- اعلان -
الرئيسية الاخبار العاجلة هبوط «غير مسبوق» للجنيه السوداني يعقّد الأوضاع السياسية والمعيشية

هبوط «غير مسبوق» للجنيه السوداني يعقّد الأوضاع السياسية والمعيشية

0

يرجح أن يتسبب الهبوط الكبير في سعر صرف الجنيه السوداني في تعقيد الأوضاع السياسية والعسكرية بالبلاد التي تشهد حرباً دخلت عامها الثالث، فقد تراجع سعر الصرف ليعادل أكثر من 3 آلاف جنيه مقابل الدولار الأميركي الواحد، وبقيت مؤشرات سعر الصرف الرسمي تسجل انخفاضاً جديداً كل يوم.

ويأتي التسارع الكبير في تدني قيمة الجنيه السوداني في ظل النقص الكبير بالاحتياطي النقدي للعملات في «البنك المركزي»؛ مما يدفع بالتجار والمستوردين إلى الشراء من «السوق السوداء» للعملات، التي بدورها تؤدي إلى هذا الانخفاض.

وقال متعامل في السوق الموازية (السوداء)، بمدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة، إن هناك طلباً كبيراً وغير مسبوق على شراء الدولار. وأضاف: «نفذنا عمليات بيع مقابل 3300 جنيه مقابل الدولار، لكن السعر تراجع إلى نحو 2900 جنيه اليوم».

كامل إدريس خلال مراسم أداء اليمين رئيساً للوزراء أمام عبد الفتاح البرهان (أرشيفية – وكالة الأنباء السودانية)

وقال تاجر عملة لــ«الشرق الأوسط»، طالباً حجب اسمه: «فوجئنا بطلب كبير على الدولار في السوق. أعتقد أن هذا الانخفاض هو الأكبر في قيمة العملة منذ سنوات طويلة… هذه الأسعار ظلت غير ثابتة وتتحرك على مدار اليوم»، وتوقع استمرار انخفاض الجنيه أكثر خلال الأيام المقبلة.

وعزا انخفاض سعر العملة الوطنية إلى قلة العرض والزيادة الكبيرة في الطلب على شراء الدولار لتسيير حركة الاستيراد من الخارج.

وأفاد التاجر بأن هناك جهات تدخلت لشراء الدولار بكميات كبيرة، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بطريقة «غير مسبوقة»، وقال: «نعتقد أنها تتبع الحكومة؛ المشتري الأكبر للعملة الصعبة».

وأوضح أن «النظام الحالي للتحويلات النقدية المالية يسمح للشركات وحسابات الأفراد الموثوقة بتحويل ما بين 100 و500 مليار جنيه سوداني، وإيقافه لا يعدو (عملية تخدير مؤقت)، ولن يؤدي إلى تحسن قيمة الجنيه، بل سيؤثر قطعاً على معاملات كثيرة ترتبط بالأوضاع المعيشية في البلاد».

وعزا الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير تراجع قيمة الجنيه السوداني في اليومين الماضيين لأسباب عدة، أبرزها مرتبط بالفراغ الزمني الطويل بين حل الحكومة السابقة وتنفيذ تشكيل «حكومة الأمل» برئاسة كامل إدريس (قيد التشكيل حالياً). وقال لـ«الشرق الأوسط»: «في هذه الفترة يحدث تباطؤ اقتصادي، ينعكس على قيمة العملة الوطنية».

وأضاف: «الجهد المبذول في الاستفادة من إنتاج الذهب، ومساهمته المقدرة في رفد خزينة الدولة بالعملات الصعبة، يدحض أي أحاديث عن تدخل الحكومة، إلا إن استمرار عمليات تهريب الذهب يؤثر سلباً على سعر الصرف، لكنّ هناك تحسناً ملحوظاً في القيمة الشرائية للجنيه».

سودانيان ينظفان متجراً في شارع «الحرية» بالخرطوم يوم 15 يوليو 2025 كان تضرر جراء الحرب (أ.ف.ب)

وأوضح الناير أن الحكومة السودانية لجأت، عبر «البنك المركزي»، إلى «اتخاذ قرار تقييد التعاملات البنكية عبر التطبيقات التقنية المصرفية؛ للحد من المضاربة في النقد الأجنبي وتجارة العملة في (السوق السوداء)، لكنه قد يعوق عمل الشركات في القطاع الخاص عن إجراء تحويلات مالية ضخمة تتعلق بعملها وحاجتها الكبيرة للعملة الأجنبية والتحويلات المالية للتمويل بخصوص عمليات الاستيراد، لذلك تدخل السوق السوداء للحصول على النقد الأجنبي بكميات كبيرة».

واستبعد الناير ما يتردد عن تدخل الحكومة لشراء الدولار في السوق السوداء، وقال: «خزينة الدولة بها نحو ملياري دولار من عائدات الذهب العام الماضي. وانخفاض الجنيه السوداني في الأيام الماضية بسبب احتياجات القطاع الخاص».

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن «الحروب تؤدي إلى تراجع في المؤشرات الاقتصادية والمالية، وانخفاض في قيمة العملة المحلية، وارتفاع معدلات التضخم، لكن قدرة الفريق الاقتصادي على اتخاذ سياسات مالية مناسبة قد تقلل من هذه التأثيرات».

قد يهمك أيضًا: تنسيقية شباب الأحزاب تنعى ضحايا حادث الطريق الدائري الإقليمي بالمنوفية

وعدّ الناير أن إيقاف تحويلات الشركات عبر التطبيقات المصرفية، على الرغم من أنه ساعد في تحسن قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار، «قرار مرحلي مؤقت مرتبط بحدوث استقرار في سعر الصرف، وبعد ذلك يمكن أن تلجأ الحكومة لاتخاذ إجراءات سياسات مالية ونقدية لتثبيت سعر الصرف».

بدوره، قال أمين شباب الأعمال في «اتحاد أصحاب العمل» السابق، أحمد سيد، إن نسبة انخفاض الجنيه السوداني بلغت نحو 22 في المائة، و«يتوقع أن يتراجع أكثر في غياب الحل السياسي للحرب».

وعزا انخفاض قيمة الجنيه السوداني إلى «دخول مشترٍ، أو طلب ضخم للعملة الصعبة»، مرجحاً أن «تكون هذه الجهات على صلة وثيقة بالحكومة التي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة، لتغطية التزامات الحرب وشراء الأسلحة من الخارج، في ظل انحسار الدعم الإقليمي للسودان، وإشكالات أخرى تتعلق بشبكات تهريب الذهب؛ أكبر مورد للعملة الصعبة».

من داخل أحد البنوك في مروي (أرشيفية – أ.ب)

وأدى استمرار الحرب وتداعياتها إلى خفض إيرادات الدولة بنسبة 80 في المائة، ولانكماش اقتصادي بلغت نسبته 40 في المائة بنهاية عام 2023، وسط توقعات بارتفاع هذه النسبة خلال العام الحالي، وتدهور قيمة الجنيه مقابل الدولار الأميركي إلى نحو 3 آلاف، وقد يستمر هذا لفترات طويلة.

ويزداد الوضع تعقيداً في السودان؛ بسبب الموارد الشحيحة والصرف الأكبر والمتصاعد على المجهود الحربي، مع تراجع موارد الإنتاج والتصدير، وشح العملة الصعبة المتوفرة للدولة.

وتواجه الحكومة، التي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة لها، صعوبات في التحكم بسعر الجنيه السوداني المتدهور، الذي يتوقع أن يفرز ارتفاعاً جنونياً في أسعار السلع الغذائية والدواء، وبالتالي زيادة معاناة المواطنين الذين أنهكتهم الحرب.

وأدت الحرب الدائرة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» منذ نحو عامين ونصف العام، إلى أضرار بالغة السوء على صادرات البلد العربي ووارداته، كما تسببت في تعطّل معظم المصانع والشركات، وخسارة كبيرة في قطاع الأعمال بسبب الدمار والنهب.

وقال المحلل الاقتصادي، أحمد خليل، إن «انخفاض قيمة الجنيه السوداني يرجع إلى زيادة الطلب على العملات الأجنبية في مقابل ضعف العرض، في ظل النزاع الحالي؛ لما له من أثر كبير على قيمة الجنيه، مما سيفاقم الضائقة المعيشية وارتفاع معدلات التضخم».

وأضاف: «منذ 2021 بدأ السودان يفقد تحويلات المغتربين، التي تقدر بنحو 6 مليارات دولار في العام، وتراجع الإيراد النقدي من العملة الذي يأتي من صادرات الذهب».

ورأى خليل أن الإجراءات الحكومية الأخيرة لوقف تدهور العملة، «مؤقتة، ولا تختلف كثيراً عن الإجراءات الأمنية التي كانت تتخذها الحكومة سابقاً، لوقف تدهور العملة الوطنية».

من جانبه، قال المدير السابق لـ«الشركة السودانية للموارد المعدنية»، مبارك أردول، إن «المعالجات التي طرحت بوقف التحويلات الإلكترونية، لن توقف التدهور المريع في سعر صرف الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية».

وأضاف في تدوينة على منصة «إكس»: «هذه سياسة فاشلة وحلول مؤقتة، والجنيه السوداني سيعاود الانحدار بشكل مخيف بعد أيام».

وأضاف: «نحن نتدحرج بإصرار في تجريب هذه الحلول، منذ أن كانت قيمة الجنيه قبل عامين 900 مقابل الدولار، ونعتبرها سياسة ناجحة، حتى أصبحت اليوم قيمة الجنيه 3350 مقابل الدولار».

لا يوجد تعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

Exit mobile version