الرئيسية الثقافة والتاريخ ما سر الإقبال على روايات الطبيبة المتخفية وراء اسم مستعار؟

ما سر الإقبال على روايات الطبيبة المتخفية وراء اسم مستعار؟

0

هل يعني تصدر قوائم «البيست سيلر» بالضرورة أننا أمام عمل أدبي يزخر بالعمق الفني، والجمال اللغوي، والأصالة الفكرية؟ قطعاً لا، فمفهوم «الرواج» قد انفصل في عصرنا هذا عن معيار «الجودة الأدبية»، وغالباً ما أصبح يعكس استجابة لمتطلبات السوق وتوقعات القارئ الباحث عن الترفيه السريع والتشويق العابر. في سياق هذا الجدل الدائر حول العلاقة بين الرواج التجاري والقيمة الأدبية، تبرز أسماء معينة لتُشكل حالة لافتة، من بينها حالة الكاتبة الأميركية فريدا ماكفادن التي استطاعت في سنوات قليلة أن تُحقق نجاحاً ساحقاً، وتُسيطر على قوائم الكتب الأكثر مبيعاً برواياتها التي تنتمي إلى أدب التشويق النفسي.

الأرقام التي تتداولها وسائل الإعلام تبدو خرافية: 40 مليون نسخة من روايتها بيعت في العالم منذ 2022، منها 7 ملايين باللغة الإنجليزية و3 ملايين باللغة الفرنسية. روايتها الشهيرة «الخادمة» (أو ثي هاوس مايد) احتلت صدارة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في موقع «أمازون» لمدة 83 أسبوعاً على التوالي و60 أسبوعاً في قائمة «النيويورك تايمز» المرموقة. في فرنسا وبلجيكا يبقى الإقبال قويّاً على أعمالها منذ صدور «الخادمة»: إحصاءات معهد «جي إف كا» مع صحيفة «ليفر إبدو» تتحدث عن 30 ألف نسخة تباع أسبوعياً. في 2024، كتاب من بين كل كتابين بيعا في فرنسا كانا من إمضاء فريدا ماكفادن، علماً بأن هذه الأرقام مرشّحة للارتفاع بعد صدور روايتها الأخيرة «الطبيبة النفسية» في أبريل (نيسان) الماضي.

الظاهرة أثارت اهتمام الصحافة الأدبية التي لم تستوعب سرّ هذا النجاح، فعلى الرغم من النجاح الجماهيري اللافت الذي حققته فريدا ماكفادن، لم تَسلم أعمالها من النقد الذي طال جوانب بنيوية وفنية في رواياتها. فقد رأى بعض النقاد أنها تميل إلى التكرار في البناء السّردي مما يجعل نهايات قصّصها متوقعة لدى القارئ المتمرّس، في حين تبدو بعض الحبكات قائمة على عنصر المفاجأة المجردة من العمق الدرامي. كما وُجهت لها ملحوظات بشأن سطحية رسم الشخصيات، إذ تفتقر في بعض الأحيان إلى تقديم دوافع نفسية متينة، مما يُضعف من واقعية أبطالها ويُقلل من قدرة القارئ على التماهي معهم.

تصفح أيضًا: ماذا تبقى من أركون؟

أما على مستوى اللغة، فقد اعتُبر أسلوبها مباشراً إلى حدّ التبسيط، يفتقر إلى المجاز والرمزية التي تُثري الأدب النفسي، وهو ما يجعل بعض رواياتها تبدو أقرب إلى القراءة السريعة منها إلى التأمل الأدبي العميق.

يُضاف إلى ذلك، اعتمادها المتكرر على قوالب نمطية مألوفة في أدب التشويق، مثل «الزوجة الغامضة» و«المنزل المريب»، ما أثار تساؤلات حول مدى التجديد والابتكار في أعمالها… صحيفة «نوفيل أبسورفاتور» تساءلت بمرارة: «فريدا ماكفادن تكتسح سوق الكتب، لكن ما الذي يجده القرّاء فيها؟»، وبعد حوارات مع العديد من قرّائها وصل كاتب المقال إلى النتيجة التالية: من أسرار رواج ماكفادن قدرتها على الوصول إلى جمهور واسع، بدءاً من الشباب ووصولاً إلى كبار السّن بقصّص تلامس الهموم الإنسانية المشتركة كالوحدة والتوتر النفسي والانفصال والفقر. لكن الصحيفة الفرنسية ركزّت على عنصر مهم هو إتقان الكاتبة لفن التلاعب بالقارئ وبراعتها في فن الحبكة الدرامية القائمة على التشويق التدريجي، فهي لا تكتفي ببناء قصّة مشوقة فحسب، بل تُتقن فن قلب التوقعات، حيث تأتي النهاية محمّلة بانعطافات درامية غير متوقعة تغيّر فهم القارئ لما قرأه من قبل. هذا الأسلوب يجعل القارئ يعيد التفكير في الأحداث السابقة من منظور جديد، مما يمنح الرواية عمقاً إضافياً ويزيد من تأثيرها العاطفي والنفسي.

أما صحيفة «ليبراسيون»، فقد وصفت أعمالها بأنها «روايات تُلتهم مثل الوجبات السريعة»، بينما شبّهتها «لو فيغارو» بـ«أدب المحطة» في إشارة إلى أسلوبها البسيط، فخلافاً لكثير من الكتّاب الذين يستخدمون وصفاً مطوّلاً، تعتمد ماكفادن على سرّد مباشر وسهل الفهم. جملها قصيرة، وأسلوبها خالٍ من الزخرفة أو التعقيد، مما يجعل القارئ يدخل في قلب القصة بسرعة، ويشعر وكأنه يقرأ تفاصيل حياة حقيقية وليست مجرد رواية خيالية. هذا الأسلوب البسيط هو ما يمنح أعمالها قوةً وتأثيراً نفسياً كبيراً، لأن القارئ لا ينشغل باللغة أو الأسلوب، بل يركّز على القصة والأحداث. كثير من التقارير أشارت إلى الدور المحوري الذي تلعبه مجتمعات القراءة الرقمية ومنصّات التواصل الاجتماعي في انتشار أعمالها، كمراجعات القرّاء التي تُترك على منصّة «غود ريدس» و«أمازون»، التي لا تقّل أهمية عن المراجعات النقدية الأكاديمية، حيث تساهم بشكل كبير في بناء سمعة الكاتب، إضافة إلى التفاعل الجماهيري المستمر مع القرّاء عبر منصّات مثل «إنستغرام» و«فيسبوك» وخصوصاً «تيك توك» من خلال ما يُعرف بـ«البوك توك» (BookTok)، وهي مجتمعات رقمية يتداول فيها القراء ترشيحات الكتب بطريقة جذابة، مما ساهم في تضاعف مبيعاتها وانتشار اسمها عالمياً.

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version