. ومن بين أدوات الدفاع التي تعتمد عليها، بروتينات تعمل كمستقبلات مناعية تساعدها على اكتشاف وجود البكتيريا ومقاومتها. ويُعد بروتين (FLS2) أحد هذه المستقبلات؛ إذ يمكِّن النبات من التعرُّف على «فلاجيلين»، وهو بروتين يوجد في ذيول البكتيريا، ويُستخدم في حركتها.
ولكن البكتيريا لا تبقى ساكنة؛ بل تطور نفسها باستمرار لتفادي اكتشافها من قبل الجهاز المناعي النباتي، عن طريق تعديل الأحماض الأمينية التي يتكوَّن منها «الفلاجيلين».
ولمواكبة هذا «السباق» بين الدفاع والهجوم، استعان فريق البحث بأداة الذكاء الاصطناعي «ألفافولد» (AlphaFold) التي طُوِّرت لفهم البنية ثلاثية الأبعاد للبروتينات.
تصفح أيضًا: 11 علامة تحذيرية لعدم حصولك على ما يكفي من العناصر الغذائية
وباستخدام هذه التقنية، أعاد الباحثون تصميم مستقبل البروتين (FLS2) ليصبح أكثر قدرة على التعرُّف على البكتيريا المراوغة، ما يعزز مناعة النبات. وركَّز الفريق على مستقبلات معروفة بقدرتها على التعرُّف على طيف واسع من البكتيريا، حتى لو لم تكن موجودة في محاصيل مهمة. ومن خلال مقارنتها بمستقبلات أضيق نطاقاً، تمكن العلماء من تحديد الأحماض الأمينية التي ينبغي تعديلها لجعل الاستجابة المناعية أكثر دقة وفاعلية.
كما نجح الفريق في «إحياء» مستقبلات مناعية فقدت فاعليتها بعد أن طوَّرت البكتيريا آليات للتهرُّب منها، ما منح النباتات فرصة جديدة لمقاومة العدوى بدقة أكبر.
ولم يقتصر الإنجاز على تحسين أداء المستقبلات؛ بل تمكَّن النموذج الذكي من اكتشاف توقيعات جينية مميزة للنباتات المقاومة، واقترح مجموعة من الجينات التي يمكن استخدامها مستقبلاً في تطوير محاصيل مقاومة للآفات، عبر الهندسة الوراثية أو التربية التقليدية.
وتقول الدكتورة جيتا كوكر، الباحثة الرئيسية في الدراسة بقسم أمراض النبات في جامعة كاليفورنيا: «قبل هذا العمل، كان على العلماء في مجال هندسة المستقبلات المناعية النباتية إجراء آلاف التعديلات، واختبار كل منها بشكل فردي، وهو أمر يستغرق وقتاً طويلاً».
وأضافت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «أما في هذا البحث، فقد حددنا مناطق معينة في مستقبلات المناعة النباتية يمكن استهدافها لتحسين كفاءتها، ما يقلل من الوقت اللازم للحصول على نتائج أفضل وأكثر فاعلية».
حماية المحاصيل
وعن مساهمة النتائج في حماية المحاصيل الاقتصادية المهمة -مثل الطماطم والبطاطا- من الأمراض البكتيرية، أوضحت كوكر أن هذه المحاصيل تُعد من الأكثر عرضة للإصابة بأمراض بكتيرية عدة، منها الممرِض المدمِّر الموجود في التربة، مثل «رالستونيا سولاناسيروم»، ويُعزى ذلك جزئياً إلى أن هذا النوع من البكتيريا غيَّر تركيب بروتين «فلاجيلين»، المسؤول عن حركته.
وتابعت: «نجح فريقنا في توسيع قدرة المستقبلات النباتية على التعرُّف على أنواع متعددة من بروتينات الفلاجيلين، ويمكن الآن استخدام هذا التقدم كنموذج لتحرير الجينوم في الطماطم والبطاطس، لإكسابها مقاومة أكبر للأمراض».
وأشارت كوكر إلى أن تغيُّر المناخ والظروف الجوية القاسية يؤثران على انتشار أمراض النبات، ويتيح النهج الذي طوَّره الفريق التعرف السريع على المستقبلات الواعدة وتطويرها، ما يمكِّن من تطبيقها في الوقت المناسب، ويعزز قدرة المزارعين على الاستجابة السريعة للتهديدات المرضية الجديدة.