- اعلان -
الرئيسية الوطن العربي السعودية ما الذي يحول دون وصول الرواية السعودية إلى الشاشة؟

ما الذي يحول دون وصول الرواية السعودية إلى الشاشة؟

0

على النقيض ممن يعتقدون بوجود ما يسمونها «أزمة كُتّاب سيناريو»، أرى أن عدم وجودهم لن يكون أبداً حجراً تتعثر به الرواية المحلية فيمنع وصولها إلى الشاشة.

والاعتقاد بأنه العائق لرحلتها إلى دور السينما هو، من وجهة نظري، محض تبسيط وتسطيح لما هو معقد، ونتيجة لضبابية الرؤية لوضع صناعة الأفلام في بلادنا.

إن تأخر صنع أفلام «مبنية» على روايات محلية مسألة تكتنفها مشكلات وصعوبات عدة، ليس منها غياب كُتّاب السيناريو، وإذا كان لا بد من اعتباره كذلك، فهو بالتأكيد أصغر المشكلات، وأقلها تأثيراً؛ لأنها ببساطة مشكلة قابلة للحل وبأكثر من طريقة.

فالفراغ الناشئ عن هذا الغياب المفترض يمكن ملؤه بكُتّاب سيناريو أكفاء وذوي خبرة من البلدان العربية مثلاً، مثلما استعانت، وتستعين، هذه البلاد، مثل كل البلدان في العالم، بخبرات وكفاءات أجنبية بتخصصات في جميع المجالات.

باختصار، هذه ليست قضية محورية في رأيي، كما سأوضح فيما يلي:

في هذا السياق أذكر أن مسلسل «شارع الأعشى» أفضل وأحدث مثال ذي صلة بالموضوع، حين استعانت «إم بي سي» بالخبرات والكفاءات التركية في مشروع ترجمة رواية الكاتبة بدرية البشر «غراميات شارع الأعشى» إلى مسلسل درامي، فوقعت عقداً بين «إم بي سي ستوديوز» وشركة «آي يابم الشرق الأوسط للإنتاج الإعلامي» التركية.

وكان ثمة خيار آخر أمام «إم بي سي»، وأمام غيرها من مؤسسات الإنتاج، وهو الاكتفاء بالتعاقدات المباشرة مع كُتّاب سيناريو عرب أو أجانب من دون الدخول في تعاقدات شراكة عندما لا يكون ذلك ضرورياً.

وتقدم «إم بي سي» مثالاً جديداً بإنتاجها فيلماً مبني على رواية الروائي أسامة المسلم «جحيم العابرين»، الذي يجري تصويره الآن، كتب السيناريو الروائي المسلم نفسه، وإخراج المخرجة هناء العمير.

ومن جمعية الأدب المهنية يأتي مثالٌ آخر، يدعم الرأي أن عدم وجود كاتب سيناريو ليس هو المشكلة، كما يثبت أن هنالك كُتّاب سيناريو سعوديين يستحقون منحهم فرصة الاعتماد عليهم والثقة بهم، منهم الثلاثة الذين كلفتهم جمعية الأدب بكتابة سيناريوهات من ثلاث روايات: «وجوه الحوش» لحسين علي حسين، و«ابنة ليليت» لأحمد السماري، و«الحفائر حفرة الجبل» لخالد النمازي.

أعتقد أن دور الجمعية ينتهي عند هذا الحد، وإذا وُفِّقَت في تسويق مشروعها على مُنِّتجٍ قادرٍ على، وراغبٍ في، تنفيذ السيناريوهات الثلاثة، سيكون ذلك إنجازاً كبيراً يُسَجَّل لها.

لكن هذه الاختراقات المنفردة، لا تعني الخروج النهائي من نفق المشاكل والصعوبات التي تؤخر مشاهدة روايات سعودية على الشاشة. فثمة حقائق يبدو جلياً غيابُها عن الأذهان.

خلال محادثات مع ثلاثة من الأسماء البارزة والوازنة في صناعة الأفلام المحلية، محادثات أشبه ما تكون بالمقابلات غير المُنَظمَّة (غير المُعدَّة)، تكشفت عدة حقائق منسية، أو يجرى تجاهلها وسط غمرة الحماس والاندفاع، اللافت للنظر بقوته، في المطالبة بنقل الرواية المحلية إلى الشاشة.

من تلك الحقائق، والتي تكرر ذكرها أثناء مناقشة الموضوع، هي أن الوقت مبكر جداً، حتى على مجرد مناقشة موضوع الروايات المحلية والسينما، ناهيك عن قضية «ترجمتها» للشاشة.

ويؤكدون أنه موضوع سابق لأوانه لأنه حتى هذه اللحظة لا يمكن القول إن لدينا شركات إنتاج سينمائي مستقلة، أي متخصصة في الإنتاج السينمائي فقط، وقادرة، في الوقت نفسه، على الاستثمار فيه.

فالشركات الموجودة الآن هي شركات إعلانات في الأساس، بعضها انطلق من اليوتيوب، ودخلت مجال الإنتاج التلفزيوني والسينمائي حينما سنحت لها الفرص؛ بيد أنها لم تجرؤ على المغامرة بالتخصص في الإنتاج السينمائي كونه غير مأمون العواقب على الأقل مرحلياً، فقد يؤدي إلى تكبدها خسائر مالية، وربما الإغلاق. الإعلانات هي المجال الحيوي اقتصادياً ومصدر الدخل المأمون والمربح.

تصفح أيضًا: الرياض أول مدينة في العالم تقدم تجربة الإصدار المقبل من لعبة كرة القدم «إي إيه سبورتس إف سي26»

يقول أحد السينمائيين إن في المملكة عدداً كبيراً من شركات الإعلان، يبدأ بعضها خوض تجربة الإنتاج التلفزيوني أو السينمائي عندما تتوفر لديها الإمكانات المالية.

والحقيقة أن كل الشركات لديها الرغبة في خوض التجربة، لكن الفرص لا تتهيأ للجميع، كما أن المستثمرين قليلون. لكن هذه لا يعني انسداد الطريق تماماً أمامها، إذ استطاع البعض منها اجتذاب مستثمرين لتمويل مشاريعها لأنها أصبحت شركات معروفة، أو دخلت في شراكات إنتاج، كما فعلت المجموعة السعودية للإنتاج والتمويل «تلفاز11» بتعاقدها مع «نتفليكس».

ويتفق السينمائيون الثلاثة على أن شراكات مربحة كهذه تمنح شركات الإنتاج القدرة على شراء حقوق ملكية روايات، شريطة فهم الروائيين لطريقة البيع والتعاقد، ولا يقل عن ذلك أهميةً تجنب المغالاة والمبالغة، فاعتقاد بعض الروائيين أن صناعة الأفلام المحلية تدر أموالاً طائلة – والواقع ليس كذلك – وأن رواياتهم كفيلة بذاتها لجعل الأفلام المبنية عليها عظيمة يدفعهم – الاعتقاد – إلى طلب مبالغ خيالية، لا تتناسب منطقياً مع حجم مبيعات ومقروئية رواياتهم الذي لا يستطيعون تقديم أرقام وإحصاءات تثبته، وتبرر مبالغتهم في اشتراط الأثمان الباهظة لروايات قد لا يكون عدد قرائها كبيراً كما يعتقدون أو يتوهمون. كما أن التكلفة العالية لا تنتهي عند حقوق الملكية، فتوظيف كاتب سيناريو للاشتغال على رواية يستغرق وقتاً طويلاً ويشكل عبئاً مالياً إضافياً كبيراً.

لقد سلَّط المتحدثون الضوء على الجانب الأهم للقضية، الذي لن يُرى من دون الانخراط، أو هل أقول التورط، في صناعة الأفلام. بالإضافة، إن وراء الأكمة ما وراءها، ومما وراءها صعوبات سيكشف عرضها أن تحويل الروايات إلى أفلام ليس سهلاً، فوجود المال والرغبة لدى أي شركة إنتاج سيضعها في مواجهة صعوبات لا يستهان بها، في مقدمتها صعوبة اختيار الروايات التي تراهن على انتهائها أفلاماً تحقق اختراقات عظيمة عند شباك التذاكر. سيكون الاختيار صعباً للغاية؛ إذ ستجد نفسها في مواجهة عدد كبير من الروايات «القديمة» والجديدة.

مصدر هذه الصعوبة الأولية هو خلو المشهد الأدبي والثقافي من المعطيات والمؤشرات التي تساعد صُنّاع الأفلام على اختيار الروايات التي يرونها ملائمة.

تمثل قوائم الروايات/ الكتب الأكثر مبيعاً، رغم كل التحفظات التي تحيط بها والانتقادات التي تستهدفها، عاملاً يساعد على الاختيار. إن وجود رواية ما على أكثر من قائمة، ولمدة طويلة، يثير الطمأنينة والثقة بها، وينبئ بنجاح مشروع ترجمتها إلى فيلم.

قد لا يحقق المشروع النجاح المأمول، أو حتى نصف النجاح، غير أن الاختيار لم يكن في الأساس ممكناً من دون تلك القوائم، غير المتوفرة لصُنّاع الأفلام في بلادنا.

يؤدي النقد الصحافي، أو المراجعات «reviews»، دوراً مهماً في التعريف والترويج للروايات الجديدة.

وفي بلاد كبلادنا التي يصدر فيها عدد كبير من الروايات سنوياً، يتعذر على صُنّاع الأفلام وغيرهم متابعة ومعرفة، ناهيك عن قراءة، كل ما يصدر، من دون صفحات وملاحق المراجعات التي تختصر عليهم وقت وجهود البحث عمّا يبتغون.

إن الإشادات النقدية والتوصيات بقراءتها فيما يُعرف بـ«rave reviews» عامل حاسم في عملية الاختيار. وتشكل الجوائز الأدبية عاملاً مهماً آخر.

هنالك عوامل أخرى تسهم في تذليل صعوبة البحث والاختيار، ولكنها لا تتوفر في كل رواية جديدة مثل شهرة وشعبية المؤلف، الانتشار الواسع ورواج رواياته السابقة، فوزه بجوائز، أو فوز روايات سابقة له بجوائز، أو «النجاح الجماهيري» لفيلم مبني على إحدى رواياته السابقة. كل هذه العوامل لا يتوفر معظمها في حالة واحد من كُتّاب الرواية الأدبية في واقعنا الأدبي والثقافي.

الوحيد الذي تتوفر معظم هذه المعطيات في حالته، هو الروائي أسامه المسلم، وهذا يفسر شراء «إم بي سي ستوديوز» حقوق روايته «جحيم العابرين» لترجمتها إلى فيلم بنفس العنوان، مُراهنةً على نجاح فيلمها جماهيرياً، كما راهنت على نجاح مسلسل «شارع الأعشى» الذي كلف إنتاجه (52.5) مليون ريال وفقاً لـ«ويكبيديا».

في غياب العوامل والظروف المذكورة سالفاً، ليس على المنتج الراغب في، أو يشعر بالحاجة، إلى ترجمة رواية محلية إلى فيلم، سوى الاعتماد على الذات والأخذ بأي وسائل تمكنه من اختيار الروايات المناسبة. ولعل توظيف كشّافة كتب/ كشّافة أدبيين

«book scouts/literary scouts» و«دراماتورغية» كمستشارين، خطوة في اتجاه أحد الحلول، رغم ما تعنيه من ازدياد الأعباء المالية عليه. فكم عدد الكشّافة والدراماتورغية الذين يلزمه توظيفهم للبحث والتنقيب في القديم والجديد عن رواية واحدة فقط؟

الوقت مبكر، كما قال السينمائيون آنفاً، على مطالبة صُنّاع الأفلام بتحويل الرواية السعودية إلى فيلم. سيفعلون ذلك عندما يشعرون بالحاجة، مع توفر الإمكانات والظروف المساعدة على إنجازه.

* كاتب وناقد سعودي

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version