أبدت مصر «تفاؤلاً» بإمكانية تحقيق انفراجة في العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وإن أشارت إلى استمرار وجود «شواغل» قال خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إنها «لن تعيق تطور العلاقات بين البلدين».
ورحب وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في تصريحات متلفزة، مساء الأحد، بقرار السلطات الإيرانية تغيير اسم «شارع خالد الإسلامبولي» في طهران، وهو الشارع الذي سُمّي تيمّناً بالعسكري المصري الذي اغتال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات عام 1981.
وعَدّ عبد العاطي ذلك «إشارة رمزية لتعزيز العلاقات». وقال: «نرحب بتغيير إيران تسمية شارع قاتل الرئيس السادات، ونأمل أن يؤدي الزخم المتراكم في مسار العلاقة إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة».
وكانت تسمية الشارع باسم «خالد الإسلامبولي»، الذي نفّذ عملية اغتيال الرئيس المصري الأسبق خلال عرض عسكري في ذكرى حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، «مصدر إزعاج دائم للعلاقات المصرية – الإيرانية، مما يجعل خطوة تغييره مؤشراً على بدء تحسن العلاقات»، حسب مراقبين.
وأشار وزير الخارجية المصري إلى «تدشين بلاده آلية للمشاورات مع إيران على مستوى دون وزاري، مع مناقشات حول الانفتاح في المجالات التجارية والاقتصادية والسياحية». وبينما لفت عبد العاطي إلى وجود «شواغل بشأن السياسات الإيرانية في المنطقة وسياسة حسن الجوار»، أكد أن «العلاقات بين البلدين تسير بوتيرة جيدة»، معرباً عن «تفاؤله بتحقيق انفراجة دبلوماسية شاملة».
وكان وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، زار القاهرة مطلع يونيو (حزيران) 2025، حيث التقى بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وقال خلال مؤتمر صحافي مشترك مع بدر عبد العاطي حينها إن «العلاقات بين طهران والقاهرة تشهد مساراً متقدماً وغير مسبوق نحو التعاون والتقارب»، وأضاف حينها أن المحادثات مع وزير الخارجية المصري «أسفرت عن الاتفاق على استمرار المشاورات السياسية بين البلدين، إلى جانب العمل على زيادة حجم التبادل التجاري وتعزيز التعاون السياحي».
عبد الفتاح السيسي خلال استقبال وزير الخارجية الإيراني في القاهرة أخيراً (الرئاسة المصرية)
خبير الشؤون الإيرانية، رئيس «المنتدى العربي لتحليل السياسيات الإيرانية»، محمد محسن أبو النور، قال إن «العلاقات بين مصر وإيران تشهد مساراً تصاعدياً، لا سيما مع حرص طهران المتزايد على تطوير علاقاتها مع القاهرة؛ لإيمانها بدور مصر الإقليمي الذي من دونه لا يمكن تحقيق الاستقرار في المنطقة».
وأكد أبو النور أن «إيران سعت لتطوير العلاقات مع مصر ودول الجوار، وبدأت الانتقال من فكر الثورة إلى فكر الدولة، واعتمدت طابعاً براجماتياً في علاقاتها السياسية الخارجية»، مشيراً إلى أن «هذا المسار يتطلب من طهران تحسين علاقاتها العربية والأفريقية»، منوهاً إلى «التطور الملحوظ في العلاقات بين مصر وإيران على صعيد المحادثات التي تجري بين البلدين في مستويات دون الوزراء».
نوصي بقراءة: عراقجي: الإيرانيون ضحوا بـ«دمائهم» وليس بـ«شرفهم» في الحرب مع إسرائيل
واتفق معه مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، وقال إن «العلاقات بين البلدين وصلت لمرحلة متقدمة جداً على مستوى الاتصالات المتبادلة بين الرؤساء ووزراء الخارجية». لكنه أشار إلى أن «الظروف الإقليمية مع بعد (حرب غزة) عززت هذا التطور ودفعت باتجاهه».
وكان وزير الخارجية المصري قد أعلن في وقت سابق عن «إطلاق مسار للمشاورات السياسية بين البلدين يُعقد دون المستوى الوزاري لتناول جوانب العلاقات المختلفة».
وفيما يتعلق بالشواغل المصرية، قال أبو النور إنها «تتعلق بدور إيران الإقليمي وعلاقاتها بجماعات تلعب أدواراً في دول المنطقة مثل جماعة (الحوثي) في اليمن، التي تسببت هجماتها على السفن في خسائر اقتصادية لمصر»، إضافة إلى «إيواء طهران عناصر مطلوبة في مصر»، لكنه توقع أن «تعمل طهران على حلحلة هذه الشواغل، لا سيما مع تأكيد القاهرة المتواصل على أهمية الأمن القومي العربي بالنسبة لها».
وقال وزير الخارجية المصري، مساء الأحد، إن «مصر الأكثر تضرراً من تهديد أمن وحرية الملاحة في البحر الأحمر، وإن أكثر من 8 مليارات دولار (الدولار يساوي 49.6 جنيه في مصر) خسائر صافية ومباشرة من تراجع حركة الملاحة بقناة السويس». ولفت إلى أن «هناك حديثاً وتواصلاً مع الإيرانيين للضغط على الحوثي لعدم استهداف السفن».
الرئيسان المصري والإيراني ووفدا البلدين على هامش قمة «بريكس» في روسيا أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
وبحسب الأكاديمية وخبيرة شؤون الشرق الأوسط والدراسات الإيرانية، الدكتورة هدى رؤوف، فإن «سلوك إيران في المنطقة هو الذي عطل تطور العلاقات مع مصر»، موضحة أن «مصر ساندت إيران دبلوماسياً عندما تعرضت لهجوم من إسرائيل والولايات المتحدة، لكنها في الوقت نفسه أدانت هجوم طهران على قاعدة (العديد) الأميركية في قطر؛ لأنها ترفض تحويل الدول العربية إلى ساحة للحرب ضد واشنطن».
وأكدت أن «الأمن القومي العربي أحد محددات السياسة الخارجية المصرية»، مشيرة إلى أن «القاهرة سوف تنتظر لترى كيف ستتعامل طهران مع المنطقة، وما إذا كانت ستلتزم بسياسات حسن الجوار».
وكان البلدان قد قطعا العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1979 قبل أن تُستأنف بعد ذلك بـ11 عاماً، لكن على مستوى القائم بالأعمال. وشهد العامان الماضيان لقاءات بين وزراء مصريين وإيرانيين في مناسبات عدة، لبحث إمكانية تطوير العلاقات بين البلدين، لتتطور في مايو (أيار) 2023 بتوجيه رئاسي إيراني لوزارة خارجية بلادها باتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز العلاقات مع مصر. وكذا لقاءات على مستوى وزراء الخارجية، بخلاف لقاء السيسي والرئيس السابق إبراهيم رئيسي، في الرياض، نوفمبر (تشرين الثاني) 2023. كما التقى الرئيس المصري مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على هامش قمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي، التي عقدت بالعاصمة الإدارية الجديدة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وأخيراً، قال وزير الخارجية الإيراني إن «العلاقات مع مصر أعمق وأكثر فاعلية من العديد من العلاقات الرسمية التي تربط بلاده بدول أخرى». وأشار في تصريحات متلفزة إلى أن «حجم الزيارات، والتعاون، والتواصل، خاصة فيما يتعلق بالملفات الإقليمية والقضايا المهمة مثل الحرب الأخيرة، كان ملحوظاً ومؤثراً».
