الثلاثاء, يوليو 29, 2025
الرئيسيةالوطن العربيالسعوديةمع التحول الرقمي... كيف تستعد البنية التحتية لاحتضان ذكاء يتعلّم ويتصرّف؟

مع التحول الرقمي… كيف تستعد البنية التحتية لاحتضان ذكاء يتعلّم ويتصرّف؟

لم يعد الذكاء الاصطناعي مقتصراً على النماذج الثابتة أو الاستجابات المبرمجة، بل يبرز نموذج جديد يعيد تعريف كيفية تفاعل الآلات مع البيانات والبيئات والبشر. يُعرف هذا التطور باسم «الذكاء الاصطناعي الوكيلي» (Agentic AI)، وهو يمثّل أنظمة ذكية لا تكتفي بالتحليل، بل تتصرف وتتعلم وتتأقلم مع مرور الوقت.

في المملكة العربية السعودية، حيث يُعد الذكاء الاصطناعي محوراً أساسياً في «رؤية 2030» والتحول الرقمي، فإن تبنّي «الذكاء الاصطناعي الوكيلي» يحمل أبعاداً استراتيجية عميقة. لكن مع هذه الإمكانيات الجديدة، يظهر تحدٍ جوهري. هل الأنظمة الحالية التي صُممت لمعالجة البيانات المؤقتة كافية؟

عزيز حيدر المدير العام لدى شركة «فاست داتا» في منطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا (فاست داتا)

تعتمد النماذج التقليدية للذكاء الاصطناعي على التنبؤ أو التصنيف أو التوليد بناءً على مدخلات ثابتة. وهي نماذج لا تحتفظ بالذاكرة وتعتمد على آلية استجابة للطلب، وتعتمد على بنى تحتية مصممة للاستدلال لا للتفاعل. أما «الذكاء الاصطناعي الوكيلي» فيقدم طبقة جديدة من الاستمرارية والاستقلالية. يقول المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا في شركة «فاست داتا» VAST Data، حيدر عزيز، خلال حديث خاص مع «الشرق الأوسط»، إن «الذكاء الاصطناعي الوكيلي» لا يكتفي بالاستدلال، بل يتصرف. ويشرح أنه على عكس النماذج التقليدية التي ترد على الطلبات، فإن «الوكلاء» يحتفظون بالذاكرة، ويتعلمون بمرور الوقت ويعملون باستقلالية.

هذا التغير يُسقط فرضيات قديمة حول إمكانية فصل التخزين عن المعالجة أو التعامل مع البيانات على أنها مؤقتة. ويوضح عزيز أن هذه الفرضيات تنهار عندما يتعلّق الأمر بوكلاء يحتاجون إلى التذكر والتفكير والتصرف بشكل مستمر.

جوهر التحدي يكمن في مفهوم «الذاكرة والسياق». فـ«الوكلاء الأذكياء» يحتاجون إلى بيئات غنية بالسياق ودائمة الاتصال. أي تأخير بين وحدة المعالجة والتخزين وسير العمل يمكن أن يعرقل قدرتهم على اتخاذ القرار.

ويشير عزيز إلى أهمية عمل البنية التحتية بوصفها نظاماً موحداً وآمناً وسريع الاستجابة وغنياً بالسياق. ويقول: «لا يمكن تعديل الأنظمة القديمة أو السحابية المصممة للاستدلال السلبي لتلبي هذه المتطلبات».

وبالنسبة إلى المؤسسات السعودية التي تسعى إلى دمج الخدمات الذكية في مجالات؛ مثل: المدن الذكية، أو الخدمات اللوجيستية، أو الرعاية الرقمية، فإن البنية التحتية يجب أن تتحول من دعم «الذكاء» إلى «تمكين الفعل»، حسب وصفه.

يمثّل «الذكاء الاصطناعي الوكيلي» نقلة نوعية من النماذج السلبية إلى أنظمة تتعلّم وتتصرّف بشكل مستقل (شاترستوك)

لم يعد بالإمكان التعامل مع الذاكرة بوصفها إضافة. إنها اليوم حجر الزاوية. فـ«الوكيل» الذي يعمل في بيئة حقيقية يجب أن يتذكر ويتعلّم ويستجيب في الوقت الفعلي. وهذا يتطلّب بنية تحتية تضع الذاكرة والبيانات في صلب تصميمها. وحسب عزيز، «الآن يتم التعامل مع الذاكرة والبيانات بصفتها مواطنين من الدرجة الأولى، وليست نتائج ثانوية».

قد يهمك أيضًا: السعودية: إصدار 190 ألف تأشيرة عمرة منذ انطلاق الموسم

وهذا ضروري بشكل خاص في مشاريع المدن الذكية في السعودية، حيث يجب أن يعمل «الوكلاء» في بيئات مختلطة، من الحساسات والأجهزة إلى مراكز البيانات، وكلها تحت مظلة ذاكرة موحدة ومتصلة بالسياق.

«الذكاء الاصطناعي الوكيلي» لا يعمل في عزلة بل يتعامل مع العالم الحقيقي الغني بالبيانات غير المنظمة؛ مثل: النصوص، والفيديو، والصوت، ومستشعرات «إنترنت الأشياء». هذه ليست مجرد بيانات، بل هي البيئة التي يتحرك فيها الوكلاء. يرى عزيز أن «البيانات غير المنظمة ليست مجرد وقود لـ(الذكاء الاصطناعي الوكيلي)، بل هي البيئة التي يجب أن يدركها ويتفاعل معها».

وبالنسبة إلى القطاعات السعودية التي تعتمد على التحليل اللحظي، سواء في الأمن أو الأتمتة الصناعية أو التفاعل مع العملاء، فإن الحاجة باتت ملحّة إلى أنظمة تلغي التعقيد وتقدّم البيانات بالزمن الحقيقي، دون خطوات وسيطة أو تأخير.

إذا أردنا أن تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي بوصفها «وكلاء مستقلين»، فإن البنية التحتية يجب أن تتطور من طبقات منفصلة إلى نظام حي ومترابط. وهو نظام يُوحِّد الحوسبة والتخزين والذاكرة والتنظيم بطريقة متناغمة.

يرى عزيز أن البنية التحتية المستقبلية ستتحرك نحو نماذج المنصات الذكية المستمرة، ويقول: «البيانات لن تُخزّن وتُعالج لاحقاً، بل ستُبث ويتم التفكير بها في الوقت الحقيقي… فكر فيها بوصفها نظاماً حياً، لا بصفتها مجموعة طبقات».

يُعد الأمن والحوكمة عنصرين أساسيين لا بد من تضمينهما منذ البداية عند تشغيل «وكلاء ذكاء مستقلين» (شاترستوك)

مع الاستقلالية تأتي الحاجة إلى المساءلة. حين يتخذ «الوكلاء» قرارات في قطاعات؛ مثل: النقل أو الرعاية الصحية أو التمويل، تصبح الحوكمة أمراً جوهرياً. ويحذّر عزيز من أن «الأمن أمر أساسي، ويجب تضمين الحوكمة في مستوى البيانات والتنظيم منذ البداية… لا يمكنك إضافة الثقة لاحقاً». وبالنسبة إلى المملكة التي تستثمر في سيادة البيانات والثقة الرقمية، يُعدّ إنشاء بنية تحتية مبنية على أسس الامتثال والمراجعة والتصريح أولوية.

يتردد الكثير من المؤسسات في تبني هذا التحول خوفاً من فقدان استثماراتها في الأنظمة القديمة. لكن عزيز يطمئن: «لسنا بصدد مطالبة المؤسسات بهدم أنظمتها، بل يمكن الاحتفاظ بالتطبيقات وسير العمل ومصادر البيانات، وإضافة طبقة ذكية فوقها». هذا النهج التدريجي يُتيح للمؤسسات السعودية تطوير بنيتها التحتية دون تعطيل أعمالها اليومية، مع تحقيق قيمة مضافة فورية من قدرات «الذكاء الاصطناعي الوكيلي».

الكثير من المؤسسات لا تزال عالقة في مرحلة التجريب. والسبب غالباً هو غياب البنية التحتية الملائمة أو الخوف من القفز في المجهول. لكن عزيز يضع خريطة طريق واقعية، قائلاً: «ابدأ بحالة استخدام تمزج بين الإدراك واتخاذ القرار، مثل الدعم الفني المؤتمت أو التوجيه الذكي في سلاسل التوريد… ولا تنظر إلى البنية التحتية والذكاء الاصطناعي بوصفهما مسارَيْن منفصلَيْن».

«الذكاء الاصطناعي الوكيلي» ليس مشروعاً فردياً بل منظومة متكاملة من النماذج والأدوات ومنصات التشغيل التي يجب أن تتكامل معاً. ويصف عزيز المشهد الحالي: «إنه مثل أوركسترا… سيمفونية من الأدوات والطبقات التي يجب أن تعمل بانسجام».

والمملكة العربية السعودية، بتسارع نموها في الاقتصاد الرقمي، قادرة على لعب دور ريادي في هذا التحول من خلال دعم معايير مفتوحة وتكامل المنصات.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- اعلان -

الأكثر شهرة

احدث التعليقات