يتواصل الحديث عن اقترب إبرام هدنة في قطاع غزة، ولا سيما الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي ينتظر لقاء الأسبوع المقبل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالبيت الأبيض لبحث تطورات ذلك الاتفاق المحتمل.
غير أن أزمة ضمانات وقف الحرب التي تتمسك بها «حماس» لا تزال «معضلة» بحسب تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، في ظل رفض نتنياهو وقف إطلاق النار في غزة نهائياً، خشية تفكك مستقبله السياسي. وأشاروا إلى أن الوسطاء ليس أمامهم سوى الذهاب لهدنة جزئية، يجري خلالها بحث كل الأفكار والمقترحات التي تؤدي لإنهاء الحرب، معوّلين على ضغط أميركي خلال لقاء ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي لحسم هذا الأمر.
وأكّدت «حماس»، الثلاثاء، على أهمية تلك الضمانات.
أعمدة الدخان تتصاعد خلال قصف إسرائيلي لقطاع غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)
وقال المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي للحركة، طاهر النونو، لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «نحن جادّون ومستعدون للتوصل إلى اتفاق، ومستعدون لقبول أي مقترح، إذا توفرت متطلبات إنهاء الحرب بشكل واضح».
كما قال القيادي بـ«حماس» محمود مرداوي، في تصريحات صحافية، الثلاثاء، إن أي «اتفاق يجب أن يكون مشروطاً بوقف كامل للعدوان، وانسحاب قوات الاحتلال، والالتزام بما ورد في البروتوكول الإنساني، مع ضمانات واضحة تضمن التنفيذ الفعلي لأى تفاهم يتم التوصل إليه».
برز مطلب الضمانات بقوة، وسط زخم المفاوضات التي عادت للواجهة، بعد توقف المواجهات بين إسرائيل وإيران الشهر الماضي.
وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، مساء الأحد، في مقابلة متلفزة: «المطروح الآن (ونعمل عليه حالياً) هو وقف إطلاق نار، والعدوان الإسرائيلي، لمدة 60 يوماً، مقابل الإفراج عن عدد من الرهائن، وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية في أسرع وقت ممكن، على أمل أن يؤدى ذلك خلق الزخم المطلوب لاستدامة وقف إطلاق النار».
وأضاف: «هناك رؤية أميركية ترغب في التركيز على قطاع غزة بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، وهناك تفهم أميركي لأن يتضمن أي اتفاق قادم قدراً كافياً من الضمانات، بما يحقق استدامة وقف إطلاق النار وعدم استئناف العدوان الإسرائيلي على غزة».
بكاء أثناء تشييع فلسطينيين قُتلوا في ضربات إسرائيلية بمدينة غزة يوم الثلاثاء (رويترز)
وذكرت مصادر فلسطينية ومصرية، مطلعة على أحدث جهود وقف إطلاق النار، أن قطر ومصر، اللتين تضطلعان بدور الوساطة، كثّفتا اتصالاتهما مع طرفي الحرب، لكن لم يتحدد موعد حتى الآن لجولة جديدة من المحادثات، بحسب ما نقلته «رويترز»، الثلاثاء.
وبحث وزير الخارجية المصري، في اتصال هاتفي، الثلاثاء، مع رئيس الوزراء وزير خارجية قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مستجدات الأوضاع في قطاع غزة والجهود المشتركة للبلدين مع الولايات المتحدة «لاستئناف وقف إطلاق النار، وحقن دماء الشعب الفلسطيني، وإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل عاجل ودون عوائق».
وتقول «حماس» إنها مستعدة لإطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين إذا كان ذلك جزءاً من اتفاق ينهي الحرب، بينما ترى إسرائيل أنه يجب إطلاق سراح الرهائن، وأن نهاية الحرب مرهونة بنزع سلاح «حماس» وابتعادها عن إدارة غزة.
قد يهمك أيضًا: بعد تصريح ترامب بشراء الصين للنفط الإيراني.. لكن هل تستطيع طهران التوصيل؟
نائب المدير العام لـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، اللواء محمد إبراهيم الدويري، يرى أن أزمة الضمانات التي تطالب بها «حماس» ليس من السهل حلّها «لأن هناك إصراراً إسرائيلياً على الرفض، فإنهاء الحرب حالياً يعني تفكيك حكومة نتنياهو، (…) ذلك إلى جانب تمسكه بنزع سلاح الحركة الفلسطينية ونفي قياداتها».
وهو يعتقد أنه ليس أمام الوسطاء إلا الذهاب لهدنة مؤقتة تُطرح خلالها أفكار، وتُجرى مناقشات حول تلك الضمانات، وتُذكر بنودها صراحة في الاتفاق، مشيراً إلى أن وقف الحرب ليس وحده ما يحتاج ضمانات، «فالانسحاب الإسرائيلي النهائي أزمة أيضاً، وقضية شائكة كسلاح (حماس). ولا بد أن تؤجل مثل هذه الأمور مع القضايا المماثلة لمفاوضات الحلّ النهائي».
طفل ينهار باكياً الثلاثاء خلال تشييع فلسطينيين قُتلوا في قصف إسرائيلي استهدف منزلاً في دير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)
المحلل السياسي الفلسطيني، أيمن الرقب، يرى أن الأزمة الحالية متعلقة بالضمانات وعدم حسم واشنطن موقفها من ضمانة وقف الحرب مستقبلاً، وتوقع أن تكون أزمة الضمانات ضمن نقاشات لاحقة، يعمل عليها الوسطاء بعد إبرام هدنة مؤقتة ستوافق عليها «حماس» في ظل الظروف الصعبة بقطاع غزة.
ويأتي تمسك «حماس» بالحصول على ضمانات مع إعلان ترمب، الثلاثاء، أنه سيناقش الوضع في غزة وإيران عندما يلتقى نتنياهو في البيت الأبيض، الاثنين المقبل، مضيفاً: «نأمل الوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة وعودة الرهائن، ونتطلع لحدوث ذلك خلال الأسبوع المقبل»، وفق ما نقلته «رويترز».
فلسطينيون يتفقدون الثلاثاء موقعاً قصفته إسرائيل في الزوايدة وسط قطاع غزة (رويترز)
وكان نتنياهو قد تحدث في بيان، الثلاثاء، عن التوجه الأسبوع المقبل إلى الولايات المتحدة لعقد لقاءات مع ترمب بعد «النصر الكبير» الذي قال إنه حقّقه في حرب استمرت 12 يوماً مع إيران، الشهر الماضي.
وقالت المتحدثة الإعلامية للبيت الأبيض، كارولاين ليفيت، في مؤتمر صحافي، يوم الاثنين، إن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، المقرب من نتنياهو، موجود في واشنطن هذا الأسبوع للقاء مسؤولين في البيت الأبيض، لبحث إنهاء الحرب على غزة.
وتحدثت مصادر مصرية مطلعة، الثلاثاء، لوسائل إعلام محلية عن «ضغط مصري متزايد خلال الساعات الأخيرة لانخراط إسرائيل و(حماس) في صفقة تبادل شاملة، وليس مجرد هدنة مرحلية».
وقالت هذه المصادر إنه من المقرر أن تصل وفود من الأطراف المختلفة، خلال الاثنتين والسبعين ساعة المقبلة، إلى القاهرة، بينما توجد بالفعل شخصيات ممثلة لكل طرف لحلّ النقاط الخلافية.
فلسطينية تبكي قرب جثمان قريب لها قُتل في غارة إسرائيلية على شاطئ غزة (أ.ف.ب)
وبحسب تلك المصادر، فإن نتنياهو «يعرقل التفاوض للوصول إلى صفقة شاملة، فيما يعرض الوسيط الأميركي العمل على براءة كاملة في الداخل الإسرائيلي لا تنهى حياة نتنياهو السياسية بالحبس، في مقابل إقرار الصفقة التي تتضمن وقفاً لإطلاق النار بشكل كامل».
ويتوقع الدويري مزيداً من المناقشات بين ترمب ونتنياهو لحسم صفقة جديدة مؤقتة ستكون قريبة بشأن غزة، مشيراً إلى أن واشنطن «عليها دور كبير لإنهاء تلك الأزمة، ويجب ألا تكون منحازة، وتعمل مع مصر وقطر على إنهاء الأزمة في أسرع وقت».
ويعتقد الرقب أن زيارة نتنياهو لواشنطن ستكون «حاسمة» في إبرام صفقة جديدة لقطاع غزة، وربما يضغط ترمب عليه ويعلن عن الهدنة من واشنطن، متوقعاً حال حدوث ذلك أن تقبل «حماس» بتلك الهدنة، مع وعود بمناقشة الضمانات في أثناء تنفيذ الاتفاق.