حققت السعودية خلال الأعوام الأخيرة قفزات نوعية في الحوكمة الرقمية، في إطار رؤية طموحة تهدف إلى تحديث الخدمات الحكومية وجعلها أكثر ذكاءً وسرعة وسهولة في الاستخدام، بما ينعكس على تحسين جودة الحياة للمواطنين والمقيمين ورفع كفاءة العمليات الحكومية.
وفي هذا السياق، أصدر مكتب «كي بي إم جي» تقريراً جديداً سلّط الضوء على حجم الإنجازات المحققة والتحديات الماثلة، إلى جانب رسم خريطة طريق نحو بناء منصة حكومية موحدة تعيد تعريف أسلوب تفاعل الأفراد مع الخدمات العامة.
تقود هيئة الحكومة الرقمية مسيرة التحول في المملكة، حيث حقق «مؤشر نضج التجربة الرقمية» نتيجة لافتة بلغت 85.04 في المائة خلال عام 2024، بعد تقييم 39 منصة حكومية، مقارنة بـ24 منصة فقط في عام 2023.
وقال أنس أبو صلاح، المدير التنفيذي لاستشارات تجربة العملاء في «كي بي إم جي الشرق الأوسط»، إن التحول الرقمي يتجاوز بناء المواقع والتطبيقات إلى تعزيز التفاعل المباشر مع المواطنين عبر خدمات سلسة وميسّرة تصبح جزءاً من حياتهم اليومية.
وأبرز التقرير دور منصات مثل «أبشر» و«توكلنا» و«مساند» في إحداث نقلة نوعية بالخدمات، من الهويات الرقمية إلى السجلات الصحية وخدمات العمالة، وهو ما ساهم في تقدم السعودية إلى المركز الرابع عالمياً في «مؤشر الأمم المتحدة لتطور الحكومة الإلكترونية».
ورغم الأداء المتميز للمنصات الحكومية بشكل فردي، لا يزال تعددها يمثل تحدياً؛ إذ بلغ عددها 817 منصة في 2021 لكل منها واجهاتها وخدماتها الخاصة، ما أدى إلى تكرار الخدمات وتضارب تجربة المستخدم. وأوضح أبو صلاح أن النهج الموحد سيعزز مرونة النظام ويوفر الوقت والموارد ويعزز الأمن، مشيراً إلى تجربة إستونيا التي تدير جميع خدماتها الحكومية عبر منصة رقمية واحدة «X-Road».
نوصي بقراءة: شراكة بين «مانجا العربية» و«هيروز اليابانية» لنشر «جراندازير يو باللغة العربية»
قدّم التقرير تصوراً لـ«حكومة متكاملة» تقوم على منصة واحدة تجمع التحقق من الهوية وتقديم الخدمات وتبادل البيانات بشكل آمن، ما يسمح للمواطنين بإنجاز معاملاتهم – من تجديد الجوازات إلى تسديد الفواتير – عبر تسجيل دخول واحد. ومن أبرز مزايا هذا النموذج: نافذة موحدة للخدمات، وتسريع المعاملات، وأمان مدعوم بالذكاء الاصطناعي، وتحليلات بيانات متقدمة لصياغة سياسات أكثر فاعلية. وأشار إلى تجارب سنغافورة والدنمارك كنماذج ناجحة في هذا المجال.
أكد التقرير أن التكنولوجيا وحدها لا تكفي، بل يتطلب الأمر رفع مهارات القوى العاملة في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وتجربة العملاء وإدارة البيانات.
وقال أبو صلاح: «لا يكفي امتلاك الأدوات المتطورة، بل يجب أن يكون هناك أشخاص قادرون على استخدامها بفاعلية لخدمة الجمهور».
ولتحقيق انتقال سلس، أوصت «كي بي إم جي» ببرامج تدريب شاملة، وتفعيل قنوات لاستقبال آراء المواطنين، إلى جانب إدارة التغيير بشكل استباقي.
شدد التقرير على أن الأمن ركيزة أساسية في الحوكمة الرقمية، داعياً إلى وضع معايير وطنية لحماية البيانات وتشفيرها واعتماد بنية «انعدام الثقة» والمصادقة متعددة العوامل ورصد التهديدات بشكل فوري.
كما أكد أن بناء الثقة يتطلب إشراك المواطنين في صياغة المنصة من خلال الحوارات وورش العمل والمشاورات، لضمان توافقها مع احتياجاتهم وكسب ثقتهم.