تزداد المخاوف من تداعيات الذكاء الاصطناعي على مجالات حيوية مثل سوق العمل والاستقرار السياسي والعلاقات الاجتماعية، وفقاً لنتائج استطلاع حديث أجرته وكالة «رويترز»، بالتعاون مع مؤسسة «إيبسوس».
الاستطلاع شمل 4446 بالغاً في الولايات المتحدة، وكشف أن 71 في المائة من المشاركين يشعرون بالقلق من أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى فقدان عدد كبير من الوظائف بشكل دائم، وهي نسبة تعكس قلقاً حقيقياً بشأن المستقبل المهني للكثيرين، خصوصاً في ظل التقارير المزدادة عن قدرة الذكاء الاصطناعي على أتمتة وظائف تعتمد على المعالجة المعلوماتية والتواصل، مثل خدمات الترجمة والدعم الفني.
قد جاءت هذه النتائج بعد أيام قليلة من صدور ورقة بحثية صادرة عن باحثين في «مايكروسوفت»، حددت الفئات الوظيفية الأكثر عرضة للتأثر بالتقنيات الذكية، وأظهرت البيانات أن الوظائف القائمة على التفاعل البشري والكتابة والمعالجة النصية من بين الأكثر هشاشةً أمام هذه التحولات.
وتتفق هذه التقديرات مع تصريحات أدلى بها عدد من قادة شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل داريو أمودي الرئيس التنفيذي لشركة «أنثروبيك» (Anthropic)، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه ىي» (OpenAI)، وأندي جاسي الرئيس التنفيذي لشركة «أمازون». أعرب جميع هؤلاء عن اعتقادهم بأن الأدوات التي تطورها شركاتهم ستؤثر على عدد كبير من الوظائف البشرية في المستقبل القريب.
لكن رغم هذه التحذيرات، لم تظهر حتى الآن آثارٌ واسعة النطاق على سوق العمل الأميركية، وإن كانت هناك بعض المؤشرات الأولية، مثل ما يواجهه الخريجون الجدد من تخصصات علوم الحاسب من صعوبة في الحصول على وظائف بمجال التكنولوجيا مقارنةً بالأعوام السابقة.
نوصي بقراءة: وزير الخارجية السعودي يتلقى رسالة من نظيره الإيراني
تقنيات «التزييف العميق» وتوليد الصوت تثير مخاوف من التضليل والخداع الرقمي (أدوبي)
تجاوزت المخاوف المرتبطة بالذكاء الاصطناعي حدود سوق العمل، لتصل إلى الجوانب السياسية والأمنية وحتى العلاقات الإنسانية. فقد أبدى أكثر من 77 في المائة من المشاركين في الاستطلاع خشيتهم من أن تستخدم دول منافسة للولايات المتحدة أدوات الذكاء الاصطناعي لإثارة الفوضى السياسية داخل البلاد.
هذه المخاوف لا تأتي من فراغ. باتت شبكة الإنترنت تعج بصور ومقاطع فيديو مزيفة باستخدام تقنيات «التزييف العميق» (ديب فيك) تصور شخصيات عامة وهي تقوم بأفعال لم تحدث قط. كما أن تطور نماذج تحويل النص إلى صوت جعل من السهل تقليد الأصوات الحقيقية، وهو ما بدأ بالفعل يستغلّه المحتالون في عمليات خداع إلكتروني.
وقد أشار تقرير سنوي أصدرته شركة «Open AI» في يونيو (حزيران) الماضي إلى أن بعض الجهات الخارجية بدأت تستفيد من تقنياتها لأهداف دعائية مريبة، من بينها حملة يُرجح أن مصدرها الصين، استُخدم فيها «تشات جي بي تي» لإنشاء منشورات وتعليقات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي حول قضايا سياسية مثيرة للجدل.
إلى جانب التأثيرات الاقتصادية والسياسية، أشار الاستطلاع إلى قلق الأميركيين من تأثير الذكاء الاصطناعي على طبيعة العلاقات الإنسانية. إذ عبّر 66 في المائة من المشاركين عن تخوفهم من أن يؤدي الانتشار المزداد لـ«رفقاء الذكاء الاصطناعي» إلى تآكل العلاقات الاجتماعية بين البشر. كما أبدى 61 في المائة من المستطلعة آراؤهم قلقهم من كمية الطاقة التي تستهلكها هذه التقنيات، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى تقليل الانبعاثات والحفاظ على البيئة.
في ضوء هذه المؤشرات، يبدو أن الأميركيين ينظرون إلى الذكاء الاصطناعي بتوجس مزداد، خصوصاً مع تصاعد وتيرة التطويرات التقنية، وغياب إطار تنظيمي واضح يضمن استخداماً مسؤولاً وآمناً لهذه الأدوات.