- اعلان -
الرئيسية الثقافة والتاريخ محمود شقير: القدس حاضنة الروح وهي التي تنعش قلبي ووجداني

محمود شقير: القدس حاضنة الروح وهي التي تنعش قلبي ووجداني

0

يصدر قريباً عن «دار نوفل/هاشيت أنطوان» في بيروت الجزء الثالث الأخير من سيرة الأديب المقدسي محمود شقير، «هامش أخير»، وفيها «يستوفي ما كان ناقصاً» في الجزأين الأولين من سيرته المنشورة: «تلك الأزمنة» و«تلك الأمكنة».

في عناوين كثيرة وقصيرة تشبه فصولاً، وبأسلوبٍ هادئٍ ولغةٍ واضحة تموج بين الإمتاع والتأمل والطرافة، يعرّي شقير ذاته دون أقنعةٍ أمام القارئ، بلا عقدٍ ولا خوفٍ من مواجهة ذاته بصدقٍ وجرأة. تحضر القدس كثيمةٍ رئيسةٍ في الكتاب، وكمدينةٍ صاغت شخصية الكاتب، وكجزء من مادّة شقير الأدبية، وجزءٍ من روحه ووعيه. ويُضيء بعجالةٍ على وضعها الحضاري قبل النكبة وأحوالها الثقافيّة، ثم تحوّلها مع توالي النكسات.

في هذه السيرة تلويحات وفاءٍ لأسماءٍ أدبيّة وأصدقاء مرّوا في حياة الكاتب وهم كثُر، واحتفاءٌ وتقديرٌ للمرأة وأدوارها في المجتمع، وذكرٌ لمدنٍ وأمكنةٍ زارها داخل فلسطين وخارجها، كبيروت ودمشق، والجزائر، وبلغاريا، وإسطنبول، وبراغ… وفي آخر الكتاب ملحقٌ فيه معايدة لكتّابٍ بعيد ميلاد الكاتب الثمانين، وشهادات في كتابته. تبدو السيرة كأنها تأريخ ثقافيّ وسياسيّ وتاريخيّ لمرحلة مهمة منذ أربعينات القرن الماضي وحتى اليوم.

ولد محمود شقير في القدس، 1941، وهو يكتب القصّة والرواية للكبار والفتيان. أصدر حتّى الآن خمسة وثمانين كتاباً، وكتب ستّة مسلسلات تلفزيونيّة طويلة وأربع مسرحيّات. تُرجمت بعض كتبه إلى اثنتي عشرة لغة من بينها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والسويديّة والفارسيّة والتركيّة. حاز جوائز عديدة، من بينها جائزة محمود درويش للحرّية والإبداع (2011)، جائزة القدس للثقافة والإبداع (2015)، جائزة دولة فلسطين في الآداب (2019)، جائزة الشرف من اتحاد الكتّاب الأتراك (2023)، جائزة فلسطين العالمية للآداب (2023).

تنقّلَ بين بيروت وعمّان وبراغ، ويقيم حاليّاً في القدس.

فيما يلي مقتطف من كتاب «هامش أخير» للأديب محمود شقير حصرياً لصحيفة «الشرق الأوسط»:

هي ذي القدسُ قدسُ البشر

قدسُ شغّيلةٍ مرهقين

وضحايا الحنين

في صلاة المساء الحزين.

(سميح القاسم)

هي القدس

تصفح أيضًا: شاشة الناقد: أنيميشن جديد من وحي «سيد الخواتم» وعدو سبايدر مان الذي بات بطلاً

هي المدينة التي شكّلت حياتي وصاغت شخصيّتي. هي كلّ ما له قيمة في حياتي، وهي التي تظهر دوماً في كتاباتي القصصيّة والروائيّة وفي سيرتي الذاتيّة، وفي الكتابة عن شخصيّاتٍ وطنيّةٍ تقدّميةٍ كان لها دور رياديّ في المدينة.

والقدس تظهر في كتاباتي لا من باب التقصّد والادّعاء، بل من باب الضرورة التي يفرضها منطق العمل الأدبي، بوصفها جزءاً من مضمون المادّة الأدبيّة التي أكتبها. القدس هي حاضنة الروح، وهي التي تنعش قلبي ووجداني وتجعلني متمسّكاً بأهداب الحياة مستبشراً بالمستقبل مهما كانت الصعوبات.

في أثناء مكوثي في السجن الإسرائيلي كنت أتذكّر أيّامي في المدينة، فأزداد تعلّقاً بها وحبّاً لها، وقلقاً عليها من محاولات التهويد.

وأنا بعيد عنها صرت أرى مجرّد المشي في شوارعها أو الجلوس في مقاهيها ومطاعمها يكتسب قيمة أكيدة، ولا بدّ من الإكثار من ذلك وعدم ترك أيّ بقعةٍ فيها من دون زيارةٍ لها وتمعّنٍ في تفاصيلها. في البعد عنها صارت أكثر قرباً من نفسي، وصرتُ أمنّي نفسي بمزيدٍ من الاهتمام بها وعدم تضييع أيّ فرصةٍ لجعلها أقرب إلى نفسي وإلى أيّام حياتي. أمّا علاقتي بها في سياق الكتابة والأدب والإبداع، فهي امتداد لعلاقتي الوطنيّة بها ولانتمائي لها بصفتي مواطناً فلسطينيّاً.

كتبتُ عنها قصصاً ورواياتٍ ونصوصاً. استوحيتُ من مأساتها ومن محاولات تهويدها كثيراً مما كتبتُه عنها. كتبتُ عنها للأطفال وللفتيات والفتيان، وكتبتُ عنها للكبار. ظهرت القدس في كتاباتي المختلفة في أكثر من عشرين كتاباً، ومؤخّراً ظهر كتابي «القدس وحدها هناك» مترجماً إلى اللغة التركيّة، وكان قد تُرجم من قبل إلى اللغتين الإنجليزيّة والسويديّة. ومن كتبي التي كتبتُها عنها بعد عودتي من المنفى «ظلٌّ آخر للمدينة».

ورد ذكر القدس على نحوٍ واسعٍ في روايتي الأولى «فرس العائلة»، وفي روايتي الثانية «مديح لنساء العائلة» التي تُرجمت إلى اللغة الإنجليزيّة. وفي روايتي الثالثة «ظلال العائلة»، والرابعة «منزل الذكريات»، ثمّة ذكر شامل للقدس، لشوارعها وأزقّتها وأسواقها وأحيائها المختلفة.

القدس والظلّ الآخر

كان أوّل كتابٍ لي بعد العودة هو «ظلّ آخر للمدينة»، وقد تعدّدت الآراء والتصنيفات حوله. أميل إلى عدّه نصّاً مفتوحاً قادراً على استيعاب أجناسٍ أدبيّةٍ عديدة في وقتٍ واحد. هو ليس رواية بالتأكيد، لكنّه يستفيد من تقنيات الكتابة الروائيّة، وهو ليس كتابَ يوميّاتٍ أو مذكّرات، لأنّ ما فيه من سردٍ ومن شخوصٍ ومن وصفٍ للمكان، وما فيه من بعض جوانب لسيرتي الذاتيّة التي توضّح علاقتي بالقدس وعلاقة القدس بي، يفيض عن شكل اليوميّات ومحتواها مثلما يفيض عن شكل المذكّرات ومحتواها.

في ظنّي أنّ هذا الكتاب يظلّ قابلاً لأنْ تقرأه الأجيال الجديدة من الفلسطينيّين والفلسطينيّات، ومن العرب المعنيّين بفترةٍ من الفترات الحاسمة التي عاشتْها وما زالت تعيشها القدس. وربّما لهذا السبب أنجزتْ دار محمّد علي التونسيّة في صفاقس طبعة ثانية من هذا الكتاب، الذي أعتزّ به وأعدّه من كتبي المميّزة.

معاناة المدينة

ما تعرّضتْ له القدس من جرّاء كارثة 1948 كان فادحاً بكلّ المقاييس. فقد كانت القدس قبل الكارثة تسير على درب الحداثة، بخطى معقولةٍ إلى حدٍّ ما. كانت مدينة منفتحة على الدنيا وعلى الثقافات، يأتيها الفنّانون والمثقّفون والأدباء من مصر ولبنان وشرق الأردن والعراق. وكان فيها أدباء منفتحون على الثقافة الحديثة، وفي طليعتهم على سبيل المثال خليل السكاكيني وإسعاف النشاشيبي. وكانت في المدينة نخبة من الطبقة الوسطى التي تعيش حالة من التمدّن ومن مواكبة العصر والانتماء للحداثة، رغم نفوذ العائلات المتنافسة على الزعامة، ورغم قيود الانتداب البريطاني ومخاطر الغزوة الصهيونيّة الوافدة.

حين وقعت النكبة، قُسّمت القدس وانهار المجتمع، وتشرّدت النخبة المتعلّمة التي كانت تتمركز في أهم حيَّين من أحياء الجزء الغربي من المدينة، هما القطمون والطالبيّة. وتبعاً لذلك انهارت الحداثة الناشئة في المدينة، واحتاج الجزء الشرقي من القدس إلى سنواتٍ غير قليلةٍ لينهض من جديد.

وحين وقعتْ هزيمة يونيو (حزيران) 1967 تمّ الإطباق على الجزء الشرقي من المدينة، وجرى تبديد الحياة الثقافيّة التي كانت تترعرع فيها، وتمّ خنق التطوّر العمراني فيها. واستمرّ هذا الخنق وتفاقم حين تمّ فصل القدس الشرقيّة عن محيطها الفلسطيني من خلال جدار الفصل. وجرى زرع أكثر من ثمانين بؤرةً استيطانيّة في قلب البلدة القديمة داخل السور، علاوة على تطويق المدينة بسلسلةٍ من المستوطنات الإسرائيليّة، وجرى ويجري بمختلف الوسائل والأشكال فرض المناهج الإسرائيليّة في مدارس القدس بديلاً من المنهاج الفلسطيني.

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version